17-فبراير-2025
فلسطينيون من مخيم نور شمس يغادرون منازلهم بسبب العملية العسكرية الإسرائيلية (AFP)

فلسطينيون من مخيم نور شمس يغادرون منازلهم بسبب العملية العسكرية الإسرائيلية (AFP)

كشف تقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، عن تصاعد عمليات النزوح القسري للفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة، حيث أدت العملية العسكرية الإسرائيلية الواسعة النطاق إلى تشريد ما يقرب من 40 ألف فلسطيني من منازلهم، وهو الرقم الأكبر منذ حرب عام 1967، بحسب ما أفاد به خبراء في الشأن الفلسطيني للصحيفة الأميركية.

عمليات عسكرية مكثفة وتشريد جماعي

وفقًا لـ "نيويورك تايمز"، فقد استهدفت العملية العسكرية الإسرائيلية المناطق الشمالية من الضفة الغربية، ولا سيما جنين، وطولكرم، وطوباس، مما أجبر آلاف الفلسطينيين على ترك منازلهم والبحث عن مأوى لدى أقاربهم أو اللجوء إلى صالات الأفراح، والمدارس، والمساجد، ومباني البلدية وحتى المستودعات الزراعية. وذكرت الصحيفة أن هذا التهجير يعيد للأذهان أحداثًا مأساوية شهدها الفلسطينيون في الماضي، وخاصة خلال النكبة.

أبرز التقرير أن العديد من النازحين الجدد هم من أحفاد اللاجئين الفلسطينيين الذين فروا أو طُردوا من منازلهم خلال نكبة عام 1948. ومع استمرار عمليات النزوح القسري، تتجدد المشاعر المرتبطة بالنكبة، مما يعزز المخاوف من إعادة رسم التركيبة السكانية في الضفة الغربية

رواية جيش الاحتلال والقلق الفلسطيني

يشير التقرير إلى أن الجيش الإسرائيلي يبرر عمليته العسكرية بأنها تهدف إلى القضاء على المجموعات المسلحة، حيث يستهدف مقاومين فلسطينيين يزعم أنهم متورطون في هجمات ضد مدنيين إسرائيليين. ومع ذلك، يشير خبراء تحدثوا إلى "نيويورك تايمز"، إلى أن هذه الحملة قد تكون جزءًا من مخطط أوسع لتهجير الفلسطينيين وتعزيز السيطرة الإسرائيلية على المناطق الخاضعة للسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة.

نكبة جديدة.. ذاكرة التهجير تتجدد

أبرز التقرير أن العديد من النازحين الجدد هم من أحفاد اللاجئين الفلسطينيين الذين فروا أو طُردوا من منازلهم خلال نكبة عام 1948. ومع استمرار عمليات النزوح القسري، تتجدد المشاعر المرتبطة بالنكبة، مما يعزز المخاوف من إعادة رسم التركيبة السكانية في الضفة الغربية.

حجم الدمار وتدهور البنية التحتية

رصدت "نيويورك تايمز" مدى الدمار الناجم عن العمليات العسكرية، مشيرةً إلى أن ما لا يقل عن 150 منزلًا في جنين وحدها تعرض للدمار، بينما أقر الجيش الإسرائيلي بتدمير ما لا يقل عن 23 مبنى، إلا أنه لم يفصح عن الأرقام الدقيقة للمنشآت التي تم هدمها.

من جهته، أكد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أن شبكات المياه والصرف الصحي قد دُمّرت في أربع مخيمات للاجئين، مما أدى إلى تلوث مصادر المياه بمياه الصرف الصحي. ونقلت الصحيفة عن المسؤول عن خدمات الطوارئ في طولكرم، حكيم أبو صافية، قوله: "لقد أصبح المخيم غير صالح للسكن، حتى لو انسحبت القوات الإسرائيلية، فسنحتاج إلى شهور لإعادة الإعمار".

سياسات إسرائيلية لتعزيز السيطرة وتغيير المشهد الديموغرافي

أوضح التقرير أن إسرائيل، ومنذ احتلال الضفة الغربية عام 1967، عملت بشكل ممنهج على تعزيز وجودها الاستيطاني عبر بناء مئات المستوطنات على الأراضي الفلسطينية. ومع وصول حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية المتطرفة إلى الحكم في عام 2022، ازدادت القيود المفروضة على الفلسطينيين، وتواطأت في الهجمات التي يشنها المستوطنون المتطرفون على الفلسطينيين وممتلكاتهم لإجبارهم على ترك أراضيهم. كما تم حظر نشاط وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، في خطوة رأى فيها مراقبون تصعيدًا متعمدًا ضد الوجود الفلسطيني في الضفة.

ولفت التقرير إلى الدور الذي يلعبه وزير المالية اليميني المتطرف، بتسلئيل سموتريتش، الذي مُنح سلطات واسعة، مما عزز المخاوف من أن هذه الحكومة تسعى إلى تحقيق سيطرة دائمة على الضفة الغربية عبر فرض سياسات تهدف إلى دفع الفلسطينيين إلى الهجرة أو القبول بحكم إسرائيلي مباشر.

تحذيرات دولية من التصعيد

تحدثت أستاذة التاريخ بجامعة أريزونا، مها نصار، لـ"نيويورك تايمز"، قائلةً: إن "التصعيد الأخير يهدد بتغيير المشهد السياسي والديموغرافي في المنطقة"، وأضافت: "ما يحدث ليس مجرد حملة عسكرية، بل يمثل تحركًا لتطبيع التهجير القسري على نطاق غير مسبوق."

مع استمرار العملية العسكرية الإسرائيلية واتساع رقعة التهجير، يبدو أن مستقبل الفلسطينيين في الضفة الغربية يواجه خطرًا غير مسبوق. ويرى كثير من المحللين، الذين استطلعت "نيويورك تايمز" آراءهم، أن ما يجري ليس مجرد حملة أمنية، بل إعادة رسم للخارطة السكانية لصالح المستوطنين الإسرائيليين، وهو ما قد تكون له تداعيات كارثية على المنطقة في المستقبل.