17-يونيو-2017

تغيب المهنية عن الأهرام حتى في مجلتها العربية (أود أندرسون/ أ.ف.ب)

في عدد مجلة "الأهرام العربي" الأخير، ملف بعنوان "30 يونيو أكبر جمعية عمومية للعرب"، ملف اختارته المجلة الموجهة للقراء العرب، جاء في توقيت غريب يؤكد على انحيازات رئيس التحرير الجديد للمجلة "الموالي بشدة" للنظام، بعكس علاء العطار رئيس التحرير السابق الذي لم يكن ليفوته تخصيص ذلك العدد المشار إليه، كاملًا، لصالح التأكيد على مصرية جزيرتي تيران وصنافير، خصوصًا أن العدد الجديد طُبع في اليوم التالي مباشرة لتمرير برلمان السيسي لإتفاقية التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية.

في ظل جدل واسع إبان التنازل عن الجزيرتين للسعودية، الأهرام العربي تكاد تتجاهل الحدث وتخصص عددها لمدح انقلاب 30 يونيو

بدا واضحًا أن جمال الكشكي، رئيس تحرير المجلة الجديد، الذي عيّنه السيسي قبل أسبوعين في حركة عُرفت باسم "المشروع الوطني لإصلاح المؤسسات الصحفية القومية"، يفعل ما يفعله غيره من مسؤولين يلقون بأوراق ولائهم منذ البداية للحفاظ على مناصبهم التي وصلوا إليها بالولاء والانكفاء وليس الجدارة والاستحقاق، فبدلًا من تقديم تغطية تليق بالاتفاقية التي حشد لها النظام المصري كلّ قواه وأذرعه القمعية والتنفيذية، اكتفت المجلة بتقرير فضائحي يعدّد الوثائق والمراسلات التي تؤكد سعودية الجزيرتين.

اقرأ/ي أيضًا: مصر.. التعيينات الإعلامية إرضاءً لرجال الرئيس

ملف الأهرام العربي تضمّن حوارين حاولت بهما الترويج لأهمية بالغة مثّلتها خطوة الإطاحة بالرئيس السابق محمد مرسي أو ما يُعرف في أوساط أنصار عبد الفتاح السيسي باسم "ثورة 30 يونيو"، الحوار الأول كان مع السفيرة منى عمر، مساعد وزير الخارجية للشؤون الإفريقية السابق ورئيس لجنة العلاقات الخارجية بالمجلس القومي للمرأة، والتي أكدت في حديثها للمجلة أن "التوجه القوي للرئيس المصري تجاه إفريقيا وحرصه على حضور القمم الإفريقية كان له تأثيره في رفع التصنيف الدولي لمصر"، أما الحوار الثاني فكان مع سعد الزنط مدير مركز الدراسات الاستراتيجية وأخلاقيات الاتصال، وهو واحد من هؤلاء "الخبراء الاستراتيجيين" الذين لا يكفون عن الحديث عن المؤامرة الكونية ضد مصر المستهدفة عبر تاريخ العالم بكل مراحل تطوره وحروب الجيل الرابع وما تلاها.

وفي حواره مع "الأهرام العربي" لم يخيّب الزنط ظن محاوره فأكد أن "ثورة 30 يونيو غيّرت الخريطة السياسية بكل مستوياتها ليس لمصر فقط، وإنما للعرب وللعالم أجمع لأنه لو فشلت هذه الثورة لانتهت الأمة العربية لعشرات السنين، أرضًا وشعوبًا بكل معاني الضياع وأصبح العالم على فوهة بركان"، واستفاض الزنط في تدليله على أهمية الأمر بقوله "إنها (30 يونيو) أوقفت طغيان قطار الدهس الأمريكي العملاق وكسر إرادة الهيمنة".

الصفحة الأولى من العدد الأخير للأهرام العربي

ما سبق من حديث "الخبيرين" ليس سوى غيض من فيض سردية المؤامرة العالمية المزمنة التي أدمنت عليها أصوات المصريين المحافظين الموالين، ولكن اللافت أن الأمر لم يقف عند حدود المصريين ممن يتصورون أن عواصم العالم تتواطأ لاحتلال بلادهم في أقرب فرصة، بل تعدَّاهم إلى غيرهم من "الخبراء" العرب الذين استكتبتهم المجلة خصيصًا لهذه المناسبة. أحمد الجار الله، رئيس تحرير السياسة الكويتية وجميل الذيابي رئيس تحرير صحيفة عكاظ السعودية ومحمد الحمادي رئيس تحرير الاتحاد الإماراتي، ثلاثتهم اجتمعوا على صفحات "الأهرام العربي" في ثلاث مقالات متتالية ليؤكدوا أن "30 يونيو" بمثابة فتح عربي استحق مكانه في ذاكرة التاريخ، مع اختلاف درجة المبالغة لدى كل منهم.

