تستضيف القاهرة 27 شباط/فبراير الجاري قمةً عربية طارئة حول غزة، وفي ذات السياق أُعلن أيضًا عن توافقٍ مبدئي على عقد اجتماعٍ وزاري طارئ على مستوى منظمة التعاون الإسلامي، وذلك بُعيد القمة العربية المبرمجة.
وقبل ذلك أعلن العاهل الأردني عبد الله الثاني، على هامش لقائه بالرئيس الأميركي دونالد ترامب، أنّ مصر بصدد تقديم تصوّر جديد لإعمار غزة معتبرًا أنه "يجب الانتظار حتى رؤية الخطة المصرية ومناقشة الأمر في السعودية"، في إشارةٍ من العاهل الأردني إلى وجود ردٍّ عربي موحّد، من المتوقع أن يرى النور في غضون الأيام القليلة القادمة.
وسيكون مدارُ هذا الرد العربي، حسب ما هو معلن، "التأكيد على ثوابت الموقف الفلسطيني والعربي والإسلامي بشأن القضية الفلسطينية، والتمسك بحقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف، وفي مقدّمتها الحق في تقرير المصير والعيش في وطنه على أرضه".
كما استبقت الخارجية المصرية تصريحات العاهل الأردني بتأكيدها أنّ القاهرة "تعتزم تقديم تصورٍ متكامل لإعادة إعمار قطاع غزة، يضمن بقاء الشعب الفلسطيني على أرضه، وبما يتّسق مع الحقوق الشرعية والقانونية لهذا الشعب".
كان الرئيس الأميركي دونالد ترامب هدّد بقطع المساعدات الأميركية عن مصر والأردن، بسبب موقفهما الرافض لمقترحه بشأن الاستيلاء على غزة وتهجير سكانها منها نحو الأراضي المصرية والأردنية
وفي هذا السياق كشفت الخارجية المصرية عن قيام بدر عبد العاطي بإجراء اتصالات خلال الأيام الأخيرة "مع عدد من وزراء خارجية الدول الأعضاء بمنظمة التعاون الإسلامي، ومن ضمنها السعودية وباكستان وإيران والأردن". ومن المتوقّع أن تُسفر الجهود المصرية والعربية عن تعبئة الموارد اللازمة لإعادة الإعمار دون الحاجة لتهجير سكان غزة. لكن التحدي الحقيقي يكمن في ما إذا كان بالمستطاع تنفيذ الإعمار دون أخذ الإذن الأميركي؟ ويعني ذلك أحد أمرين، إمّا إقناع ترامب بالتخلي عن مقترحه أو فرْض سياسة الأمر الواقع على ترامب عبر عدم انتظار موافقته.
وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب هدّد بقطع المساعدات الأميركية عن مصر والأردن، بسبب موقفهما الرافض لمقترحه بشأن الاستيلاء على غزة وتهجير سكانها منها نحو الأراضي المصرية والأردنية، وذلك قبل أن يتراجع ترامب عن ذلك التهديد، لأسباب لم تتكشّف بعد بشكلٍ كامل.
هل يتريّث السيسي في لقاء ترامب قبل إنضاج الخطة المصرية لإعمار غزة؟:
نقلت وول ستريت جورنال عن مصادر مصرية قولها إن لدى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي "قلقًا بشأن الصورة العامة إذا ما زار البيت الأبيض والتقى الرئيس الأميركي دونالد ترامب بعد دعوة الأخير مصر والأردن لاستقبال سكان غزة".
كما نقلت الصحيفة الأميركية عن المسؤولين المصريين الذين تحدثوا إليها قولهم إن لدى السيسي أيضًا "شعورًا بالقلق من المخاطر المترتبة على تعرّضه لضغوطٍ أميركية علنية، في ظل إصرار ترامب على الترويج لخطته وحثّ الجميع على قبولها، علمًا بأن القاهرة أعلنت رفضها الصريح لها"، وأضافت مصادر وول ستريت جورنال أنّ القضية "قد تعدّ مشكلةً أمنية للجيش".
