10-ديسمبر-2016

هربًا من القصف على حلب (آمير الحلبي/آ.ف.ب)

تتسارع وتيرة التطورات العسكرية في عموم الخارطة العسكرية في سوريا، بعد أن تصدر الشطر الشرقي لمدينة حلب المشهد خلال الأيام الماضية، ودخلت إلى المقدمة الأخبار القادمة من مدينة "تدمر" الأثرية، الذي بدأ داعش، هجومًا معاكسًا منذ فجر الخميس الفائت، استعاد السيطرة عبره على مواقع عديدة، وجعله يطبق الحصار من ثلاث جهات عليها.

لم يعد من المأمول انتظار ما سيسفر عنه اجتماع مجموعة "أصدقاء سوريا" في باريس، لمناقشة الأوضاع في الشطر الشرقي لحلب

حلب.. المعارضة ترفض الانسحاب

لا تزال فصائل المعارضة داخل الشطر الشرقي المحاصر، ترفض الانسحاب من الأحياء التي تسيطر عليها، ويقدر عددها بثمانية أحياء، نتيجة فقدانها خلال الأيام الفائتة لنسبة 85% من مجمل المساحة، فيما تصر موسكو على أن النظام السوري والميليشيات الأجنبية الممولة إيرانيًا، أصبحت تسيطر على 93% منها.

اقرأ/ي أيضًا: حلب..المعارضة تخسر ملحمتها الكبرى

ورغم تصويت الدول الأعضاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة، أمس الجمعة، على مشروع القرار الكندي، بـ122 صوتًا، مقابل معارضة 13 دولة، وامتناع 36 أخرى عن التصويت، ويقضي بإيقاف الهجمات العسكرية، ودخول المساعدات الإنسانية، فإن النظام لم يلتزم بأي من بنوده، كما في كافة القرارات السابقة، وقصف مساءً حي "الكلاسة" في حلب، بغاز الكلور السام، وهو ما أكده ناشطون من داخل الأحياء المحاصرة عبر صفحاتهم الرسمية.

وفي ظل الوضع الإنساني المتدهور داخل الأحياء المحاصرة، وعدم معرفة مصير المئات من الشبان بعد اعتقالهم من قبل النظام عند خروجهم إلى مناطق سيطرته، وقالت الأمم المتحدة إن لديها معلومات عن اعتقال من تتراوح أعمارهم من 30 حتى 50 عامًا، ما يؤكد تقرير صحيفة "الغارديان" البريطانية.

المدينة مقبلة على كارثة إنسانية، تهدد حياة المدنيين المحاصرين، وسط تضارب في العدد التقريبي لمن لا يزالون داخل الأحياء الشرقية. ولم يعد من المأمول انتظار ما سيسفر عنه اجتماع مجموعة "أصدقاء سوريا" في باريس، لمناقشة الأوضاع الإنسانية في الشطر الشرقي المحاصر، وإدخال المساعدات الإنسانية إليها، أو اجتماع جنيف بين وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، ونظيره الأمريكي، جون كيري، كون النظام يرفض أي تهدئة، من ضمنها طلب هدنة إنسانية.

وتغيب إمكانية معرفة الفترة الزمنية التي يمكن أن تصمد فيها فصائل المعارضة داخل الأحياء، وإصرارها على رفض الخروج منها، وهو ما أكده القائد العام لحلب، المكنى بأبي العبد، في أول خطاب له عندما قال: "العالم كله يرقبكم.. والتاريخ يشهد"، لكن النظام الذي يستخدم سياسة الأرض المحروقة، يحاول جاهدًا استعادتها عسكريًا، قبل التوصل لأي اتفاق تسوية، لأن ذلك يعني انتصاره أمام مؤيديه.

وليس مستبعدًا أن تستعيد فصائل المعارضة بعض الأحياء التي فقدتها، بعد أن قام النظام بسحب مجموعة من عناصره إلى مدينة حمص، التي يشهد ريفها الشرقي هجومًا عنيفًا من "تنظيم الدولة"، إلا أن المعطيات تقول إن النظام مدعمًا بالميليشيات الأجنبية، يطبق حصارًا خانقًا عسكريًا وإنسانيًا، يجعله على مقربة من دخول المدينة قبل نهاية العام الجاري.

