17-نوفمبر-2015

الرئيس الموريتاني محمد ولد عبدالعزيز(Getty)

لم تراوح الأزمة السياسية في موريتانيا مكانها منذ سنوات، حيث طبعها التنافر بين النظام والمعارضة وظلت تخوفات وعدم ثقة المعارضة في النظام، تسيطر على المشهد السياسي، رغم الأحاديث التي تجري كل فترة حول الحوار والدعوات التي يطلقها النظام من أجل الحوار مع المعارضة، تلك الدعوات التي سرعان ما تذبل في تفاصيل الاستقطاب الحاد، وآخرها اتصال هاتفي قام به الوزير الأمين العام للرئاسة "مولاي محمد لغظف" قبل أسابيع، حيث أبلغ رئيس منتدى المعارضة الموريتانية الدوري "أحمد سالم ولد بوحبيني" باستعداد الحكومة الموريتانية لاستئناف الحوار مع المعارضة من حيث ما توقف قبل شهرين.

ذلك الاتصال الذي خلق نقاشًا حادًا بين حساسيات المنتدى المعارض، المكون من عدة أحزاب ومنظمات وهيئات مجتمع مدني تمثل جل التيارات الأيديولوجية الموريتانية من ليبراليين وإسلاميين ويساريين. حيث اعتبر البعض أن فكرة الحوار مع النظام غير مجدية مالم يقدم ضمانات واضحة وأكد على ضرورة التريث لأن النظام عرف بالمراوغة وأنه على النظام الرد على وثيقة المعارضة التي سبق وأصدرت من أجل حوار جاد، ومن يرى أن الحوار، من ناحية المبدأ، فكرة غير سيئة ويجب التفاعل معها بإيجابية.

ماذا يريد النظام من دعوته؟

على الأقل فشلت ستة مشاريع ونوايا محاورة المعارضة والموالاة، الجديد هذه المرّة هو أن المعارضة تعتقد أن النظام جدي بسبب أزماته الداخلية

تختلف القراءات لدعوة النظام للحوار مع المعارضة بعد أن كان مصرًا على أن البلد بخير وأنه لا توجد به أزمة سياسية، حيث تراوحت بين من يعتقد أنها مجرد محاولة لتخفيف الضغط عليه، خاصة أن البلاد تشهد حاليًا الكثير الأزمات منها الحقوقية والاجتماعية والاقتصادية، حيث يُسجن نشطاء حقوقيون مناهضون للعبودية، يثير سجنهم الكثير من الغضب، ويجري الحديث عن تردي الواقع الاقتصادي للبلد واحتمال مرور الدولة بعجز مالي في الفترة القادمة، بالإضافة لتردى الخدمات الأساسية، حيث تشهد البلاد انقطاعات متكررة للكهرباء وموجة عطش شديدة وتردي الخدمات الصحية وظهور العديد من ملفات فساد.

 كان آخر تلك القضايا حديث جريدة لوموند الفرنسية عن علاقة مشبوهة بين النظام الموريتاني وشركة كينروس تايزيات الكندية التي تستخرج الذهب الموريتاني، تلك العلاقة التي تميزت بدفع رشاوي لمسؤولين موريتانيين ومقربين من الرئيس الموريتاني الجنرال محمد ولد عبد العزيز، حسب الجريدة، وقد تحدثت الجريدة عن قيام شرطة الأسواق المالية الأمريكية ووزارة العدل الأمريكية بالتحقيق في تلك العلاقة، بينما يرى آخرون أن الأمر أبعد من مجرد تخفيف ضغط آني، بل يحاول النظام من خلال هذ الحوار جر المعارضة لقبول تعديلات دستورية تتيح للرئيس الموريتاني الترشح لفترة رئاسية ثالثة، مقابل بعض التنازلات لها، فيما يرى البعض أن "الرئيس الموريتاني" يريد حوار يضمن له خروج آمن من السلطة.

