22-أبريل-2019

يحمل هجوم سريلانكا دلالات على فشل الحرب على الإرهاب (أ.ب)

أفاق العالم يوم الأحد على صدمة الهجمات الإرهابية التي استهدفت المسيحيين خلال احتفالاتهم بعيد القيامة، وفنادق تشتهر باستضافتها للشخصيات العالمية في سريلانكا، وذلك بعد أقل من 40 يومًا على هجوم مختلف في تفاصيله لكنه يحمل صبغة إرهابية نفذه يميني متطرف فتح فيه النار على مجموعة من المصلين داخل مسجدين بمدينة كرايست تشيرتش في نيوزيلندا، ما يدفع للتساؤل حول فشل المجتمع الدولي في ملف مكافحة الإرهاب رغم الإجراءات الصارمة المتخذة لتحقيق هذا الهدف.

تدفع هجمات سريلانكا للتساؤل حول فشل المجتمع الدولي في ملف مكافحة الإرهاب رغم الإجراءات الصارمة المتخذة لتحقيق هذا الهدف

عيد القيامة.. يوم أسود في تاريخ سريلانكا المعاصر

وفيما كان مسيحيو سريلانكا يحتفلون في الكنائس بعيد القيامة هزت سلسلة تفجيرات إرهابية أماكن ومناطق مختلفة، واستهدفت ثلاثة كنائس في العاصمة كومبولو، ومدينتي نغومبو وباتيكالوا أثناء إقامتها المراسم الدينية للاحتفال بعيد القيامة، وبالتزامن مع التفجيرات التي استهدفت المسيحيين في عيدهم، اُستهدفت أربعة فنادق في العاصمة السريلانكية بأربعة انفجارات منفصلة، إضافة لانفجارين آخرين وقعا في أحياء العاصمة كولومبو.

اقرأ/ي أيضًا: جريمة نيوزلندا.. نحو إعادة تعريف الإرهاب عربيًا

ووفقًا للسلطات السريلانكية فإن التفجيرات الإرهابية أوقعت ما لا يقل عن 290 قتيلًا، وإصابة قرابة 500 آخرين بجروح، وبعد ساعات من فرض الحكومة السريلانكية حظرًا للتجول، قالت وسائل إعلام غربية إن مسجدًا في مدينة بوتالام شمال غرب البلاد تعرض لهجوم بقنبلة حارقة، إضافة لتعرض متجرين يملكهما مسلمون في مدينة كولاتار لأعمال تخريبية، كما جرى تفكيك قنبلة مساء الأحد في مطار كولومبو الدولي، ما دفع بالسلطات الحكومية لإعادة فرض حظر التجول مرة ثانية وسط تأهب أمني عالي المستوى للجيش السيرلانكي.

تأتي هذه الهجمات بعد أقل من عشر سنوات على انتهاء الحرب الأهلية السريلانكية التي استمرت نحو 26 عامًا بين متمردي نمور التاميل الذين كانوا يقودون حركة انفصالية لإنشاء حكم ذاتي شمال شرقي البلاد والحكومة السريلانكية، قتل خلالها عشرات الآلاف من المدنيين، وكانت البلاد على شفى الدخول بمرحلة عنف جديدة العام الماضي عندما نفذت جماعة التوحيد الوطنية، وهي حركة إسلامية متطرفة، هجمات استهدف المعابد البوذية في سريلانكا.

هل تتحمل الحكومة السريلانيكة مسؤولية الهجوم؟

تشير التقارير الصحفية الصادرة منذ يوم الأحد إلى تحمل الحكومة السريلانكية النسبة الأكبر من المسؤولية عن وقوع الهجمات، نتيجة إهمالها للتقارير الأمنية التي أفادت قبل نحو عشرة أيام، بإمكانية وقوع هجمات إرهابية في البلاد، فقد أشارت وكالة الأنباء الفرنسية بالاستناد لوثائق قالت إنها اطلعت عليها أن قائد شرطة سريلانكا أصدر مذكرة لقادة الشرطة تحذر من تخطيط انتحاريين لاستهداف "كنائس كبيرة"، مضيفة أن الوثائق تضمنت إبلاغ وكالة استخبارات أجنبية أن جماعة التوحيد الوطنية هي من يخطط لتنفيذ الهجوم الإرهابي.

