02-مايو-2017

الأسرة الجزائرية عيّنة مصغّرة عن النّظام السّياسي القائم (فايز نورالدين/أ.ف.ب)

الأسرة الجزائرية عيّنة مصغّرة عن النّظام السّياسي القائم، في صراعات أفرادها وتكالبهم فيما بينهم، أو ما يُعرف بأجنحة السّلطة، منذ عهد الرّئيس هوّاري بومدين إلى زمن الرّئيس الحالي، الذي يبدو أنّه استعصى على الانتهاء، وفي تشنّجاتها مع جيرانها، إذ بقيت الحدود مع المغرب مغلقة منذ عام 1994، وفي غياب سياسة تتعلّق بتسيير الموارد، فما أن هبطت أسعار البترول حتى تمّ الإعلان عن سياسة للتقشّف، وفي تنظيم أوقات أطفالها ومرافقة هواجسهم، إذ تخلو التجمّعات السّكنية من الحدائق والمساحات المخصّصة للصّغار.

الأسرة الجزائرية عينة مصغرة عن النظام السياسي القائم، في صراعات أفرادها وتكالبهم فيما بينهم، وفي تشنّجاتها مع جيرانها

وفي استعمالها للقوّة في قمع الاحتجاجات، حتى أنها فعلت ذلك مع المعلّمين الذين تدعو المدارس إلى القيام لهم تبجيلًا، وفي كذب المواعيد، فلا الطريق السيّار اكتمل في الأجل المحدّد، ولا السّكنات سلّمت كما هو متفق عليه، وفي احتكار السّلعة لنفسها، حتى يستفيد مقرّبوها من غلائها، فقد برّرت الحكومة غلاء البطاطا مؤخرًا بنقص مخازن التبريد، وكأن إنجاز ما يكفي من ذلك صعب التحقيق، وفي محاباة الأقارب، من ذلك أن شقيق الرئيس الحالي هو الرئيس الفعلي للبلاد، من غير أية صفة رسمية.

اقرأ/ي أيضًا: الأسرة الجزائرية في دوامة اختطاف البراءة

وفي التظاهر بالتديّن، لكسب الضّمير العام، فهل من وظيفة الدولة أن تطارد المفطرين في رمضان أو معتنقي دين آخر غير الدين السّائد؟ وفي وصف الصّوت المخالف بالخائن، حتى أن كثيرًا من وجوه السلطة أطلقوا هذه الصّفة على الدّاعين إلى مقاطعة الانتخابات التشريعية الجزائرية التي ستجرى في الرّابع من آيار/ مايو القادم، وفي الخضوع لصاحب السلطة المالية حتى وإن كان جاهلًا أو غير صاحب كفاءة، مثلما يتمّ الخضوع لرجال الأعمال الذين أفلسوا الخزينة العامّة، من غير أن ينجزوا المشاريع الموكلة إليهم بالمعايير الاحترافية.

وفي غياب الاهتمام بالكتاب والقراءة والتثقف، إذ تكفي معاينة لطبيعة المدراء المشرفين على هذا الملف في الوزارة الوصية لمعرفة الواقع، وفي الانتصار للذكر على حساب الأنثى، كم امرأة جزائرية تمّ تعيينها في منصب حسّاس؟ وفي تزوير التاريخ العائلي بنفي المنكر منه، حتى أنّ مجاهدًا في ثورة التحرير، قال هذه الأيام إن الرئيس الحالي لحزب "جبهة التحرير الوطني" الحاكم، قام بتزوير مشاركته في الثورة، من غير أن تتحرّك آلية واحدة للتحقيق.

وفي نصرة الأبناء حتى وإن كانوا ظالمين، وفي التكفل بهم بعد سجنهم بالقفاف الثرية، إذ لم يحدث أن تمّت محاكمة وجه واحد من وجوه السلطة، رغم الشبهات المحيطة بهم، بل إن وزير الطاقة السّابق شكيب خليل عاد إلى البلاد على البساط الأحمر، وتمّ تعيين أحد المتورّطين معه في الفساد على رأس أكبر شركات النفط في البلاد وفي أفريقيا، وفي تسييج البيت بالحديد ومنع أخباره من التسرّب، إذ يمكنك في الجزائر أن تصل إلى رئيس الجمهورية، رغم اختفائه منذ عام 2012، لكنك لا تستطيع أن تصل إلى الناطق الرسمي باسم هيئة حكومية ما، خاصّة إذا كنت صحفيًا.

اقرأ/ي أيضًا: الطلاق يزحف إلى الأسرة الجزائرية!

الأسرة الجزائرية عينة مصغرة عن النظام السياسي القائم في إعلان ثقتها في العدالة لكنها تلجأ إلى رشوة القاضي أو الضغط عليه

وفي الاكتفاء بتنظيف البيت من الداخل وإهمال ما دونه، وقد ظهر هذا جليًا في التظاهرات الكبرى، كان آخرها تظاهرة "قسنطينة عاصمة الثقافة العربية"، إذ لم يمسّ الترميم إلا واجهة المدينة التي تبدو للعيان، وفي عقلية أحييني اليوم واقتلني غدًا، فالحكومة الجزائرية لا تملك احتياطيًا يكفي من القمح لأكثر من أسابيع محدودة، وفي مجاملة الابن الفاسد ما دام يعطي المال، على حساب الابن العاقل ما دام بطالًا. تعبت من إعطاء الأمثلة المتطابقة، لكن لدينا أيضًا التعامل مع الإشاعة واعتبارها مصدرًا موثوقًا، وفي التشهير بفضائح الجيران وتبرير فضائح الداخل، وفي مجاملة الجار القوي حتى وإن كان يعذّب أولاده، هنا لا بدّ من الإشارة إلى الموقف الرّسمي الجزائري من النظام السّوري.

وفي إعلان ثقتها في العدالة لكنها تلجأ إلى رشوة القاضي أو الضغط عليه، وفي اللجوء إلى ذكر أمجاد الماضي لتجاوز عقدة اختلالات الحاضر، وفي مضايقة من يريد أن يكون منسجمًا مع نفسه من أولادها، بقول كلمة الحقّ في الوجه، وفي تثبيطها عزيمة من يحرص على نظام غذائي صحّي، والقائمة تطول، فمتى يغيّر الجزائريون مفهومهم للتغيير؟

اقرأ/ي أيضًا:

الدرّاجة في المغرب.. عضو عزيز في الأسرة

فقدان الأب في الجزائر.. اليتم الأصعب