في تصريح لموقع" ألترا صوت" قال مسئول الإعلام بحزب تكتل القوى الديمقراطية سليمان ولد محمد فال: "يريد الجنرال محمد ولد عبد العزيز حوارًا ينقذه من الأزمة الخانقة المحدقة به والتي لها تداعيات داخلية وخارجية، حيث تتصاعد الأزمة المالية في موريتانيا ويغيب المستثمرون بسبب عدم وجود توافق سياسي في البلاد، أما المعارضة فتريد حوارًا ينقذ البلاد من هذا الوضع الكارثي الذي تسبب فيه النظام ورعونته، وهذا هو الفرق ومصدر الخلاف".

وحسب رئيس المنظمة الشبابية لحزب التكتل الشيخ سيد أحمد ولد حيدة: "يسعى النظام لقرض من البنك الدولي وهو ما يفرض عليه خلق نوع من التوافق ولو الشكلي، فالأزمة الاقتصادية باتت خانقة، وأكبر مظاهرها هو الحديث عن بيع الشركة الوطنية للصناعة والمناجم (سنيم) وتوقع انخفاض قيمة العملة الموريتانية بقيمة خمسة وثلاثين في المائة، ويحاول أيضًا التغطية على بعض قضايا الفساد مثل ظهور ثلاثة وستين مؤسسة خارج النطاق القانوني للمؤسسات وعلاقته المشبوهة مع شركة كينروس تازيازت".

النظام يهدف أيضًا لزعزعة تماسك منتدى المعارضة الديمقراطية الذي أثبت تماسكه الفترة الماضية يقول الشيخ سيد أحمد حيدة لـ"ألتراصوت"، ويضيف: "النظام يحاول أيضًا بث شرعية جديدة عليه، حيث فشلت كل محاولاته السابقة في ذلك فالبرلمان فاقد للشرعية فهو ناتج عن انتخابات تم مقاطعتها من أغلب مكونات المعارضة، وحتى مؤسسة الرئاسة مطعون في شرعيتها، حيث قاطعت المعارضة الانتخابات الماضية بالإضافة إلى أن مجلس الشيوخ تعدى فترة تجديده بفترة، وهو يعمل خارج نطاق القانون"، وأضاف: "النظام يريد التغطية على الانتهاك المستمر للحريات الذي دأب عليه في الفترة الأخيرة، وخلص الشيخ سيد أحمد: "يريد النظام جر المعارضة لتعديل الدستور للعبث في الفترات الرئاسية أو تحويل النظام إلى برلماني".

ومن الجدير بالذكر أن آخر انتخابات تشريعية، نظمت سنة 2013 في ظل مقاطعة أغلب أحزاب المعارضة التقليدية فلم يشارك من "منسقية المعارضة" سوى حزب التجمع الوطني للإصلاح وللتنمية (تواصل) المحسوب على الإسلاميين، الذي رجع لمحور المقاطعة في الانتخابات الرئاسية التي تلت الانتخابات التشريعية، وقال عباس أبراهام الكاتب الموريتاني والباحث بقسم دراسات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بجامعة أريزونا الأمريكية لـ"ألتراصوت": "من مصلحة النظام حوار وانتخابات وطنية تُنقِذه من انتخابات 2013-2014 التي أفضت إلى خلقه كتلتين معارِضتَيْن: "دستوريّة" وثورية. فقّدْ قوّى المعارضة الإسلاميّة بإدخالِها انتخابات خاليّة من المعارضة التاريخية، فاستطاعت احتواء المشاركين المعارضين.

وفي نفس الوقت لم ينجح، كما أراد، في تجاوز المعارضة التاريخية، التي نجحت في تجاوز "انتخابات 2013-2014" وأعادت "المعارضة الدستورية" لحظيرة "المعارضة التقليدية" ووسَعت تحالفها المدني النقابي، وفرضت حوارًا في 2015".

ويعتبر "حزب التكتل" أبرز الأحزاب المشكلة لمنتدى مناهضة للنظام، ويقول سليمان ولد محمد فال عن موقف الحزب من الحوار مع النظام: "نرفض في حزب التكتل محاولات النظام جرنا لحوار هزلي من أجل إنقاذه، وموقفنا واضح، فمرجعتينا هي الوثيقة التي أصدرها المنتدى بتاريخ السابع والعشرين من مايو 2015 والتي تضمنت شروط المنتدى للحوار، فحين يرد عليها النظام سنجتمع في المنتدى ونقيم الرد، أما محاولات النظام الحالية لا تعدو كونها ضحك على الذقون".

