الأنقاض والجثامين والمساعدات المعرقلة.. وجه غزة ما بعد اتفاق وقف إطلاق النار
17 أكتوبر 2025
تبدأ اليوم الآلية الدولية لتنسيق جهود إعادة جثامين المحتجزين الإسرائيليين ووقف إطلاق النار وإدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة عملها رسميًا، وسط مشهد إنساني بالغ التعقيد وتوتر سياسي متصاعد بين حركة حماس والحكومة الإسرائيلية.
فبينما تتحدث واشنطن وتل أبيب عن "مرحلة انتقالية" في غزة، ما تزال الأنقاض، والجثامين المفقودة، والمساعدات المعرقلة ترسم ملامح واقع مأساوي يهدد بانهيار إنساني شامل.
ومع دخول 200 جندي أميركي للمشاركة في مهام التنسيق الميداني، تتجدد الأسئلة حول قدرة هذه الآلية على تحقيق تقدم فعلي في ظل تعنت حكومة نتنياهو واستمرار الحصار ومنع دخول المعدات الضرورية، في وقت تواصل فيه المقاومة الفلسطينية التأكيد على التزامها بالاتفاق رغم العراقيل.
الآلية الدولية لإعادة الجثامين تبدأ عملها
بدأت اليوم الآلية الدولية لتنسيق جهود إعادة جثامين الأسرى الإسرائيليين ووقف إطلاق النار وإدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة عملها رسميًا، وفق ما أفادت به هيئة "البث الرسمية" الإسرائيلية. وتضم الآلية 200 جندي أميركي وصلوا تدريجيًا إلى إسرائيل للمشاركة في جهود التنسيق الميداني واللوجستي، في وقت تتصاعد فيه الخلافات بين حركة حماس وحكومة نتنياهو بشأن تنفيذ بنود الاتفاق الإنساني.
حماس: نتنياهو يعرقل تنفيذ الاتفاق ويستخدم الملف الإنساني للمساومة السياسية
قالت حركة حماس إن تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وتهديده بتأخير فتح معبر رفح وتقليص دخول المساعدات الإنسانية "تعكس نهجًا فاشيًا في معاقبة أهل غزة والتلاعب بالملف الإنساني لتحقيق مكاسب سياسية".
وأكدت الحركة أن الجثامين التي تمكّنت المقاومة من الوصول إليها جرى تسليمها مباشرة، فيما يتطلب استخراج باقي الجثامين معدات ثقيلة لرفع الأنقاض "غير المتوفرة حاليًا بسبب منع الاحتلال دخولها".
وشددت حماس على أن أي تأخير في تسليم الجثامين تتحمل مسؤوليته الكاملة حكومة نتنياهو، مؤكدة التزامها بالاتفاق وحرصها على تنفيذه رغم ما وصفته بـ"المماطلة الإسرائيلية المتعمدة".
حماس: تهديدات نتنياهو بشأن معبر رفح والمساعدات تعكس نهجًا فاشيًا ومعاقبة جماعية لغزة
جثث مدفونة تحت الأنقاض ومخاوف من قنابل لم تنفجر
نقلت قناة "i24news" عن مصدر مطلع أن حماس أبلغت الوسطاء بوجود جثمان لأحد المخطوفين على عمق سبعة طوابق، فيما تقع جثث أخرى بالقرب من قنابل لم تنفجر.
وأشار المصدر إلى أن عملية إعادة الجثامين قد تستغرق وقتًا طويلًا نظرًا لحجم الدمار الهائل وغياب المعدات اللازمة، في حين يصر الجيش الإسرائيلي على منع دخول أي أدوات تتيح بدء عمليات إعادة الإعمار أو رفع الأنقاض.
واشنطن: واثقون من إعادة جميع الرفات
وفي تصريحات نقلتها صحيفة "نيويورك بوست"، قال المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف خلال فعالية بمتحف "الهولوكوست" في واشنطن: "الولايات المتحدة تعمل على ضمان عودة جميع رفات الرهائن من قطاع غزة، وأنا واثق من تحقيق ذلك".
وأضاف ويتكوف أن المرحلة الانتقالية في غزة يجب أن تشمل التعليم والعمل وليس فقط الأمن والسلاح، مؤكدًا أنه "لا مستقبل لحماس في غزة ما لم تنزع سلاحها بالكامل".
استمرار الضغط الإسرائيلي
أشار منسق شؤون الأسرى والمفقودين في الحكومة الإسرائيلية، غال هيرش، إلى أن الضغط على حركة حماس مستمر وسيتصاعد، في وقت عقد فيه نتنياهو اجتماعًا مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب مساء الخميس لبحث الملف.
وفي السياق ذاته، ذكر نادي الأسير الفلسطيني أن سلطات الاحتلال تحتجز جثامين 86 أسيرًا استشهدوا داخل السجون الإسرائيلية، بينهم 75 أسيرًا ارتقوا بعد الحرب الأخيرة على قطاع غزة.
تركيا تعيّن منسقًا خاصًا للمساعدات في غزة
قال مصدر في وزارة الخارجية التركية لوكالة "رويترز" إن الرئيس السابق لهيئة إدارة الكوارث والطوارئ التركية"آفاد"، محمد جول أوغلو، وهو سفير سابق، تم تعيينه منسقًا للمساعدات الإنسانية للفلسطينيين، مشيرًا إلى أنه سافر إلى المنطقة يوم الأربعاء لبدء مهامه.
