21-مارس-2021

لوحة لـ جيمس مكنيل ويسلر/ أمريكا

ألترا صوت – فريق التحرير

تُستعاد في مثل هذه الأيام من كل عام، أعمالٌ أدبية مختلفة، تناولت أو قدَّمت صورًا مختلفة للأم، ترتبط غالبًا بالتضحيات التي تُقدِّمها، والتي تُعد شرطًا من شروط الاستعادة التي تتم على وقع الاحتفال السنوي بعيد الأم، في الـ 21 من آذار/ مارس.

ويُبيّن القيام بجولةٍ سريعة على هذه الأعمال المستعادة، والتي تتطابق وتتكرر في أغلب المقالات التي استعادتها، أنها أعمالٌ تُقدِّم صورة نمطية للأم، بحيث تبدو للقارئ مألوفة ومكررة، لكونها لا تتعدى حدود التضحية والمعاناة، الأمر الذي يطرح السؤال التالي: هل هذا كل ما يمكن للأدب أن يقوله ويصورّه؟ والجواب قطعًا لا، إذ نعثر في أعمالٍ أخرى على صورٍ ملفتة ومثيرة لاهتمام، تبتعد عن التنميط، وتذهب نحو الواقع، بحيث نرى الأم بصفتها إنسانة قبل أي تصنيفٍ آخر.

في هذه المقالة، نستعرض لكم 6 مشاهد من أعمالٍ أدبية مختلفة، جاء فيها حضور الأم مفاجئًا وملفتًا للانتباه، حيث استُبدلت فيها العلاقة المميزة والعاطفية بين الأم وأبنائها، بأخرى متوترة تقوم على الكره والبغض المُتبادل، والشعور بالحزن والأسى الذي يثيره نبأ وفاتها، بلامبالاةٍ تثير علامات استفهام كثيرة.


1- عائلة باسكوال دورات

درتُ كي أذهب. كانت الأرض تطقطق. تململت أمي في السرير.

  • مَن هناك؟

وعندئذٍ فعلًا لم يبق حل. هويتُ فوقها وثبّتها، قاومت، انزلقت. وجاءت لحظة أخذتني فيها من عنقي. راحت تصرخ مثل ملعونة. تصارعنا؛ إنّها أفظع معركة يمكنك تصوّرها. زمجرنا مثل بهائم، واللعاب سال من فمينا... وفي إحدى الدورات رأيتُ زوجتي، بيضاء مثل ميتة، واقفة في الباب دون أن تجرؤ على الدخول. جاءت بقنديل في يدها، القنديل الذي استطعتُ في ضوئه أن أرى وجهُ أمّي، بنفسجيًا مثل ثوب نصريّ... تابعنا عراكنا، جاءت لحظة تمزّقت فيها ثيابي وانكشفَ صدري، الملعونة كانت أقوى من شيطان. اضطررت أن أستخدم كلّ رجولتي كي أثبّتها. ثبّتها خمس عشرة مرة وخمس عشرة مرّة انزلقت. كانت تخدشني، ترفسني، تلكمني وتعضّني. جاءت لحظة التقطتْ فيها حلمتي – اليسرى – بفمها فاقتلعتها من جذورها لحظة تمكّنت فيها من غرز النص في حنجرتها...

انبثقَ الدمُ فوّارًا فأصابني على وجهي. كان حارًا مثل بطنٍ وله طعم دم الخراف...

أفلتها وخرجتُ هاربًا. اصطدمت بزوجتي، فانطفأ القنديل. تسلمتُ الحقل ورحت أركضُ وأركضُ ساعاتٍ بكاملها دون راحة. كان الحقل طريًا فجرى في عروقي إحساس يشبه السكينة...

صار باستطاعتي أن أتنفّس...

 

  • مقطع من رواية "عائلة باسكوال دورات" للكاتب الإسباني كاميلو خوسيه ثيلا

 

2 - بيت جندي

"انظر إليَّ يا هارولد"، قالت أمه. "أنت تعلم أننا نحبك، وأريد أن أخبرك، من أجل مصلحتك، كيف هي الأمور. لا يريد أبوك أن يحد من حريتك، فهو يعتقد أنه يجب أن يُسمح لك بقيادة السيارة. وسيكون من دواعي سرورنا إن أردت أن تصطحب معك بعض الفتيات الجميلات. نريدك أن تمتَّع نفسك. لكن عليك أن تجد عملًا، يا هارولد، وأبوك لا يكترث بأي عمل تبدأ، فهو يرى أن العمل، أيا كان، شَرَف. لكن عليك أن تبدأ بشيء ما. لقد طلب مني صباح هذا اليوم أن أكلمك في هذا الأمر، وبعدها عليك أن تذهب وتراه في مكتبه".

"هل هذا كل شي؟" سألها كربز.

"أجل. ألا تحب والدتك، يا عزيزي؟"

"هيا"، قال كريز.

نظرت إليه أمه من الطرف الآخر للمائدة، وكانت عيناها تلتمعان. ثم بدأت تبكي.

"أنا لا أحب أحدًا"، قال كربز.

