31-ديسمبر-2022
gettyimages

لا يتخذ النظام السوري أيّ إجراءات جدية من أجل معالجة الأزمة المعيشية (Getty)

تتعقّد الظروف المعيشية يوما بعد آخر في سوريا، وتحديدًا في مناطق سيطرة النظام السوري، حيث ارتفعت تكاليف المعيشة بمقدار 80 ضعفًا خلال سنوات حرب النظام السوري على الثورة السورية، ويحدث ذلك في ظل انهيار قيمة الليرة وتدني الأجور ومستوى التضخم الذي بلغ حدوده القصوى وأزمة مصادر الطاقة، وهي مجموعة مشاكل يواجهها النظام السوري بطرق غير فعالة، ما بين الإعلان عن العطلة نتيجة شح المحروقات أو الإعلان عن منحة للموظفين الحكوميين، ومؤخرًا زيادة أجور القطاع الأهم في مؤسسات النظام، وهي رواتب القوات الأمنية.

تتعقّد الظروف المعيشية يوما بعد آخر في سوريا، وتحديدًا في مناطق سيطرة النظام السوري، حيث ارتفعت تكاليف المعيشة بمقدار 80 ضعفًا

ووفقًا لحديث رئيس مجموعة عمل اقتصاد سوريا أسامة القاضي فإن تكاليف المعيشة في سوريا تضاعفت 80 ضعفًا بسبب تراجع القدرة الشرائية للأسر ذات الدخل المحدود بنسبة تناهز 100%، حيث باتت الأسرة متوسطة الدخل المكونة من شخصين في حاجة إلى "مليون ليرة سورية لسد نفقات معيشتها"، لأن بعض أسعار السلع الأساسية تضاعفت 100 ضعف خلال سنوات الحرب كما فقدت العملة قيمتها أمام الدولار بشكل قياسي فالدولار الواحد بات يساوي 7000 ليرة، هذا فضلا عن خسائر القطاع الزراعي وارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج، بالإضافة إلى زيادة كلفة النقل والتأمين، بحسب حديثه لصحيفة العربي الجديد.

وتعاني مناطق سيطرة النظام السوري من أزمة معيشية خانقة، تجلت بعد قرار النظام السوري، رفع أسعار المحروقات، التي تعاني من أزمة شح أساسًا، وعكسه بزيادة على أجور المواصلات، وغيرها من القطاعات الحيوية التي تعتمد على المحروقات في تشغيلها. بالإضافة إلى زيادة ساعات قطع الكهرباء على حساب ساعات الوصل، التي وصلت في مناطق إلى ساعة وصل واحدة.

getty

ورغم ما تسببت به حرب النظام السوري على الثورة السورية، وما تبعها من انهيار الليرة، ووسط هذه الأزمة الخانقةـ أصدر رئيس النظام السوري بشار الأسد يوم الثلاثاء 27 كانون الأول/ديسمبر مرسومًا يقضي بتعديل رواتب عسكريي "قوى الأمن الداخلي" وزيادته.

إجراءات باهتة من النظام

وتعاني مناطق سيطرة النظام السوري من أزمة في المحروقات وشح بعض السلع الأساسية بالإضافة إلى انهيار سعر الليرة السورية أمام الدولار، فقد وصلت إلى حوالي 7000 آلاف ليرة لكل دولار واحد. وتأتي أسباب انهيار الاقتصادي، بالترافق مع العملية التركية في شمال سوريا، التي ساهمت في تقليل حركة البضائع باتجاه مناطق النظام والتحويلات النقدية التي اعتمد عليها النظام بشكلٍ كبير، بالإضافة إلى تدميره قطاعات اقتصادية كاملة نتيجة الحرب، وعدم وصول المحروقات من داعميه، إلى جانب الفساد داخل مؤسسات النظام السوري، والرشاوي التي لم تعد تقبل بالليرة السورية بل أصبحت بالليرة الذهبية، بحسب رصد تلفزيون سوريا. بالإضافة إلى العقوبات على نظام الأسد بدرجةٍ أقل.

أمام هذا الوضع الاقتصادي، فإن خطوات النظام السوري كان باهتة، وإلى جانب رفع رواتب القوى الأمنية وبعض القطاعات الأخرى بشكلٍ محدود، وقّع رئيس النظام السوري بشار الأسد في الخامس عشر من شهر كانون الأول/ديسمبر الجاري، ، مرسومًا بصرف منحة مالية لمرة واحدة للعاملين في الدولة خالية من الضرائب بقيمة 100 ألف ليرة سورية أي حوالي 17 دولارٍا، معفاة من ضريبة دخل الرواتب والأجور وأي اقتطاعات أخرى. وشملت تلك المنحة بحسب المرسوم: "العاملين في الدولة وأصحاب المعاشات التقاعدية من المدنيين والعسكريين". ولكن بحسب مصادر إعلامية لم تصرف هذه المنحة حتى الآن.