وصباح الاثنين قال المتحدث باسم الحكومة السريلانكية، راجيثا سيناراتني، إن الهجمات الإرهابية التي استهدفت البلاد تم تنفيذها بمساعدة شبكة دولية، دون أن يضيف المزيد من التفاصيل، وفي كلا الحالتين فإنه يظهر من طبيعة تنفيد الهجمات أنها كانت منسقة لإيقاع أكبر عدد من الضحايا.

وتشير التقارير الواردة حول الهجمات الإرهابية لوجود خرق أمني على مستويات عالية داخل الحكومة السريلانكية، كونها لم تتخذ الإجراءات الأمنية اللازمة لمنع وقوعها رغم علمها مسبقًا بالتخطيط لها، ووفقًا لوسائل إعلام غربية فإن هذه المرة الأولى التي يتم فيها استهداف السياح في سريلانكا في هجمات إرهابية، فقد ذكرت الحكومة السريلانكية أن ما لا يقل عن 35 سائحًا أجنبيًا من جنسيات مختلفة قتلوا خلال الهجوم.

وقد نقلت وكالة أسوشيتيد برس عن خبير الأدلة الجنائية، أن سبعة أشخاص نفذوا ستة من الهجمات الإرهابية، وعلى خلفية الهجوم الإرهابي داهمت الشرطة السريلانكية أحد المنازل في العاصمة كولومبو ما أسفر عن اعتقال سبعة أشخاص، ومقتل ثلاثة آخرين، كما قام شخص آخر بتفجير نفسه بعد تعرض منزله للمداهمة من قبل الشرطة السريلانكية، وقالت السلطات إنها اعتقلت 24 شخصًا مشتبهًا بهم بعد وقوع الهجمات الإرهابية.

ماذا تعرف عن جماعة التوحيد الوطنية؟

عند البحث عن جماعة التوحيد الوطنية، المتهم الأول بالوقوف وراء الهجمات الإرهابية وفقًا للحكومة السريلانكية رغم عدم تبنيها لها حتى لحظة إعداد التقرير عينه، فإننا نجد شحًا في المعلومات المرتبطة بنشاطها داخل الجزيرة التي تقع شمال المحيط الهندي جنوب شبه القارة الهندية في جنوب آسيا، إلا أن المؤكد حول الجماعة أنها جماعة إسلامية متطرفة يزعم تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) أنها أحد فروعه التي بايعته في القارة الآسيوية.

وبحسب صحيفة ميرور البريطانية فإن منفذي الهجوم يحملون الجنسية السريلانكية، مشيرًة إلى أن الجماعة قبل وقوع الهجمات الإرهابية كانت متهمة بالترويج للأفكار الإسلامية المتطرفة، وعرف عنها العام الماضي قيامها بتدمير التماثيل في المعابد البوذية، وعام 2016 ألقت السلطات السريلانيكة القبض على سكرتير الجماعة عبد الرزاق بتهمة التحريض على العنصرية.

وتقول إحصائية صادرة عن الحكومة السريلانكية إن 32 مواطنًا سريلانكيًا انتسبوا لتنظيم داعش في عام 2016، كما أكد الخبير الأمني روهان جوناراتنا للصحيفة البريطانية أن الجماعة هي فرع لتنظيم داعش في الجزيرة الآسيوية، ويملك أعضاؤها صلات مع عناصر قادة التنظيم في الشرق الأوسط، واستند الخبير الأمني في تصريحاته لاحتفال مؤيدي التنظيم بوقع الهجمات الإرهابية على مواقع التواصل الاجتماعي.

ويشير خبراء مكافحة الإرهاب إلى أن الهجمات الإرهابية التي وقعت في سريلانكا "غير عادية"، وأضافوا أنها تحوي على بصمات لهجمات إرهابية مماثلة كانت نفذت خلال السنوات السابقة من قبل تنظيمي داعش والقاعدة، وأكدوا على أن الهجمات تحمل قدرات عالية في التنظيم، واحتاجت لقياديين ماهرين من أجل تنفيذها.

