18-سبتمبر-2022
jordan protest

يتهم ناشطون أردنيون السلطات بالتضييق على النشاط السياسي (Getty)

من المركز الأمني إلى المستشفى الحكومي، ومنه إلى المركز الأمني مجددًا، لا يزال الناشط الأردني الشاب أنس الجمل يتنقل منذ إيقافه بعد أن وجه له الادعاء العام تهمة "تعكير صفو العلاقات مع دولة صديقة" على خلفية منشور نشر على حسابه على أحد مواقع التواصل الاجتماعي، رغم أن الجمل أكد أنه نشر بعد تعرض حسابه للاختراق.

اعتقل الجمل في نهاية شهر أيار/ مايو الماضي وأوقف لمدة 15 يوما، إلا أن أمر التوقيف ظل يجدد من دون عرضه على المحكمة، وهو ما دفعه إعلان لإضراب مفتوح عن الطعام

اعتقل الجمل في نهاية شهر أيار/مايو الماضي وأوقف لمدة 15 يومًا، إلا أن أمر التوقيف ظل يجدد من دون عرضه على المحكمة، وهو ما دفعه إعلان لإضراب مفتوح عن الطعام.

الاعتقال الحالي للجمل لم يكن الأول، إذ كان قد فقد عمله بائعا على بسطة بعد اعتقال سابق له في آذار/مارس بالتهمة ذاتها، كما أنه اعتقل في 24 آذار/ مارس 2020 على خلفية نشاطه السياسي، واعتقل لنحو شهر في آب/ أغسطس من ذات العام في سجن السلط على خلفية مطالبته بإصلاحات سياسية، ثم اعتقل مرة أخرى في فعالية 24 آذار/ مارس عام 2021 مدة أسبوع في سجن باب الهوى على خلفية تهم مشابهة، وفي عام 2022، تعرّض للاعتقال أكثر من مرة منها أسبوع في سجن الطفيلة، وفقا للمرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان.

أنس الجمل
الناشط أنس الجمل (تويتر)

والدة أنس الجمل، المضرب عن الطعام منذ عشرين يوما، قالت يوم الأربعاء الماضي أن ابنها نقل إلى مستشفى البشير الحكومي مكبلا بسبب تدهور حالته الصحية وهبوط السكر لديه بشكل حادّ. 

لؤي عبيدات، محامي الجمل والقاضي السابق، يقول في حديث مع التراصوت إن الوضع الصحي لموكله سيئ، فالشاب "نحيل وهزيل البنية أصلا وهو مضرب عن الطعام، والوضع سيئ وخطير ولا زالت طلبات إخلاء سبيله تقابل بالرفض."

يضيف عبيدات لألترا صوت أن المحكمة تتذرع بأن الجمل يريد "لي ذراع الدولة"، وهو ما ينفيه عبيدات ويؤكد أن توقيف موكله جاء بسبب منشور لا ينطوي على أية جريمة وإنما هو مجرد نقل لخبر .

دعوات لإنهاء الاعتقال السياسي

عشرات الناشطين من أحزاب سياسية ومؤسسات حقوقية ونقابية كانوا قد خرجوا في وقفة احتجاجية مساء الأحد الماضي أمام الهيئة المستقلة للانتخاب وطالبوا بالإفراج عن أنس الجمل وإيقاف الاعتقال السياسي.

المتظاهرون رفعوا شعارات تنتقد السلطات وتتهمها بإجراء الإصلاحات السياسية على الورق فقط، لا سيما وأن مكان الوقفة جاء أمام الهيئة المستقلة للانتخاب المسؤولة عن إنعاش الحياة السياسية والحزبية في البلاد وتشجيع الشباب على الانخراط في العمل الحزبي.

المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان كان قد دعا السلطات الأردنية سابقا إلى الإفراج عن الجمل واستنكر ما وصفه بـ "سلسلة الاعتقالات والمضايقات التي يتعرض لها الجمل منذ سنوات."

المرصد أضاف أن " ظروف التوقيف التي يمر بها الناشط "الجمل" تشكّل معاناة إضافية له ولأسرته، إذ إنّه موقوف مع سجناء جنائيين، كما لا تستطيع عائلته زيارته سوى مرة واحدة في الأسبوع بسبب تكلفة النقل وبُعد المسافة، حيث يحتجز في سجن "ماركا" شرقي العاصمة عمّان، الذي يبعد حوالي 100 كم عن مكان سكنه شمالي محافظة إربد."