غلاء يفاقم مآسي السوريين

وعقب تلك المنحة بيوم واحد عمدت حكومة النظام إلى إقرار زيادة تعرفة وسائل نقل الركاب العاملة على المازوت والبنزين بنسبة 25% لوسائط النقل العاملة على المازوت، و10% لوسائل النقل العاملة على البنزين، بعد أيام قليلة من رفع سعر المحروقات. وأصبح أجرة التنقل في سيارات الأجرة داخل دمشق تصل إلى 40 ألف ليرة. ومن ضمن محاولات تعامل النظام مع أزمة المحروقات، كان الإعلان عن أيام عطلة خلال الأسبوع، وتبعها لاحقًا تعطيل الدوام لمدة أسبوع كامل.

إلى جانب شح وارتفاع أسعار المحروقات، يضرب الغلاء في سوريا، معظم السلع الأساسية، سواء برفع أسعارها رسميًا أو نتيجة التداول التجاري لها مثل الخبر الذي يرتفع بمقدار 200 ليرة سورية عن السعر المحدد من قبل النظام. وخلال الأيام الماضية توقفت عدة أفران عن العمل نتيجة نقص المحروقات.

وتسبب ارتفاع أسعار المحروقات، في ارتفاع أسعار أكثر من 15 سلعةً داخل مناطق سيطرة النظام السوري، مثل الألبان والأجبان واللحوم وغيرها، نتيجة ارتفاع أسعار النقل والتبريد لها.

لم تتوقف جباية النظام عند المحروقات، فقد وصلت إلى رفع أسعار 1277 صنفًا دوائيًا بنسبة 30 في المئة، بحسب تلفزيون سوريا. فيما وصل شح المواد التموينية إلى المتة المشروب المفضل في العديد من المناطق السورية. وارتفعت أسعار اللحوم في دمشق وريفها لتكسر حاجز الـ40 ألف ليرة، بالترافق مع انخفاض في الطلب عليها.

وفي حلب، تسببت أزمة المحروقات في تأخير دفن الموتى، نتيجة عدم القدرة على تشغيل كافة السيارات المرتبطة بنقل جثامين الموتى. وتعاني مناطق عدة من دمشق، أزمةً حادةً في الغاز، حيث تتجاوز مدة انتظار الأسطوانة أكثر من 3 أشهر، فيما يصل سعرها في السوق السوداء إلى 160 ألف ليرة سورية.

من غير المعلوم موعد نهاية أزمة المحروقات، إذ لا يستطيع النظام السوري استيراد النفط كونه العملية تتم بالعملات الأجنبية، غير المتوفرة لديه. في الوقت الذي عمل فيه نظام الأسد على خصخصة قطاع توزيع المحروقات مما فاقم الأزمة بشكلٍ أكبر. ويبدو أن إيران تسعى للحصول على مكتسبات أكثر من خلال استغلال أزمة المحروقات ووضع اشتراطات على النظام السوري وذلك من خلال تأخير توريد النفط إلى النظام، بحسب ما أشارت إليه مصادر في النظام السوري. ويمكن تلخيص الأزمة، بانهيار الليرة بنسبة 100% وارتفاع أسعار السلع بما يعادل 40%.

تتصاعد المظاهرات داخل مناطق سيطرة النظام السوري، وتحديدًا في السويداء ودرعا، وفي الوقت الذي انطلق جزء من هذه المظاهرات لأسباب اقتصادية ومعيشية فإنها تطور وتطرح شعارات سياسية

وأمام هذه الأزمة، لا يظهر أن النظام السوري يتخذ أيّ إجراءات جدية من أجل حلها، بل يفاقم معاناة السوريين من خلال تعطيل آلية المساعدات عبر الحدود، وذلك من أجل تحقيق مكتسبات سياسية. وفي الوقت نفسه، تتصاعد المظاهرات داخل مناطق سيطرة النظام السوري، وتحديدًا في السويداء ودرعا، وفي الوقت الذي انطلق جزء من هذه المظاهرات لأسباب اقتصادية ومعيشية فإنها تطور وتطرح شعارات سياسية تطالب بإسقاط النظام وإخراج إيران وحزب الله من سوريا.