على الأقلّ فشلت ستة مشاريع ونوايا محاورة المعارضة والموالاة، الجديد هذه المرّة هو أن المعارضة تعتقد أن النظام جدي بسبب أزماته الداخلية وتريد جرّ الرافض الكبير، "حزب التكتل"، إلى عقد اجتماعي-سياسي مع النظام، تعود بموجبه أحزاب المعارضة لقبة البرلمان. يقول عباس أبراهام ويضيف: "تعلو أصوات لائمة لـحزب "التّكتل" أنّه يغمض مناضليه حقّهم في التمثل البرلماني والبلدي وأنّه ينتحرُ سياسيًا برمي المنديل والخروج من اللعبة، متناسيّة أنّ النظام ليس شفافًا وليس أمينًا في التزاماته، كما أنّه لا يُمانِعُ في وضع "التّكتل" وحده خارج المجال الدستوري".

خلفية عن فقدان الاتصال؟ 

شهدت موريتانيا في الخمس سنوات الأخيرة تطورات كبيرة في المشهد السياسي الموريتاني زادت من الاحتقان والفجوة بين النظام والمعارضة

منذ يونيو 2006، عندما توّقَفَ التزاور الدوري والاستشاري بين زعيم المعارضة ورئيس الجمهورية، والعلاقة الطبيعية والدستورية بين الحكومة والمعارضة منقطعة بموريتانيا، معيدة العلاقة إلى سنوات الطوارئ والعهد الطائعي (لم يلتقِ الرئيس ولد الطائع بزعيم المعارضة ولد داداه علنيًا إلاّ على هامش مراسيم دفن الرئيس الأسبق المختار ولد داداه) يقول عباس أبراهام، ويؤكد: "زاد انقلاب 2008 من هذه القطيعة. وطبعًا لم يُساعِد عدم احترام "اتفاق دكار"، الذي يدعو إلى تطبيع العلاقة الاستشارية بين النظام والحكومة في الأمر".

وقد شهدت موريتانيا في الخمس سنوات الأخيرة تطورات كبيرة في المشهد السياسي الموريتاني زادت من الاحتقان والفجوة بين النظام والمعارضة، خاصة مع مقدم الربيع العربي، حيث خرج الشباب الموريتاني فيما عرف وقتها بحراك 25 فبراير، حيث طالب بالتغيير الجذري وسقوط حكم العسكر، بالإضافة لوصول المعارضة لمرحلة المطالبة برحيل النظام في مارس 2012 بعد أن وصلت لحالة متقدمة من عدم الثقة فيه. وظهر ذلك في مقاطعتها للانتخابات التشريعية والرئاسية.

استمرار الضغط

لقد جربت المعارضة الموريتانية الحوار مع نظام محمد ولد عبد العزيز في الكثير من المناسبات، مثل حوار داكار الذي عقب انقلابه على الرئيس سيدي ولد الشيخ عبد الله سنة 2008، ذلك الاتفاق الذي تنكر له لاحقًا، يقول الكاتب الموريتاني الصحفي الموريتاني عبدالرحمن ودادي لـ"ألتراصوت"، ويضيف : "لذلك على المعارضة التعلم من أخطائها فهذا النظام ليس محل ثقة وقد تعود الكذب والنكث بالمواثيق والطريق الأمثل للخروج من هذه الأزمة هو مواصلة الضغط حتي يسقط النظام، الذي فاحت رائحة فساده وتجاوزت رائحتها الوطن، فذلك هو أمثل طريق نحو تحقيق ديمقراطية حقيقية ووضع حد للديمقراطية الصورية التي نعيش في ظلها منذ 1992".

اقرأ/ي أيضَا: 

موريتانيا.. تنديد واسع إثر اعتقال محتجين سلميين

ناشطون محرومون من الحرية والعلاج في موريتانيا