23-مايو-2018

الأكل في نهار رمضان يثير جدلًا متجددًا في المغرب (أسوشيتد برس)

 مع بداية شهر رمضان، يعود النقاش القديم الجديد حول "حرية الإفطار" في المغرب. "#الأكل_ليس_جريمة" هو العنوان الذي اختاره النشطاء لحملتهم لهذا العام، مطالبين برفع التجريم القانوني عن الإفطار العلني في رمضان، بإلغاء الفصل 222 من القانون الجنائي المغربي.

مع كل رمضان، يتجدد في المغرب الجدل حول "حرية" الإفطار في نهار رمضان، فيرفع المناصرون للإفطار شعار "الأكل ليس جريمة"

ويعاقب هذا الفصل القانوني كل مفطر في نهار رمضان وفي مكان عام، بالحبس من شهر إلى ستة أشهر، وغرامة مالية تتراوح بين من 12 درهم (1.25 دولار) إلى 120 درهمًا (12.47 دولار). وسبق للسلطات المغربية أن حاكمت في العامين الماضيين، العديد من المفطرين بتهمة "المجاهرة بالإفطار في رمضان"، مثلما تمنع قوات الأمن أي تجمعات احتجاجية لمؤيدي الحركة في الشوارع العامة.

اقرأ/ي أيضًا: رمضان في المغرب.. "قضاء الشارع" أقوى من سلطة القانون

وامتلأت مواقع التواصل الاجتماعي بمنشورات الداعين إلى إلغاء المادة 222 من القانون المغربي، التي تجرم الإفطار العلني، معتبرين أنه "من العار إجبار الناس على الصيام إذا لم يرغبوا في ذلك"، فيما ذهبت بعض التعليقات إلى أن هذه المادة تخلق "مجتمعًا منافقًا ومخادعًا بدل أن يتصرف الناس وفق قناعاتهم بشكل صادق وصريح".

 

وعمد المنخرطون في الحملة على الشبكات الاجتماعية، إلى نشر صور تعود لبعض المفطرين الذين يضطرون إلى الاختباء في أماكن بئيسة، مثل المراحيض ودورات المياه، من أجل الشرب وتناول الطعام في نهار رمضان، خوفًا من ردة فعل الوسط الاجتماعي والمتابعة القانونية، متسائلين عن الغرض "من التسبب في معاناة فئة من المواطنين المغاربة الذي لا يرغبون في الصيام".

تقنين معاقبة المفطر في نهار رمضان، إرثٌ استعماري جاء به المستعمر الفرنسي الماريشال ليوطي أواخر 1914

ويجد المفكر المغربي، سعيد ناشيد، أن "مطالبة المدونين بالحرية الدينية مشروعة، نظًرا لأن المتأمل في مسألة معاقبة المفطر في رمضان، يجد أنها طارئة على تاريخ الإسلام والمغرب، ولم يقرها سوى ليوطي إبان فترة الحماية، لتبقى إلى حدود الساعة من بين القوانين الاستعمارية المستمرة".  

اقرأ/ي أيضًا: اللباس التقليدي يزين المغاربة في رمضان

وكان المارشال ليوطي، مهندس المغرب الحديث، قد أصدر هذا القانون الذي يجرم الإفطار العلني في أواخر 1914، بهدف حماية المستوطنين الفرنسيين من ردة فعل المغاربة من جهة، ومن أجل كسب تعاطف شعبي مغربي من جهة أخرى، إلا أن العمل به بقي جاريًا إلى حدود الساعة، حتى بعد أكثر نصف قرن من انجلاء الحقبة الاستعمارية الفرنسية.

في المقابل، يرفض الاتجاه العام الشعبي دعوات حرية الإفطار في رمضان، وينظر إليها بعين من "الاحتقار والتوجس"، وكثير من المعلقين حول الموضوع يؤكدون في ردودهم أن "المغرب بلد إسلامي، له عادات وتقاليد وموروث ديني، نشأ عليها المغاربة جميعا ويحترمونها"، معتبرين أن الإقدام على الإفطار علنيا هو استفزاز للأغلبية الساحقة المسلمة، وداعين في نفس الوقت إلى الاقتداء بالسياح الأجانب الذين يترفعون عن المجاهرة بالأكل في رمضان، احتراما للخصوصية الدينية المغربية.

بينما يرى آخرون أن الجدل حول قضية المجاهرة بالإفطار في رمضان، هو نقاش مبكر على الساحة المغربية، التي لا تبدو مستعدة لمثل هذه النقاشات. ويعتبرون هذه المسألة نقاشًا ثانويًا يُشغل الرأي العام عن قضايا أخرى تهم المواطن المغربي بشكل أكبر، مثل البطالة والتعليم والصحة.

وبرزت حملات الدعوة إلى الحق في الإفطار بالمملكة، عقب احتجاجات 2011، في سياق "الربيع العربي" وما خلفه من تداعيات سياسية واجتماعية، مست البلدان العربية بدرجات متفاوتة، وكانت إحدى هذه التغيرات توسيع نقاش الحريات الفردية بالمغرب؛ حيث خرجت لأول مرة أقليات من السر إلى العلن، مثل اللادينيين والمثليين والمتحولين دينيًا والمفطرين، بدأت في الدفاع عن حرياتها الفردية، التي يرى كثيرون أنها تتعارض مع السائد لدى الأغلبية المسلمة.

وفي هذا السياق، برزت حركات تطالب بـ"الحق" في الإفطار العلني في نهار رمضان، في المغرب، يعتمد نشطاؤها بالأساس على مواقع التواصل الاجتماعي في طرح رسالتهم، وترويج دعواتهم، واستطاع بعضها الخروج من المجال الافتراضي إلى الواقع على شكل تظاهرات أو أنشطة، وأبرز مثال حركة "ماصايمينش" التي تأسست سنة 2012، من طرف مجموعة من النشطاء الذين  يدعون إلى "حق المغاربة غير المسلمين في الإفطار".

حملات الدعوة لحرية الإفطار في نهار رمضان بالمغرب، محدودة التأثير، لكن لها رمزية في المس بتابوهات مُسلّم بها في المجتمع المغربي

وعلى الرغم من أن تأثير هذه الحملات الداعية إلى حرية الإفطار، يبقى محدودًا على التيار الشعبي العام، ومن غير المرجح أن تستجيب لها السلطات برفع التجريم القانوني؛ إلا أن لها رمزية واضحة، تمس "تابوهات" ظلت في إطار المسلمات، ما ينم عن أن المجتمع المغربي، يشهد، حسب الباحث الاجتماعي رشيد جرموني، نوعا من "التغير الاجتماعي والقيمي".

 

اقرأ/ي أيضًا:

الإفطار في نهار رمضان عربيًا.. قوانين وأعراف مختلفة

صلاة التراويح بالمغرب.. عبادة وبحث عن عريس!