 

  • مقطع من قصة قصيرة للكاتب الأمريكي إرنست همنغواي بعنوان "بيت جندي".

 

3- برتقال مر

أنام بسرعة في فراشها. شعرها الخفيف الذي يفوح برائحة صابون الزيت والقطران، وملابسها المعطّرة بالصعتر والسمّاق والحبق، تُشعرني بالأمان، فأغفو بسرعة قبل أن تهاجمني تهديدات عيْشة وأدعيتها عليّ:

"ريتني أقبرك، ريتك تعمي، عمى بقلبك".

العمى والموت، لم أعرف أيهما أفظع. كانا شيئًا واحدًا.

يتردد الدعاء في الوادي الصغير والساقية الجافّة طيلة الليل، مع عواء الكلاب الضالّة وبنات آوى التي تغزو كلّ خمّ دجاج في أطراف القرية.

أسمعها تكرّر كلّما تحدّثت لأحد عنّي: "ريتها تعمى قلتلها تجيب الخبزات... بس ريتها تعمى طلعت نامت وما جابتهن... يعمي عيونها شو قاهرتني".

 

  • مقطع من رواية "برتقال مر" للكاتبة اللبنانية بسمة الخطيب.

 

4 - الدفتر الكبير

أمام حديقة بيت الجدّة، قالت أمّنا:

انتظراني هنا.

انتظرنا قليلًا، ثمّ دخلنا الحديقة. دُرنا حول المنزل، جثمنا أسفل النافذة حيثُ تنبعثُ الأصوات. قال صوتُ أمي:

ما عاد لدينا شيء نأكله؛ لا خبز، ولا لحم، ولا خضر، ولا حليب. لا شيء. ما عاد بوسعي إطعامهما.

ردَّ صوتٌ آخر:

إذًا، تذكّرتني. منذ عشر سنوات لم تتذكّري. عشر سنوات، لا زيارة ولا رسائل.

قالت أمي:

تعرفين لماذا. فأنا كنتُ أحبّ أبي.

الصوتُ الآخر:

نعم، والآن تذكّرتِ أنّ لديك أيضًا أمًّا. جئتِ تطلبين مساعدتي.

قالت أمّنا:

لا أطلب شيئًا لأجلي. ما أريده فقط، هو أن يعيش طفلايَ، أن يجتازا هذه الحرب. إنّ المدينة الكبيرة تُقصف ليلًا ونهارًا، ولم يعد ثمّة شيء يؤكل. تمّ إجلاء الأطفال إلى القُرى، عند أجدادهم أو عند الغرباء، أنّى كانوا.

قال الصوتُ الآخر:

ما عليكِ إلا أن ترسليهم عند الغرباء، أنّى كانوا.

قالت أمي:

إنّهما حفيداك.

حفيداي؟ لستُ أعلم حتّى عددهم؟

هما اثنان؛ ولدان، تؤام.

تساءل الصوتُ الآخرُ:

ماذا صنعتِ بالآخرين؟

تساءلت أمي:

أيّ آخرين؟

الكلابُ تضع أربعة إلى خمسة جراء في كلّ بطن. نحتفظُ بواحد أو اثنين ونُغرق الباقي.

ضحكَ الصوت الآخر عاليًا. ظلت أمّنا صامتة.

 

  • مقطع من رواية "الدفتر الكبير" للكاتبة المجرية أغوتا كريستوف

 

5 - يا سلام

حملتُ نفسي وذهبت إلى معلّمته أسألها أن تشرح لي إن كان لديها تفسير لما ألمّ به وحوّله إلى ما بات عليه.

حين خرجتُ من عندها، كنت لا ألوي على شيء. تسيل دموعي من عينيّ، بل تجري جريًا، وأنا أحادث نفسي بصوت عالٍ وأشهق وأردّد: ابنك يا لوريس يخجل بك ويدّعي أنك لست أمّهُ! إنها الخادمة قال لهم. أجل، المرأة التي وافته بكيس السندويشات – أنا – ليست لوريس، وإنما الخادمة التي أرسلتها والدتهُ كي تحمل إليه الزاد. لوريس من سيدات المجتمع، ثري وذات نسب وأصول. مثل بقية الأمهات. أمهات بقية الرفاق. ما تزن خيّاطة صغيرة القدّ والأصل في ميزان المجتمع الذي يعيش فيه الياس، ابن مدير شركة الكهرباء؟

 

  • مقطع من رواية "يا سلام" للكاتبة اللبنانية نجوى بركات

 

6- الغريب

اليوم، ماتت أمّي. أو ربّما ماتت أمس، لست أدري. لقد تلقّيت برقيّة من المأوى تقول: "الوالدة توفّيت. الدفن غدًا. احتراماتنا". إن ذلك لا يعني شيئًا. ربّما كان ذلك أمس.

 

  • مقطع من رواية "الغريب" للكاتب الفرنسي ألبير كامو

 

 

اقرأ/ي أيضًا:

ماذا نقرأ في عطلة نهاية الأسبوع؟ 4 روايات يابانية مقترحة

تُرجم قديمًا: النفق