الأمازيغية والانتخابات المقبلة في المغرب.. جدل التمثيلية يتجدد
16 أغسطس 2025
مع انطلاق المشاورات السياسية والحزبية حول الانتخابات التشريعية المقررة في 2026، عاد السجال مجددًا بشأن ما يعتبره البعض "تغييبًا" للمرجعية الأمازيغية في المشهد السياسي المقبل.
وكان وزير الداخلية المغربي، عبد الوافي لفتيت، قد عقد في مطلع آب/أغسطس الجاري بالرباط اجتماعين متتاليين، جمعا قادة جميع الأحزاب السياسية، في إطار الإعداد المبكر للاستحقاقات البرلمانية المقبلة.
واعتبرت فعاليات أمازيغية، أن الإعلان عن بداية المشاورات السياسية والحزبية استعدادا لانتخابات 2026، في تغييب تام للتمثيلية السياسية للمرجعية الأمازيغية، "يكرّس الهيمنة الحزبية وانغلاقها، وسيزيد من آلام الأمازيغية ومحنها داخل المؤسسات".
وأضافت مجموعة "الوفاء للبديل الأمازيغي"، في بيانها، أن كل ذلك "سيجعل الانتخابات المقبلة استمرار للتعاقد السياسي والاجتماعي القديم، الذي تسبّب في إقصاء وحرمان الأمازيغية من حقوقها الكاملة وفرص تنميتها والنهوض بها داخل مؤسسات الدولة".
رأت فعاليات أمازيغية أن تغييب المرجعية الأمازيغية عن مشاورات انتخابات 2026 يكرّس هيمنة الأحزاب ويعمّق معاناة الأمازيغية داخل المؤسسات
وبعد 14 عامًا من دسترة الأمازيغية كلغة رسمية في البلاد، لا تزال الفجوة شاسعة بين النص الدستوري والقوانين التنظيمية والواقع المؤسساتي للأمازيغية، إذ تشهد تراجعًا، بحسب الفاعلين، على مستوى الإعلام والتعليم والإدارة العمومية.
قراءة في تاريخية الإقصاء
العضو في مجموعة "الوفاء للبديل الأمزيغي"، عبد الله بوشطارت، يرى أن "إقصاء الأمازيغية من الحقل الحزبي والسياسي المغربي يعود إلى أسباب تاريخية وبنيوية، منذ نشأة الظاهرة الحزبية في الثلاثينيات أثناء الاستعمارين الفرنسي والاسباني. في ذلك الوقت، كانت القبائل الأمازيغية تقود المقاومة المسلحة، بينما ظهرت في المدن نخبة سياسية مرتبطة بالتعليم العصري والمدارس الحرّة، أسست ما يسمى بالحركة الوطنية عام 1934، وتبنّت فكرًا سلفيًا وقوميًا عربيًا ومعاديا للأمازيغية".
وأضاف بوشطارت في حديثه لـ"الترا صوت"، أن "هذه الحركة، التي انبثقت منها معظم الأحزاب بعد الاستقلال، أقصت الأمازيغية من الهوية الرسمية للدولة، ورسّخت سياسية التعريب الشامل. وحتى الأحزاب اليسارية والشيوعية والإسلامية التي جاءت لاحقًا، تبنّت نفس الأفكار القوية أو السلفية. أما الحركة الشعبية التي أسستها السلطة لتفكيك هيمنة الحزب الواحد، فقد ارتبطت بالنظام ولم تحقّق توازنًا سياسيًا حقيقيًا".
ويعتقد المتحدث ذاته، أنه "لا يمكن بناء مغرب جديد بفكر سياسي قديم"، دعيًا إلى "تعديل قانون الأحزاب لفتح المجال أمام تأسيس حزب بمرجعية أمازيغية حضارية، بعيدًا عن الاستقطاب الانتخابي الموسمي الذي تستغله بعض الأحزاب".
أسئلة حول التمثيلية
من جهته، أبرز الباحث في الشأن الأمازيغي، مصطفى عنترة، أن "انطلاق المشاورات المتعلقة بمراجعة القوانين الانتخابية استعدادًا لاستحقاقات 2026، يثير من جديد مفارقة لافتة: لماذا يمنع تأسيس أحزاب ذات مرجعية أمازيغية، في حين يسمح بوجود أحزاب ذات مرجعيات دينية أو إيديولوجية أخرى؟".