كما أضاف أن " الانتهاكات المتتالية التي تعرض لها الناشط "الجمل" تسببت بخسارته لعمله، ونتج عن ذلك تضاعف الأعباء المعيشية والاقتصادية على عائلته كونه المعيل الواحد لها."

وطالبت أكثر من مئة شخصية أردنية في رسالة مفتوحة السلطات بالعمل على إطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي، ونددت الرسالة بما وصفته "التشدد في الإجراءات القمعية، ومصادرة حرية الرأي والتعبير، واستخدام قانون الجرائم الإلكترونية لتغطية التضييق على المعارضين، وتحويل المعتقلين لمحكمة أمن الدولة، ومحاسبة المواطنين على آرائهم".

وأضافت أن استمرار الممارسات ضد حرية الرأي يعكس "أزمة الحكم الذي لم يعد يحتمل أي موقف أو رأي ينتقد هذا النهج وسياساته التي أخلت بالعقد الاجتماعي الذي ينظم العلاقة بين الحاكم والمحكوم، ويزيد من حالة التأزيم والاحتقان الشعبي في ظل أزمة اقتصادية معيشية خانقة يعاني منها المواطنون تتجلى مظاهرها بالفقر والبطالة وارتفاع الأسعار، وانتشار المخدرات وتصاعد الجريمة، ووصول المديونية للمؤسسات المالية الدولية إلى أرقام تؤشر إلى عقم هذه السياسات، وغياب دور المؤسسات الدستورية (البرلمان والحكومة)".

في السياق ذاته، يشارك المئات في حملة يومية على مواقع التواصل الاجتماعي للمطالبة بالإفراج عن الجمل: 

في المقابل، تقول نهلة المومني، مديرة إدارة الحقوق المدنية والسياسية في المركز الوطني لحقوق الإنسان، إن المركز يتابع حالة أنس للتأكد من تمتعه ببيئة احتجازية مناسبة وعدم تعرضه لأي إساءات في السجن، وتضيف أن المركز قام بثلاث زيارات للجمل بعد إضرابه، واطمأن على وضعه الصحي الذي كان جيدا إلى حد ما، كما أن المركز يتواصل يوميا مع مركز إصلاح وتأهيل ماركا للتأكد من عرضه يوميا على الطبيب.

معتقلون سياسيون ودعوات حكومية للمشاركة السياسية

رغم تضارب الأرقام ونفي مسؤولين حكوميين مرارا وتكرارا وجود أي سجناء سياسيين في البلاد، تشير التقديرات إلى وجود ما يزيد عن ستين معتقلا في السجون على خلفية تهم متعلقة بالتعبير عن آرائهم السياسة، في حين يقول عبيدات إن الرقم يتجاوز ذلك إلى حوالي 150 معتقلا وموقوفا إداريا.

وتأتي هذه الاعتقالات في الوقت الذي تسعى فيه الحكومة جاهدة للترويج بين فئة الشباب إلى المشاركة في الحياة السياسية والحزبية عملا بمخرجات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية.

يقول عبيدات لألترا صوت إن هنالك استهدافًا للحراكيين وللنشاط السياسي في البلاد، وأن هنالك أطرافا تريد "تصحير الساحة وتدجين المجتمع، وهم لا يزالون يتعاملون مع الناس باستخدام أدوات قديمة في وقت لا يمكن فيه تدجين المجتمع بالكامل."

لؤي عبيدات: هنالك استهداف للحراكيين وللنشاط السياسي في البلاد، وهنالك أطراف تريد "تصحير الساحة وتدجين المجتمع، وهم لا يزالون يتعاملون مع الناس باستخدام أدوات قديمة

ويضيف أنهم "يشجعون الشباب على الانخراط في الحياة السياسية التي يُفصّلونها هم، ولكن عندما يخرج الشباب للاحتجاج على اتفاقية مبادلة الطاقة بالماء مثلا يعتقلونهم."

يشدد عبيدات على أن المشكلة لا تكمن في عدد المعتقلين الحاليين وحسب، وإنما في أن المجتمع بأسره أصبح مهددا بالاعتقال وأسيرا للخوف، على حد قوله.