الأحد الأسود.. لماذا استهدفت الهجمات الإرهابية سريلانكا؟

 لا بد من الإشارة عند النظر للهجمات الإرهابية "المنسقة" كما وصفتها السلطات السريلانكية، إلى التنوع الإثني والديني في سريلانكا التي لم يكد ينتهي عقد واحد على خلاصها من حرب أهلية، إذ يشكل من أصل 22 مليون نسمة 70% من البوذيين، و12.6% من الهندوس، و9.7% من المسلمين، فيما تعد المسيحية أقلية دينية بنسبة 7.6%.

وحتى اللحظة، فإنه من غير المعروف الأسباب التي دفعت بمنفذي الهجمات الإرهابية لاستهداف سريلانكا، فالبلد الذي يعيش خلال السنوات العشر الأخيرة نموًا اقتصاديًا طفيفًا بعد انتهاء الحرب الأهلية، غير معروف عنه مشاركته في الصراع المسلح الذي تشهده منطقة الشرق الأوسط، لكنه غارق في أزمة سياسية بين الرئيس السريلانكي مايثريبالا سيريسينا ورئيس الحكومة رانيل ويكريميسينغي، إضافة لأن التوترات الدينية والإثنية لا تزال تظهر خلال فترات متفاوتة، وهو ما سنتناوله من خلال قراءة سريعة للأسباب التي أدت لوقوع الهجمات الإرهابية.

  • الحكومة السريلانكية تجاهلت تحذيرات الأمم المتحدة قبل عام

يبرز في المقام الأول من طريقة تنفيذ الهجمات أن المنفذين أرادوا أن يوقعوا أكبر عدد من الضحايا والخسائر المادية، كونها جاءت في أماكن متفرقة من البلاد، وصباح الاثنين قالت السلطات السريلانكية إنها عثرت على 87 جهازًا لتفجير القنابل في محطة الحافلات الرئيسية بالعاصمة كولومبو، ما يشير إلى أن منفذي الهجوم كان هدفهم إدخال البلاد في أزمات مختلفة، ويحمل توقيت الهجوم رمزية هامة كونه جاء قبل شهر واحد من احتفال سريلانكا بمرور عشرة أعوام على انتهاء الحرب الأهلية، إذ كان الهدف منها إدخال البلاد في حالة من الخوف وعدم الشعور بالاستقرار.

وكما تبين مجلة التايم، فإن جماعة نمور التاميل المتمردة لم يكن لها تاريخ في استهداف المسيحيين، أو حتى مع المتطرفين الإسلاميين، لكن الحكومة السريلانكية لم تقم بعد انتهاء الحرب الأهلية بمساءلة جماعة نمور التاميل "عن أفعال الماضي"، بحسب الأمم المتحدة التي أشارت إلى أن كولومبو لم تفِ بوعودها للمجتمع الدولي حول اتخاذ خطوات لتحقيق العدالة للمتضررين من الحرب الأهلية، ما دفع بالأمم المتحدة للتحذير من أن عدم المساءلة عن الانتهاكات التي ارتكبت خلال سنوات الحرب الأهلية قد ساهم في عودة العنف ضد الأقليات في آذار/مارس 2018.

ويشير ذلك إلى أن الحكومة السريلانكية أظهرت تراخيًا واضحًا، وفشلًا ذريعًا في تعاملها مع التحذيرات الأممية سابقًا، أو أجهزة الاستخبارات الأجنبية حول المعلومات التي أفادت قبل أكثر من عشرة أيام بوجود مخطط لاستهداف الكنائس المسيحية خلال احتفالاتهم بعيد القيامة، وهو ما يثير الشك إن كان هناك صلات بين أشخاص من جهاز الشرطة السريلانكية ومنفذي الهجوم أنفسهم، إذ على الرغم من إعلان الرئيس السريلانكي حالة الطوارئ في البلاد فإن اللوم الأكبر يقع على السلطات الأمنية التي سبّب عدم تعاملها بالجدية المطلوبة مع التهديدات، بوقوع الهجمات الإرهابية الأعنف منذ انتهاء الحرب الأهلية.