واعتبر عنترة في تصريحه لـ"الترا صوت"، أن "هذا السؤال، الذي يتجدد في كل محطة انتخابية، يجد مشروعيته في جوهر الديمقراطية القائم على التعددية والإنصاف، وعلى ضرورة تمثيل مختلف المكونات المجتمعية بعدالة. غير أن التجربة المغربية أثبتت أن معظم الأحزاب السياسية لم تتعامل بالجدية اللازمة مع المطالب الأمازيغية".
ويضيف المصدر ذاته، أن "ما تحقق للأمازيغية من مكتسبات ارتبط أساسًا بالمبادرات الملكية، بداية من خطاب أجدير ودسترة الأمازيغية ثم جعل السنة الأمازيغية عطلة رسمية، بينما ظلت الأحزاب السياسية متأخرة عن مواكبة هذا المسار"، مشددًا على أن "الأمازيغية قضية سياسية بامتياز، متصلة بهوية الدولة والمجتمع، وأن الوقت قد حان لتأسيس قوة سياسية جديدة تقدم رؤية بديلة وتعيد التوازن للمشهد الحزبي في المغرب".
نحو أفق جديد
ولفت الباحث في الشأن الأمازيغي، مصطفى عنترة، إلى أن "الرهان اليوم لم يعد مقتصرًا على الاعتراف اللغوي أو الثقافي، بل على إعادة توزيع السلطة والثروة وتحقيق العدالة المجالية. غير أن الإطار القانوني الحالي يفرض المرور عبر الأحزاب القائمة، وهو ما يجعل البحث عن صيغ مبتكرة أمرًا ضروريًا".
ويقترح مؤلف كتاب "المسألة الأمازيغية بالمغرب"، "استلهام تجارب إقليمية مثل حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية في الجزائر، لتأسيس نموذج مغربي ينخرط في قضايا التنمية المستدامة وحماية البيئة وضمان الحريات وتعزيز المشاركة السياسية".
وخلص الباحث ذاته، إلى أنه "في ظل هذه النقاشات، يبدو أن سؤال التمثيلية الأمازيغية في الانتخابات المقبلة ليس مجرد مطلب فئوي، بل رهان على إعادة صياغة التوازنات السياسية وبناء عقد اجتماعي جديد أكثر شمولًا وتمثيلية لمختلف مكونات المجتمع المغربي".
عد 14 عامًا من دسترة الأمازيغية كلغة رسمية في البلاد، لا تزال الفجوة شاسعة بين النص الدستوري والقوانين التنظيمية والواقع المؤسساتي للأمازيغية
تجارب سابقة فاشلة
محاولة تأسيس حزب سياسي بمرجعية أمازيغية في المغرب مرّت بتجارب متعثرة، خصوصًا في سنوات العشرية الماضية، إذ كان أبرزها تأسيس "الحزب الديمقراطي الأمازيغي" سنة 2005، بقيادة المحامي والفاعل الأمازيغي الراحل أحمد الدغرني.
وكان الحزب يهدف إلى نقل العمل الأمازيغي، من إطار الجمعيات الثقافية إلى العمل السياسي المنظم، لكنه واجه مصيرًا فاشلًا بعد رفع وزارة الداخلية دعوى قضائية لحله، إذ حكمت المحكمة بحلّ الحزب في 2007، ثم أكدت محكمة الاستئناف الحكم في 2010، بسبب "مخالفة قانون الأحزاب الذي يمنع تأسيس الأحزاب على أساس عرقي أو ديني".
إلى جانب ذلك، واجهت المبادرات الأمازيغية لتأسيس حزب مستقل محاولات استقطاب ممنهجة من قبل أحزب قائمة، تهدف أساسًا إلى دمج القيادات الأمازيغية ضمن هياكل هذه الأحزاب، بهدف تفادي ظهور قوة سياسية أمازيغية مستقلة في المشهد الحزبي المغربي.