24-أغسطس-2015

ليس من الطبيعي ألا تجد شربة ماء في المكتبة (Getty)

عندما تصل إلى الطابق الثاني في مكتبة "جامعة اليرموك"، وتأخذ في البحث عن الكتب التي تحتاجها، من الطبيعي أن تشعر بالعطش في ظل موجات الحر الشديد التي تمر بها البلاد. غير أنه ليس من الطبيعي ألا تجد شربة ماء في المكتبة فتجد نفسك مضطرًا للهبوط إلى الطابق الأرضي، والبحث، خارجًا، عن أقرب كشك لشراء الماء. 

تقتل الجامعات الأردنية محاولات الإفادة منها بسياساتها الروتينية والربحية

ومن الطبيعي أنك ستحتاج، بعد عودتك إلى الطابق الثاني وشربك للماء، إلى الذهاب إلى الحمام، غير أنه ليس من الطبيعي أن تكتشف أن حمامات المكتبة مغلقة منذ سنوات، وستضطر مرة أخرى للهبوط والذهاب إلى الكلية المجاورة لقضاء الحاجة.

ومن الطبيعي أيضًا، مع الاعتذار عن التكرار، بعد عودتك أن تواصل بحثك حتى ينتهي الدوام في تمام السادسة مساءً، غير أنك ستفاجأ، عند الثالثة، بأحد الموظفين يطلب منك، ومن بقية الطلبة في الطوابق العليا، الهبوطَ إلى الطابقين الأول والأرضي، وذلك في إطار سياسة الجامعة التقشفية ومن أجل توفير الكهرباء. وإذا أقنعت المراقب بحاجتك الماسة للحصول على كتاب فإنه قد يسمح لك بالصعود السريع، شريطة أن تسخدم إضاءة هاتفك النقّال في البحث، وقد تتعرض لكبسات الموظفين التي يقومون بها خوفًا من انفلات أخلاقي متوقع وسط هذا الظلام.

وكي لا يفهم من المقال التجني والاكتفاء بالهجوم، علينا أن نعترف أنّ جامعاتنا "اليرموك" و"الأردنية" تضم مكتبات ضخمة تحتوي على كم هائل من المراجع والمصادر، كما تحتوي على قواعد بيانات شاملة يمكن للباحث وطلاب الدراسات الإفادة منها. غير أنّ الجامعات تقتل محاولات الإفادة بسياساتها الروتينية والربحية، فعلى سبيل المثال، ذهبتُ قبل أسبوعين إلى الجامعة الأردنية كي أشترك بخدمات مكتبتها، فاكتشفت أن المبلغ السنوي الذي سأدفعه يؤهلني لاستخدام الكتب والبيانات داخل الجامعة فقط، ولا يؤهلني للاستعارة. 

وكي أتمكن من ذلك، لا بد أيضًا من الحصول على كفيل من موظفي الجامعة بالإضافة إلى وجوب دفع مبلغ تأمين مرتفع نسبيًا. أمّا إذا أردت أن تشترك في مكتبة جامعة اليرموك، فإن الموظف المسؤول سيشهر في وجهك تسعيرتين، واحدة للباحث الأردني والأخرى للأجنبي، واحدة لمن يريد أن يشترك فصلًا، والأخرى لمن يريد أن يشترك عامًا. كما أنّك، عند محاولة الحصول على نسخ إلكترونية من الأبحاث ورسائل الماجستير والدكتوراة، ستكتشف أنّ الموظف يعد عليك الورق الإلكتروني ويحاسبك بالورقة.

في يوم سبت قائظ، التقيت بباحث أردني مهتم بالفكر والفلسفة على أبواب حمامات مكتبة "الجامعة الأردنية"، وكانت مغلقة بحجة الصيانة، فأخبرني أن الجامعات الأردنية تحترم الباحثين وتقدرهم كثيرًا، لذلك فهي ترفض الاعتراف بدنيويتهم وحاجاتهم البشرية، فهم في نظرها ملائكة تترفع عما هو بيولوجي.