ولم يعلن حتى اللحظة عن أي موعد محدد للّقاء المرتقب بين السيسي وترامب، مع الإشارة إلى أنّ ترامب أعلن سابقًا أنه سيتباحث مع الرئيس المصري بشأن أفكاره حول إعمار غزة واستقبال مصر لسكان من القطاع المدمّر.
يشار إلى أنّ الرئيس المصري عاد أمس الثلاثاء ليشدّد على أن الهدف من إعادة إعمار قطاع هو "جعْل القطاع قابلًا للحياة، وذلك من دون تهجير سكانه الفلسطينيين، وبما يضمن الحفاظ على حقوقهم ومقدراتهم في العيش على أرضهم".
وفي بيانٍ منفصل أعربت الخارجية المصرية عن تطلّع الدولة المصرية "للتعاون مع الإدارة الأميركية بقيادة الرئيس دونالد ترامب من أجل التوصل لسلامٍ شامل وعادل في المنطقة، وذلك من خلال التوصل لتسوية عادلة للقضية الفلسطينية تراعي حقوق شعوب المنطقة".
وأكد بيان الخارجية أن مصر بصدد طرح "تصورٍ متكامل لإعادة إعمار القطاع، وبصورة تضمن بقاء الشعب الفلسطيني على أرضه وبما يتسق مع الحقوق الشرعية والقانونية لهذا الشعب".
وكان وزير الخارجية المصرية بدر عبد العاطي زار الأحد الماضي العاصمة واشنطن، حيث أجرى مباحثات مع المسؤولين الأميركيين بشأن تطورات المنطقة، دون أن ترشح للإعلام أي تفاصيل عن النقاط التي تم نقاشها، وإن كان عبد العاطي جدّد رفض خطط تهجير الغزّيين، وأكّد على ضرورة قيام دولة فلسطينية.
خطوط القاهرة الحمراء
تجادل مصر بأنّ مقترح تهجير سكان غزة يعرّض مكتسبات السلام في المنطقة للخطر، وذلك في إشارة من القاهرة لاتفاقية السلام المبرمة مع إسرائيل 1979، إذ ليس مستبعدًا أن تتحول الأراضي المصرية إلى منصة لشن هجمات ضدّ إسرائيل في حال توطين الغزيين فيها. كما أنّ سيناريو تجريد الفلسطينيين من ملكية أراضيهم يعني عمليًا تعذّر إقامة دولة فلسطينية، فليس مستبعدًا أن يطال التهجير بعد ذلك سكان الضفة الغربية. فضلًا عن ذلك ثمة تحديات أمنية أخرى ذات صلة بالقدرة على تأمين الممرات البحرية في حال عادت الحرب وتعرض الاستقرار الإقليمي في المنطقة للخطر.
وبدلًا من تعريض "المكتسبات للخطر" ترى القاهرة أنّ الحل يكمن في "التعامل مع مسببات وجذور الصراع، من خلال إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية، وتنفيذ حل الدولتين باعتباره السبيل الوحيد لتحقيق الاستقرار والتعايش المشترك بين شعوب المنطقة".
ترامب يتراجع عن تهديد القاهرة وعمّان بقطع المساعدات:
لفت موقع إنترسبت إلى أنّ ترامب تراجع خطوةً إلى الوراء بقوله على هامش لقائه بالعاهل الأردني إنه لن يستخدم "سلاح" قطع المساعدات ضدّ عمّان والقاهرة. وكان ترامب قد هدّد باللجوء إلى استخدام المساعدات كورقة ضغط لإرغام مصر والأردن على الرضوخ لخطته بشأن غزة.
يُذكر أنه في عام 2023، تلقى الأردن 1.69 مليار دولار، بينما تلقت مصر 1.5 مليار دولار كمساعدات خارجية من الولايات المتحدة الأميركية، وذلك وفقًا للبيانات الفيدرالية.