وتنتظر فصائل المعارضة أن يحدث تغيّرٌ مفاجئ يقلب موازين القوى لصالحها، من ضمنها تزويدها بأسلحة مضادة للطيران، تنفيذًا لقرار مجلس النواب الأمريكي، الذي يلقى معارضة وزارة الخارجية الأمريكية، وتركيا التي تخشى "من عواقب انتقال الأسلحة إلى المنظمات الإرهابية"، وفق المتحدث باسم خارجيتها، حسين مفتي أوغلو، ما يقوّض أي أفق في إيقاف نزيف الدماء داخل الأحياء المحاصرة، خصيصًا وأن تنفيذ القرار يكون بعد استلام دونالد ترامب لمهامه الرئاسية بداية العام المقبل.

اقرأ/ي أيضًا: حلب..معركة الأرض المحروقة

تنظيم الدولة يطوق "تدمر"

في وسط سوريا، بدأ ما يعرف بتنظيم "الدولة الإسلامية" هجومًا عنيفًا، فجر الخميس الفائت، على القرى والبلدات الاستراتيجية في محيط مدينة "تدمر"، سيطروا فيها على حقول النفط والغاز الطبيعي، ومنطقة "حويسيس" الاستراتيجية، وبات يفصلهم عن المدنية أربعة كيلو مترات.

تخوفًا من خسارته السيطرة على تدمر، قام النظام بسحب مجموعة من عناصره التي تقاتل في حلب وإرسالها إلى تدمر، لصد هجوم داعش

وجاء هجوم التنظيم، بالتزامن مع نشر "ولاية حمص" إصدارًا مرئيًا عنونته بـ"البحرين إلى أين"، ليظهر أنه لم يتأثر بالخسائر التي يتعرض لها في مناطق سيطرته في سوريا والعراق، وإنما يريد توسيع رقعة نفوذه، من خلال استعادته السيطرة على المدينة التي فقدها في أيار/مايو الفائت.

ويحاول التنظيم أن يستعيد السيطرة على مدينة "تدمر"، لتلافي خسارته مدينة "الباب" في ريف حلب، بعد أن أصبحت فصائل المعارضة المشاركة في عملية "درع الفرات"، المدعومة من تركيا داخلها، إضافة لإرسال الأركان التركية لـ300 مقاتل من الكوماندوز، للمشاركة في اقتحام المدينة، وإعلان "قسد" المدعومة من التحالف الدولي، بدء المرحلة الثانية من عملية "غضب الفرات" بهدف السيطرة على مدينة "الرقة"، أكبر معاقل التنظيم في سوريا.

وتخوفًا من خسارته السيطرة على المدينة الأثرية، قام النظام بسحب مجموعة من عناصره التي تقاتل في حلب وإرسالها لمدينة حمص، لصد الهجوم الذي ينفذه "تنظيم الدولة"، ويسعى من خلاله للتمدد وسط البلاد، ما يعني أن النظام يدرك أهمية الهجوم الحالي، على عكس ما حصل عندما خسرها في عام 2015، ونفذ مقاتلوه سلسلة انسحابات متتالية منها.

وتحتدم المعارك الدائرة على أطراف المدينة، إذ يشن التنظيم هجومًا من عدة محاور، بهدف قطع طريق الإمداد الرئيسي للنظام، تدمر-حمص، وفي حال تمكن من ذلك، فإنه يكون أطبق الحصار على العناصر المتواجدين داخل المدينة، نظرًا لسيطرته على مساحات واسعة، تُصعب من مهمة فك الحصار عن العناصر داخل المدينة، وفق تقارير تقول إن التنظيم بات يبعد نحو أربعة كم عن مركز المدينة.

وإذا ما تمكن "تنظيم الدولة" من استعادة السيطرة على المدينة، فمن المرجح أن تشهد الخارطة العسكرية تبدلًا جديدًا، يمكن أن يساعد فصائل المعارضة في معاركها الدائرة داخل الأحياء المحاصرة في حلب، لأن التقدم الذي يسجله التنظيم في "تدمر"، يمكنه أن يجبر النظام وروسيا على إعادة رسم استراتيجية جديدة، حتى لا تظهر الأخيرة أمام الدول الغربية كما لو أنها ورطت نفسها بالتدخل عسكريًا في سوريا ضد المعارضة، بينما تركت داعش تتمدد كما تريد.

اقرأ/ي أيضًا: 

جحيم حلب..على نار المفاوضات الروسية

مجزرة حلب المستمرة..إعدام ميداني للأحياء الشرقي