اعتبر كاتب كويتي في العدد الأخير من الأهرام العربي أن ما تحقق في 30 يونيو يوازي عبور خط بارليف وتحرير سيناء

اقرأ/ي أيضًا: 5 أخبار مضحكة في مهزلة تدليس الأهرام المصرية ضد قطر

فإذا كان الكاتب الكويتي قد اعتبر أن ما تحقق في 30 يونيو يوازي عبور خط بارليف وتحرير سيناء، فقد ذهب الكاتب السعودي إلى أن انتقال السلطة إلى الجيش في 2013 منع مخططًا لخطف البلدان العربية من حكوماتها وإلغاء التقسيم الجغرافي المتعارف عليه بالحدود لمصلحة إقامة الخلافة الإسلامية، بينما اعتبر الكاتب الإماراتي أن ما يحدث في قطر اليوم هو إحدى نتائج 30 يونيو، مدعيًا أنه في الذكرى الرابعة لـ "الثورة" تكاد مصر تستعيد أنفاسها ويكاد الرئيس السيسي يشعر بأن القادم أفضل ويكاد يشعر الشعب المصري بأن الخروج من النفق الذي يعيش فيه منذ سنوات بات قريبًا.

الكتاب الثلاثة حاولوا إصباغ أهمية فائقة على الحدث وربطه بالأزمة الخليجية مؤخرًا بعد التصعيد الدبلوماسي غير المسبوق الذي افتعلته ثلاث دول خليجية تجاه دولة قطر بمحاولة حصارها، فقد ادعى الحمادي أن ما شهدته الدول العربية في أوائل 2011 من هبّات وانتفاضات شعبية مطالبة بالتغيير والإصلاح الديمقراطي لم يكن سوى مخطط تخريبي تقف وراءه الدولة القطرية، بل وذهب في استنتاجاته إلى افتراض وجود رغبة قطرية في إسقاط الدول العربية الكبيرة مثل مصر وسوريا والسعودية، مستعيدًا في ذلك قاموس المؤامرة والعمالة المعتاد لدى زملائه المصريين من متبنّي نظرية المؤامرة على مصر.

وعلى النهج ذاته سار الذيابي في مقاله، الذي اقتبس عنوانه من أحد الأسئلة المثيرة للجدل التي وردت في امتحان الجغرافيا لطلاب الثانوية العامة المصرية هذا العام، متسائلًا عن النتائج المتوقعة ما لم تنجح "ثورة 30 يونيو" في إزاحة الإخوان من الحكم واستبدالهم بجمهورية عسكرية، وكيف ستكون الأوضاع في السعودية ودول الخليج بعد انتقال روح التغيير إليها، والتي اختار الكاتب تعميتها وإخفاءها تمامًا في مقاله مستبدلًا بها كلامًا عن "أجندات تركيا الأردوغانية وإيران الفارسية مع الإخوان".

أما رئيس تحرير السياسة الكويتية فلم يحد عن الخط الذي بدأ به مقاله، فأكدّ أن مصر بلا شك ستصبح يابان العرب في غضون سنوات قليلة، واعتبر أن نظام السيسي يقوم حاليًا بإعادة تأسيس جديدة مشابهة لعهد محمد علي في الإنجاز والقوة والنفوذ، وزعم أن السيسي يعيد الاعتبار لحكم القانون، قبل أن يختم مقاله بكلام مرسل عن أن مصر اليوم محطة كبرى على خريطة السياحة العالمية ومقصدًا استثماريًا للشركات الدولية، معقبًا بعد ذلك مباشرة بقوله: "ها هي تستعيد دورها في الدفاع عن الأمة العربية أيضًا، وتشكّل خط الدفاع الأول عن دول مجلس التعاون الخليجي". وهكذا تمت حفلة تطبيل الأهرام العربي متعددة الأوجه تحت عباءة نظام السيسي وداعميه من رحم الإعلام المعادي للديمقراطية وأي تحرك نحوها بالجملة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

شيخوخة الأهرام.. ديون وفساد وهيمنة العسكرتاريا

صحفيون مصريون.. "اشتراهم" بن علي لتمجيد نظامه!