وأضاف المصدر أن أنقرة "تحشد كل مواردها من أجل إيصال المساعدات إلى غزة بسرعة، وإقامة مناطق سكنية مؤقتة، والمساهمة في إعادة إعمار القطاع"، في وقت تستعد فيه تركيا لنشر فرق طوارئ متخصصة في غزة للمساعدة في جهود البحث والإنقاذ، بما في ذلك انتشال جثامين الأسرى الإسرائيليين ضمن اتفاق وقف إطلاق النار.
وذكرت صحيفة "فايننشال تايمز" نقلًا عن ثلاثة مصادر مطلعة، أن الخطوة التركية حظيت بموافقة إسرائيلية رغم استمرار التوترات السياسية بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
وأوضح مسؤول تركي أن هيئة "آفاد" ستوفد أكثر من 80 خبيرًا في الاستجابة للكوارث والزلازل إلى غزة، للمشاركة في إزالة الأنقاض وإنشاء ملاجئ مؤقتة للأهالي المتضررين من الدمار الواسع الذي خلّفته الحرب.
دمار غير مسبوق في غزة
أكد المكتب الإعلامي الحكومي في غزة أن القطاع يواجه أكبر كارثة إنشائية وإنسانية في التاريخ المعاصر، مشيرًا إلى وجود ما بين 65 و70 مليون طن من الركام والأنقاض حتى منتصف أكتوبر/ تشرين الأول 2025.
وأوضح أن هذا الركام يضم آلاف المنازل والمنشآت والمرافق الحيوية التي دمّرها الاحتلال عمدًا، فيما يمنع الجيش الإسرائيلي إدخال المعدات اللازمة لإزالة الأنقاض أو إعادة الإعمار.
من جهتها، قالت شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية في تصريحات لـ "التلفزيون العربي" إن هناك تباطؤًا متعمدًا وواضحًا في إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، مشيرةً إلى أن الاحتلال الإسرائيلي يماطل في السماح بدخول مستلزمات الإيواء الأساسية التي يحتاجها المواطنون بعد الدمار الواسع الذي خلّفته الحرب.
وأضافت الشبكة أن الاحتلال يسعى إلى التحكم في مسار المساعدات واستخدامها كورقة ضغط سياسية وسلاحٍ لمعاقبة السكان المدنيين، في انتهاك صارخ لمبادئ القانون الدولي الإنساني.
الحاجة إلى بيئة مستقرة لضمان وصول المساعدات إلى جميع الفلسطينيين في غزة
بدوره، أكد برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة أنه يحتاج إلى بيئة عمل مستقرة وآمنة في قطاع غزة، لضمان استمرار عملياته الإنسانية ووصول المساعدات الغذائية إلى جميع الفلسطينيين المحتاجين.
وأوضح البرنامج أنه يدخل نحو 560 طنًا من المواد الغذائية يوميًا إلى القطاع منذ بدء سريان وقف إطلاق النار، مشيرًا إلى أن هذا المعدل يسجل تحسنًا تدريجيًا لكنه لا يزال أقل من المستوى المطلوب لتلبية الاحتياجات الهائلة للسكان، في ظل الأوضاع الإنسانية المتفاقمة وانهيار سلاسل الإمداد المحلية.
انهيار اقتصادي وزراعي شامل
قالت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" إن جميع الأراضي الزراعية في قطاع غزة تقريبًا أصبحت مدمرة أو غير قابلة للوصول، مضيفة أن العائلات التي كانت تعيش من إنتاج أرضها "فقدت أي مصدر دخل" في ظل انهيار شامل للأسواق وارتفاع حاد في أسعار المواد الغذائية.
إجماع وطني في غزة على رفض الفوضى واستعادة الأمن
أكدت وزارة الداخلية في غزة وجود إجماع وطني وشعبي واسع على استعادة الأمن والنظام ورفع الغطاء العائلي والعشائري عن كل من يدعم الفوضى أو يتواطأ مع الاحتلال في محاولاته لضرب السلم الأهلي. وأشادت الوزارة بـ"حالة التلاحم الوطني" التي عبّرت عنها الفصائل والعائلات الفلسطينية، معتبرةً أن هذا الموقف الموحد يشكل سندًا مجتمعيًا في مواجهة محاولات بث الفتنة والفلتان الأمني.
وقالت الوزارة في بيانها إن "تعاون حفنة مارقة مع الاحتلال لا يعيب شعبنا، وستبقى هذه الشرذمة معزولة وملفوظة وطنيًا ومجتمعيًا"، مشددة على أن الأجهزة الأمنية تعمل بتنسيق وثيق مع العائلات والعشائر والفصائل لضمان استتباب الأمن بعد عامين من الحرب الوحشية على القطاع. وأضافت أن عملاء الاحتلال ومثيري الفوضى لن يكتب لهم البقاء في ظل هذا الإجماع الوطني الرافض لأي مساس بالسلم الأهلي.
لا أحد انتصر في حرب غزة
أظهر استطلاع للرأي نشرته القناة 12 الإسرائيلية أن 48% من الإسرائيليين يعتقدون أن لا تل أبيب ولا حماس حققتا انتصارًا في الحرب التي استمرت عامين.
في المقابل، يرى 36% أن إسرائيل فازت في الحرب، بينما اعتبر 9% أن حماس هي المنتصرة. كما أظهر الاستطلاع أن57% من الإسرائيليين يطالبون بلجنة تحقيق مستقلة يرأسها قاضٍ من المحكمة العليا للتحقيق في أحداث 7 أكتوبر 2023 والحرب على غزة، فيما تتراجع شعبية نتنياهو بشكل لافت مع استمرار الانقسام الداخلي حول موعد الانتخابات المقبلة.