09-أغسطس-2015

أثناء فعالية ثقافية أمازيغية في تونس (الأناضول)

أصبح التناول الإعلامي والحراك الميداني للحركة الأمازيغية بتونس مفصلًا يستحق الدرس، وكان تقرير المجتمع المدني والتحول الديمقراطي والأقليات في الوطن العربي، الصادر سنة 2003، قد أشار إلى ضعف الحركة الأمازيغية بتونس مقارنة بالمغرب والجزائر، وجاء في صفحات التقرير آنذاك أنّ الحديث عن الأصول الأمازيغية في تونس غير وارد في المنابر والأوساط الرسمية، التي اعتمدت التعريب والأسلمة منهجًا لتونس بعد الاستقلال وبناء الدولة الوطنية.

لم تلعب الحركة الأمازيغية بتونس على تسييس مطالبها

تشير بعض المقولات إلى أنّ نسبة الأمازيغ في تونس لا تتعدى حدود الـ5% من تعداد سكان البلاد، وأنّ 2% منهم فقط يتحدثون اللغة الأمازيغية، والتي تعرف في تونس بـ"الشلحة"، ويتمركز متحدثوها في بعض مناطق الجنوب التونسي، أشهرها الدويرات وشنني، ومدينة تكرونة الساحلية، وتامزرت في الشمال الغربي. فيما تذهب آراء أخرى إلى أن 80% من سكان البلاد هم من أصول "لوبية"، وإذا أضيف لهم المواطنين من أصول "نوميدية"، يكون 90% من  التونسيين أصولهم أمازيغية، لكنّ العامل التاريخي المتمثل في الفتوحات الإسلامية جعل هذه القبائل تندمج حضاريًا مع الوافدين العرب موارية جذورها العرقية ورائها.

بعد فرار رأس النظام السابق، زين العابدين بن علي، في 14 كانون الثاني/ يناير 2011، طفت على السطح إشكاليات الهوية التونسية، ومن ضمنها الهوية الأمازيغية التي أصبحت حاضرة في المنابر الإعلامية والتظاهرات في الشارع التونسي. 

يعتمد نشطاء الحركة الأمازيغية التونسية العلم الأمازيغي في تظاهراتهم للتعريف بهويتهم وتمييزهم عن بقيّة المتظاهرين، وقد وقع اعتماد العلم سنة 1998 من طرف الكونغرس العالمي الأمازيغي، وهو ذو ثلاثة ألوان، ويرمز إلى مكونات "تمازغا"، بلاد الأمازيغ في شمال أفريقيا، إذ يرمز الأزرق إلى البحر الأبيض المتوسط والمحيط الهادي، والأخضر إلى جبال تمازغا، والأصفر إلى رمال الصحراء الكبرى، ويتوسط العلم حرف الزاي بالأبجدية الأمازيغية ويرمز إلى الإنسان الحرّ. كما يرفع نشطاء الحركة الأمازيغية ثلاثة أصابع في اليد الواحدة دلالة على شعار الحركة الأمازيغية "الإنسان، الأرض، اللغة".

وقع التعاطي مع ملف الحركة الأمازيغية منذ ظهورها سنة 2011  في تونس بنوع من التحريض عليها وتخوين نشطائها والتشهير واتهامهم بالاستقواء بالأجنبي، خاصة من طرف بعض أعضاء التيّار القومي الذين لم يستسغيوا وجود تيّار يوّد إخراج تونس من دائرة العالم العربي وإلحاقها بغير محيطها حسب رأيهم، واعتبروا أن طرح مسألة الهوية الأمازيغية اليوم، يهدف أساسًا إلى تفكيك وحدة الشعب التونسي وإدخاله معارك وهمية تؤدي إلى بث الفرقة والتجزئة بين مكوناته، وشنّ بعض أنصار التيّار القومي في أكثر من مناسبة حملات شرسة، خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي، ضدّ بعض أشهر نشطاء الحركة الأمازيغية بتونس، ولكن الهجمات على الحركة الأمازيغية خفّتت في السنتين الأخيرتين ولم تعد بنفس شراسة السنوات الأولى .

مطالب الحركة الأمازيغية بتونس

لم تلعب الحركة الأمازيغية بتونس على تسييس مطالبها، على عكس الجزائر والمغرب وليبيا، لم يكن الأمر راديكاليًا في تونس، بل حاول نشطاء الحركة الأمازيغية التونسية أن يناضلوا على المستوى الثقافي وكانت أغلب مطالبهم ثقافية بحتة لا تمتّ إلى السياسي بشكل مباشر، ومن أهمّ مطالبهم تأسيس مركز ثقافي وطني يسعى إلى تدريس اللغة الأمازيغية ودسترتها، والحقيقة أن اللهجة التونسية تحتوي عشرات المفردات الأمازيغية، وأشهر الأكلات التونسية مثل الكسكسي، والألبسة مثل البرنوس، وهو لباس رجالي يصنع من الصوف، ما هي إلا تراث أمازيغي خالص، كما طالبوا بحماية الأماكن الأثرية الأمازيغية في الشمال والجنوب، إلا أنهم فشلوا في التأثير على القوى السياسية الفاعلة في البلاد.

نضال أمازيغي في تونس!

