28-يناير-2016

(محمد هويس/أ.ف.ب/Getty)

أنهت واجباتها الدرسية، وإنصرفت تتأملّ أمّها في المطبخ، تحاول كسيدةٍ صغيرةٍ أن تقلّدها. تفشل في حمل السّكين، تعجز عن جلي الأواني، تيأس فتمضي إلى ألعابها ومطبخها البلاستيكي الصّغير، علّ التّمثيل يُسعفها. فتلعب هي، دور السّيدة الصّغيرة في منزلٍ نسجه خيالها. قبل أن يأتي اليوم التّالي، فتصبح الطّفلة العاجزة عن جلي الأواني، مشروع سيّدةٍ لم يكتمل.

يشكّل تزويج القاصرات تحدّيًا أمام الإنسانية جمعاء

يشكّل تزويج القاصرات تحدّيًا أمام الإنسانية جمعاء. فتيات، أو نساءٌ صغيراتُ يقتلن كلّ يومٍ وبدمٍ بارد. تنتقل الفتاة من ملعبها الصّغير، والدّمى التي إعتبرت هي نفسها أمُّهم، إلى منزل الزّوجية، مع زوجٍ يكبرها بعشرات السّنين. وتجتاح هذه الظّاهرة بلدانٍ كاليمن، كما مخيمّات اللاجئين السّوريين، في إستغلالٍ واضحٍ وحقيرٍ من قبل بعد المرضى النّفسيين، حيث سُجلّ منذ العام 2011، عام بدء الأزمة السّورية لليوم، قرابة الـ 4361 حالة تزويج لقاصر في مخيمّات الأردن وحدها، ناهيك عن الزّيجات غير الموثّقة، والتي بأغلبها تعتبر عامل كسب رزقٍ يستثمره ولي الأمر.

يزوّج الأهل بناتهم القاصرات لعدّة أسباب، لعل أبرزها هو العامل الإجتماعي، فمجتمعاتنا، أي مجتمعات دول العالم الثّالث بمعظمها، مع إختلاف نسبة حصول هكا زيجات فيها، تربّت على فكرٍ يعتبر المرأة أو الأنثى بشكلٍ عام، مصدرًا للقلق والإحراج المجتمعي، فيعتبر المجتمع أنّ "زواج البنت سترة"، و"مصير المرأة يرسمه والدها، ليسلّم الشّعلة إلى زوجها" وهي لا تتعدى كونها إضافةً يتناقلها الرّجلان. هاجس "سترة" البنت يدفع أهلها للتّفكير بتزويجها وهي قاصرة. وينتظر القاصرةُ أيضًا زيجاتٌ موسمية، أو زيجات "بيزنس"، يشتري على أساسها رجلٌ ثريٌ عذريتها من ولي أمرها، لقاء الزّواج بها لفترة، يختفي من بعدها العريس، تاركًا خلفه طفلةً تحمل ذكرى "إغتصاب" وعجزٍ مستقبلي عن ترميم حياتها، عدا عن مشاكل الإتصال الجنسي والمخاوف التّي ستسيطر عليها، ويُسجل للمجتمع اليمني تفوّقه من حيث عدد زيجات القاصرات، يليه الأرياف العربية، والمخيّمات.

يسجلّ الهند أعلى عدد زيجات للقاصرات بـ 10063 حالة يليه بنغلاديش بـ 2359 ونيجيريا 1139، ثم البرازيل 877

في الواقع، يسجلّ الهند أعلى عدد زيجات للقاصرات ب 10063 حالة، يليه بنغلاديش ب 2359، ونيجيريا 1139، والبرازيل 877 وأثيوبيا 673 قاصر. بينما يسجّل عالميًا حوالي  13.5 مليون حالة تزويجٍ لقاصر – معظمهنّ من الفتيات –  قبل أن يبلغنّ سن الثامنة عشر هذا العام. و4.4 مليون منهن سيتزوجن قبل بلوغ الخامسة عشر.  مما يعني وبعمليةٍ حسابيةٍ بسيطة 37,000  حالة زواج لقاصر يوميًا. تتوزّع على بلدان العالم كالتّالي، فبلغت نسبة زواج القاصرات من الفتيات في أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى 10%، وفي الدول العربية 19 %. وترتفع  النسبة  إلى 43 % في مناطق أخرى. معظم  تلك الزيجات تقام في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وهي المناطق الأكثر اكتظاظًا بالسكان إذ بلغ عدد زواج القاصرات 40 مليون.

لا يقتصر الضّرر من زيجة القاصرة على الشّق النّفسي فقط، بل يتعدّاه إلى الشّق الجسدي، فحملهنّ، أو إقامتهنّ أي علاقةٍ غير سليمة قبل نضوج أجسادهن سيؤدي إلى مقتلهن، أو يتسبّب بإعاقة دائمة. العالم اليوم سجّل تقدّمًا في محاربة هذه الظّاهرة من حيث القوانين التي تحمي المرأة، لكن مع الأسف، ما بين القوانين والتّطبيق المجتمعي سنواتٌ ضوئيةٌ من حيث التّباعد.

معظم الدّول سنّت وأقرّت قوانين تمنع تزويج القاصرات، تجرّم ولي الأمر والعريس كما المسؤول عن إبرام عقد الزّواج، لكن المجتمعات إستسهلت التّحايل على القوانين، إن بتغيير سنّ الضّحية أو عدم تسجيل العقود في الدّوائر الرّسمية، وإتمامها بعقدٍ شخصي. على المنظّمات العالمية اليوم العمل فعليًا على إيجاد حلولٍ تحمي القاصرات، وعلى المجتمعات نزع الأعراف عنها، والتّركيز على تطوير نفسها، بدل توارث وتوريث معتقداتٍ أكل عليها الدّهر وشرب.

معظم الدّول سنّت وأقرّت قوانين تمنع تزويج القاصرات إذ تجرّم ولي الأمر والعريس كما المسؤول عن إبرام عقد الزّواج

  تلطّي الأهل خلف العامل الدّيني أو المجتمعي، إضافةً إلى جشع بعض المرضى النّفسيين، لا يجب أن يكونا عاملين يمنعان المجتمع من بناء نفسه، نشر الثّقافة الجنسية والتّوعية لا تُفسد المجتمع، بل تساهم في فصل "العيب" عن "الصّح"، ولا ترفع نسب "الإنحراف" المجتمعي، بل تحدّ من الكبت المستشري، والذي يصل حدّ قتل الطّفولة. التّعليم الإلزامي، تزامنًا مع الوعي المجتمعي والتّثقيف الجنسي، إضافةً إلى كسر التّابوهات، يمثّل الطّريق الفعلي لتأسيس مجتمعٍ سليم.

ملاحظة: كُتب هذا المقال، كتحية لروح الطّفلة اليمنية روان وكُثُر مثلُها، بنت السنّوات الثّمان، والتي قتلت منذ أيامٍ ليلة دُخلتها على زوجها الأربعيني.

اقرأ/ي أيضًا:

 ساحات لبنان.. أين الهوية؟!

كوارث تحت ركام بنغازي..