  • الصراع السياسي على السلطة

يأتي ثانيًا التنافس على المناصب السياسية بين سيريسينا وويكريميسينغي الذي أدى لدخول البلاد في أزمة دستورية نهاية العام الماضي، بعدما أقدم الرئيس السريلانكي على إقالة رئيس الحكومة من منصبه، وتعيين الرئيس السابق ماهيندا راجاباكسي بدلًا منه، ما أظهر خلافًا سياسيًا واضحًا بين الطرفين، فقد أمر سيريسينا بحل البرلمان السريلانكي، المناط به اختيار رئيس الحكومة عن طريق التصويت بالأغلبية، لكن المحكمة العليا أصدرت قرارًا مضادًا يلغي قرار سيريسينا لمخالفته الدستور، الأمر الذي حتم على الأخير إعادة  ويكريميسينغي لمنصبه، وبحسب مراقبين فإنه من المتوقع استمرارية عدم الاستقرار السياسي في البلاد حتى العام القادم، أي قبل موعد الانتخابات الرئاسية، حيثُ تسعى الأحزاب السياسية لاجتذاب أصوات الناخبين البوذيين الذي يشكلون النسبة الأكبر من التعداد السكاني.

  • الصراع الإثني – الديني

على الرغم من إعلان سريلانكا رسميًا عام 2009 انتهاء الحرب الأهلية على أراضيها، فإنها لا تزال تخضع لحوادث عنف على أساس إثني – ديني، ففي آذار/مارس العام الماضي، فرضت الحكومة السريلانكية حظرًا للتجول في مدينة كاندي على إثر هجوم المتطرفين البوذيين على ممتلكات المسلمين في المدينة، وأظهرت الهجمات عدم تعامل الحكومة السريلانكية بشكل فعّال مع الهجمات بسبب فشلها في فرض حظر التجول لأكثر من يوم واحد، وفي نهاية المطاف أجبر سكان المنطقة على إخلاء منازلهم بسبب استمرار المتطرفين البوذيين بالتحريض على المسلمين عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

اقرأ/ي أيضًا: المؤشر العربي: كيف ينظر العرب إلى داعش؟

وقد قالت وزارة الخارجية الأمريكية في تقريرها الحقوقي لعام 2018، إن بعض الجماعات المسيحية والكنائس قد أبلغت عن تعرضها لضغوط لإنهاء تجمعات للعبادة بعد أن صنفتها السلطات السريلانكية بأنها "تجمعات غير مرخص لها"، وأشار التقرير إلى أن الراهبين البوذيين حاولوا مرارًا إغلاق أماكن العبادة للمسيحيين والمسلمين، ووفقًا لوكالة رويترز فقد تم تسجيل 86 حادث تمييز وتهديد وعنف ضد المسيحيين العام الماضي.

يشير خبراء مكافحة الإرهاب إلى أن هجمات سريلانكا "غير عادية"، وأضافوا أنها تحوي على بصمات لهجمات إرهابية مماثلة نفذت خلال السنوات السابقة من قبل داعش والقاعدة

على ضوء ذلك، ورغم أن الحكومة السريلانكية وجهت الاتهام بشكل مباشر لجماعة التوحيد الوطنية بالوقوف وراء الهجمات الإرهابية، فإن الهجمات بحد ذاتها تشير إلى مدى الانقسام السياسي داخل البلاد عبر التنافس على السلطة، وتدل في الوقت ذاته على فشل المجتمع الدولي في مكافحة الإرهاب طالما أن العالم لا يزال يشهد هجمات إرهابية هدفها إيقاع أكبر عدد من الضحايا، ونشر الخوف بين الناس، وهو ما يتطلب قراءة مختلفة لإيقاف وقوعها مستقبلًا.

 

اقرأ/ي أيضًا:

أبرز الهجمات الإرهابية في أوروبا في القرن الـ21

بحثًا عن جذور الجهاد في الغرب