20-نوفمبر-2015

نحن نشهد حربًا بين طرفي صراع مجهولي الهوية لدى الجميع(محمد الشيخ/أ.ف.ب)

في سياق الحرب على الإرهاب، الذي بدأ يمتد من الشرق الأوسط إلى أوروبا والولايات المتحدة، ومن خلال تشكيل تحالفات عسكرية من أجل القضاء عليه، برزت أهمية الحرب الالكترونية والتكنولوجية ضدّ تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، للقضاء على مصادر تواصلها مع مؤيديها، الذين يزدادون بشكل مطّرد، بحسب الأجهزة المخابراتية  للعديد من دول القرار العالمي.

لم تقتصر الحرب ضد "داعش" على التدخلات العسكرية والجوية وانتقلت إلى حرب إلكترونية ضد مواقع التنظيم 

التصريح الأخير لوزير الخارجية الروسي "سيرغي لافروف"، في معرض دفاعه عن بشار الأسد، بأن "داعش" ظهرت منذ عشر سنوات، أي بعد احتلال العراق، وهذا ما أكّده رئيس وزراء بريطانيا الأسبق "توني بلير"، الذي شارك "جورج بوش الابن" في احتلال العراق، والذي قدّم اعتذاراً عن ذلك مؤخرًا واعترف أن هذا الاحتلال ساعد كثيرًا في ظهور "داعش"، هذه التصريحات تكشف بوضوح حقيقة هذا التنظيم.

أخذت الحرب بعدًا مختلفاً عن التدخّلات العسكرية والطلعات الجوية، التي تعدّ بالمئات، ضدّ تنظيم داعش في سوريا والعراق، وانتقلت إلى الشبكة العنكبوتية، بحربٍ ضروسٍ ضدّ مواقع التنظيم في محاولة لاختراقها والقضاء عليها، لوقف التجنيد، الذي تعمل عليه "داعش" في كلّ مكان.

وتبنّت هذه العملية مجموعة القرصنة العالمية "الأنونيموس" الشهيرة، التي استطاعت أن تنفّذ عمليات قرصنة لآلاف المواقع الالكترونية، ومنها مواقع خاصة بتنظيم الدولة، بعد الهجوم على صحفية "شارلي إبدو" الفرنسية، المتخصّصة بالكاريكاتير، واستطاعت أن تحدّ من عدد كبير من مواقع التنظيم، وكان رد "داعش" على هذه الحملة بحملة مضادة، وتهديدات بالتصفيات في كل مكان من العالم.

هذه الحرب الافتراضية، التي بدأت بين تنظيم الدولة ومجموعة "الأنونيموس"، في قرصنة المواقع، انتقلت إلى مرحلة جديدة، وهي حرب الأفكار بين طرفي الصراع، عبر التعليقات والردود على حسابات التنظيم ومؤيديه، على مواقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك وتويتر"، وطرح مفهوم أن "داعش" لا تمثل الإسلام، ولا تمتلك الفكر الحضاري، وهي تستخدم الدين كغطاء لجرائمها، غير المبررة، بحق المدنيين.

في الحقيقة، أننا نشهد حربًا بين طرفي صراع، مجهولي الهوية، لدى جميع المتابعين لتفاصيل ما يحدث، وعندما تبث وكالة "أعماق"، التابعة لتنظيم داعش، أي تسجيل مرئي عن إحدى الجرائم التي ترتكبها، أو تسجيل صوتي لأحد زعمائه، حول سياسات التنظيم، أو تبنٍّ لعمليات إرهابية تم تنفيذها في أي مكان في العالم، تكون هوية المتحدث مجهولة تمامًا، أو ربما من خلف لثام.

ولو لا تحليل الصوت، والحركات الجسدية للسفاح الداعشي، الذي ذبح عدداً من الصحفيين بدم بارد، لما تمكّن أحد من معرفة أن هذا السفاح هو "جون"، المنحدر من أصول بريطانية، فضلاً عن أنّه إلى الآن لم يستطع أحد إثبات صحة الصورة المسرّبة لزعيم تنظيم الدولة الإسلامية، المدعو "أبو بكر البغدادي"، الذي خرجت عدة روايات حول هويته الشخصية.

من الواضح أن "داعش" تنفذ جميع العمليات، دون معرفة أصحابها أو هوياتهم الحقيقية، بسبب الاستتار أولاً خلف اسم حركي، والثاني عدم ظهور الوجه. وبالطبع، فإنّ هذا التعتيم أمر خاص بالقيادات فقط، وتشاركها ذات الطريقة "جبهة النصرة" ،التي خرج على الإعلام زعيمها "أبو محمد الجولاني"، دون أن يظهر منه إلا ظهره فقط، وقد تّم إخفاء وجهه بشكل كامل.

في المقابل، وعلى الرغم من الرسالة السامية التي تتبناها مجموعة "الأنونيموس"، وفق ما هو معلن، إلا أنهم يختفون خلف أقنعة خاصة بهم، والتي تحوّلت بدورها إلى علامة فارقة بالنسبة لهم، حيث أنّها تمثل شعارًا لهذه المجموعة، قناع "جاي فوكس" الذي ظهر في عام 2005، والذي صمّم للفيلم السينمائي (V for Vendetta)، الذي ينتمي إلى الخيال العلمي، والمأخوذ عن رواية بنفس الإسم للكاتب (ألن مور). واعتمدت مجموعة "الأنونيموس" القناع، الذي ترتديه الشخصية الغامضة (V) التي تحاول إصلاح الوضع السياسي في بلدها، رمزًا للدلالة على سرّية المجموعة ولامركزيتها وغموضها.

تقول نظرية المؤامرة إن تنظيمي "داعش" و"الأنونيموس" يمثلان وجهين لعملة واحدة بالاعتماد على عملاء المخابرات العالمية

شعور غريب ينتاب من يحاول الربط بين هذين التنظيمين العالميين، فهما على درجة عالية من السرّية في عملهما، وإخفاء شخصيات القادة في كلا التنظيمين، حتى عن أعضاء التنظيمين أنفسهم، أو ما يسمى اللامركزية في إدارة التنظيمين، ثم الدخول في لعبة الحرب الإلكترونية.

ولا يخفى على أحد أن تنظيم الدولة الإسلامية لديه خبرات هائلة في التقنيات المعلوماتية، وتظهر هذه الخبرات، من خلال التصوير الاحترافي للمجازر والجرائم التي يرتكبها، أو عبر الاطلاع على مجلة التنظيم التي تصدر باللغة الإنجليزية "دابق" وغير ذلك من هذه التقنيات التي يعتمد عليها، كما أن معظم عمليات التجنيد تتم من خلال مواقع التواصل الاجتماعي.

سأحاول اعتماد نظرية المؤامرة، التي ثبتت في أكثر من مرة أنها نظرية صائبة، ويجب الاعتماد عليها في مثل هذه الحالات، تقول هنا نظرية المؤامرة إن تنظيمي "داعش" و"الأنونيموس" يمثلان وجهين لعملة واحدة. يقوم على سكّ هذه العملة مجموعة منتقاة من عملاء المخابرات العالمية، وقد يكون"أبو بكر البغدادي" أحد أعضاء مجموعة "الأنونيموس"، ذات النوايا الحسنة، وفي المقابل فإنّ من هدد "داعش" على شاشات التلفزة، ربما يكون المتحدث الرسمي له "أبو محمد العدناني"، كونهما يعملان لصالح جهة واحدة، طالما أن الغموض يكتنف شخصيات كلا التنظيمين!

اقرأ/ي أيضًا:

ليس داعش وحده داعش

هل سيحارب العالم داعش؟