نجح أمازيغ تونس في تكوين أولى جمعياتهم سنة 2011 تحت اسم الجمعية التونسية للثقافة الأمازيغية، والتي طالبت أساسًا بحماية التراث الأمازيغي، وبلغ عدد الجمعيات الأمازيغية اليوم أكثر من عشر جمعيات تنشط في المجال الثقافي بشكل أساسي. دأبت هذه الجمعيات على إحياء رأس السنة الأمازيغية، يوم 12 كانون الثاني/يناير من كلّ عام، وهي عادة ضاربة في القدم يحتفل بها الأمازيغ منذ 2965 سنة ولها طقوسها الخاصة التي تحضر فيها أكلات تقليدية وعروض فلكلورية أمازيغية.

يبقى حضور هذه الجمعيات باهتا، حيث اقتصرت على أنشطة الصالونات والتظاهرات المعزولة، وفشلت في استقطاب مدّ جماهيري حتى من بين الناطقين باللغة الأمازيغية أنفسهم، ويعزى هذا إلى حالة الانقسام والتشرذم بين النشطاء وضعفهم في التواصل، وبعض الإغفال للتاريخ الأمازيغي نفسه، فمثلًا يتناسى النشطاء الأمازيغ أنّ المرابطين والحفصيين كانوا أمازيغا، كما يتجاهلون دور الأمازيغ في الحركة الوطنية التونسية، كدور قبائل جلاص والفراشيش ودور الزعيم صالح بن يوسف، الأمازيغي الأصل من تطاوين، فيما يذهب بعض المعلقين إلى أنّ تغييب هذه الأحداث والشخصيات يرجع إلى نزعة تغريبية لدى هؤلاء النشطاء.

استهجن نشطاء الحركة الأمازيغية في تونس الفصل 38 من دستور البلاد، الذي يقول "تضمن الدولة التونسية الحق في التعليم المجاني بكامل مراحله، كما تعمل على تجذير الناشئة في هويتها العربية الإسلامية وعلى ترسيخ اللغة العربية ودعمها وتعميم استخدامها"، واعتبروا هذا الفصل تعديًا صارخًا على الهوية التونسية، التي تعتبر الأمازيغية مكونًا أساسيًا من مكوناتها، وهو ما جعلهم يتظاهرون أكثر من مرّة أمام مبنى البرلمان التونسي وفي شارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة للمطالبة بتغيير هذا الفصل، الذي أخرج تونس من محيطها الطبيعي حسب رأيهم، ولكن محاولاتهم، الباهتة في أغلبها، تكللت بالفشل.

ملف الأمازيغ بين حقبتين 

تميّز أمازيغ تونس بميلهم إلى الاندماج في الثقافة العربية الإسلامية

عملت الدولة التونسية بعد الاستقلال على منع تداول اللغة الأمازيغية، لإدماج الشعب التونسي في كتلة متجانسة، وذلك لتسهيل بناء الدولة الوطنية، التي كانت حسب بورقيبة لا تحتمل الاختلافات الثقافية والعرقية بين أبناء الشعب التونسي، وهو ما تجلى في سياسته الواضحة في التضييق على الأمازيغ وتونستهم بما يتماشى مع ميولاته في بناء الدولة التونسية الحديثة، التي تقطع مع الانتماءات العرقية، فأجهز على القبلية ورفض الاعتراف بالهوية الأمازيغية.

ولم يشهد الملف الأمازيغي اهتمامًا يذكر أثناء فترة حكم بن علي، بل صار تهميش الأمازيغ أكثر تركيبًا مع تصاعد الإفقار والتهميش لعموم التونسيين. وبقي النظام الرسمي يتجاهل القضية الأمازيغية ويتجنب الخوض فيها إلى ما بعد 14 كانون الثاني/يناير 2011، إذ منحت الرخص للجمعيات الأمازيغية، ولكن لم تتم دسترة الحقوق الثقافية في الدستور التونسي.


الانعزال ليس خيارًا أمازيغيًا

تميّز أمازيغ تونس بميلهم إلى الاندماج في الثقافة العربية الإسلامية، فرغم تكوينهم لدول ووصولهم للحكم أكثر من مرة في التاريخ، إلا أنهم لم يبدوا عداء للثقافة العربية الوافدة، ومن الناحية الدينية تبنى أمازيغ تونس المذهب السني والفقه المالكي، وهو ما ينبئ بفشل أي حراك أمازيغي ذو طابع انعزالي. يبقى المستقبل الوحيد لأمازيغ تونس هو محاولة إثراء الثقافة التونسية بهذا التاريخ العظيم ضمن معادلة المواطنة والحقوق المتساوية والاعتراف المتبادل.

تجدر الإشارة إلى أن  بعض العائلات التونسية أطلقت على أسماء أبنائها المولودين بعد الثورة أسماء أمازيغية.

من المعالم الأمازيغية التي تجدر زيارتها في تونس، متحف شمتو، الذي يضمّ أهم المنحوتات الأمازيغية، التي يعود تاريخها إلى قرابة 3000 سنة، وكذلك الضريح الذي أقامه الملك الأمازيغي النوميدي "مكيبسا" لوالده "ماسينيسا" الملك الرمز في المخيال الشعبي للأمازيغ بوطنيته وولائه لعرقه وأصله الأمازيغي ونضاله ضدّ المستعمر الروماني والقرطاجي، وهو أول من رفع شعار "أفريقيا للأفريقين".