07-يوليو-2019

حكيم عاقل/ اليمن

لم تترك الحرب شيئًا مرت عليه إلا وأصابته بسهامها وجرعته من سمومها، فلا يوجد شخص هنا في اليمن إلا ولاقى من ويلات الحرب التي تشهدها البلاد منذ أربعة أعوم الكثير، وذاق مرارة العيش في بلد يعد اليوم الأشد فقرًا في العالم.

كان للأدب والحركة الثقافية نصيبًا من الحرب التي يشهدها اليمن، حيث تراجعت حركة التأليف وألغيت الكثير من الفعاليات الأدبية

كان للأدب والحركة الثقافية نصيبًا من الحرب التي تشهدها البلاد، حيث تراجعت حركة التأليف وألغيت الكثير من الفعاليات الأدبية، التي تكاد تكون نادرة، في ظل الصراع السياسي وشحّ الموارد المالية، وتوقف تسليم المرتبات، والتضييق على الأدباء والكتاب بسبب آرائهم المناهضة لأنظمة الحكم في اليمن.

اقرأ/ي أيضًا: منع عرض فيلم درامي بتعز.. واستهداف حفل فني بعدن جنوب اليمن

في ذات السياق، تؤكد البروفسور آمنة يوسف، أستاذ اللغة العربية في كلية اللغات بجامعة صنعاء، أن هناك خمولًا كبيرًا في الحركة الأدبية والتأليف، خاصة في فترة الحرب وانهيار الوضع الأمني والاقتصادي اللذين وصل تأثيرهما المتردي جدًا إلى الواقع الاجتماعي والثقافي.

وتؤكد آمنة، في حديثها لـ"ألترا صوت"، أن هذا أمرًا طبيعيًا، لأن الإبداع لا ينتعش إلا في حال الاستقرار من جميع النواحي، غالبًا. وإن ظهر إنتاج في حركة التأليف الأدبي والعلمي، في ظل الحرب فإن الإنتاج يكون مقتصرًا على إرادة المبدعين المنتجين بشكل فردي. تضيف آمنة يوسف.

تعتمد آمنة وزوجها على مرتباتهم التي انقطعت بسبب الحرب، وتعمل على طباعة مؤلفاتها من مالها الخاص رغم محدوديته.

طبعت ثلاثة كتب في العام 2014، على حسابها الخاص، في "المؤسسة العربية للدراسات والنشر"، في بيروت وهي "تقنيات السرد في النظرية والتطبيق" (طبعة ثانية)، و"كتاب مقاربات بنيوية في السرد والشعر"، وديوانها الرابع بعنوان "خذوا هذه الذاكرة"، عبر أقساط شهرية من مرتبها حتى تمكنت من دفع المبلغ المتفق عليه وأصدرت الكتب في 2015 .

كتب أخرى للدكتورة آمنة كانت طبعتها على حسابها الخاص، لعدم وجود دعم للكتاب والأدب في اليمن.

ظروف الأديب في اليمن ليست بخير في الأحوال العادية، فكيف ستكون ظروفه في أحوال الحرب واللاستقرار؟

كلما أرادت آمنة أن تنشر كتبها في كل الأقطار العربية كانت تنفق أموالها من أجل طباعتها ونشرها، قبيل قطع المرتبات، "لأني أردت لعلمي وإبداعي أن ينتشر في دور النشر المرموقة في الوطن العربي". وتبين أن اليمن حُرمت من إقامة معارض الكتاب الدولية منذ اندلاع ثورات الربيع العربي عام 2011، وما تلاها من تداعيات وويلات نتجرع سمومها إلى يومنا هذا.

اقرأ/ي أيضًا: حوار| وليد العلفي: اليمن أستديو كبير

تقول آمنة إنها لا تؤلف وتنشر ولا تجد سوى الكسب المعنوي الذي لا يسمن ولا يغني من جوع. وتشير إلى أن الحرب "قضت على كل شيء حتى على حلمنا بفاعلية الثقافة والإبداع في التغيير والارتقاء بالأوطان وبالأجيال".

من جهته، يؤكد الأديب اليمني محمد الجرادي أن الحرب تسبّبت في ظروف بالغة المأساوية وفي كل الاتجاهات، بما في ذلك الاتجاه الثقافي والأدبي وحركة النشر والتأليف.

ولفت الجرادي لـ"الترا صوت" إلى أن ظروفًا أخرى عدا الحرب أدت إلى ركود وتراجع حركة الأشكال الأدبية والفنون، منها وضع البلاد الاقتصادي المتردي، وتفشي سوء وفساد الإدارة، وغياب معايير التقدير والإنصاف والرعاية الحقيقية". وبيّن الجرادي أن هناك مظاهر إنتاج حرصت على وجودها في الحرب، كنوع من المقاومة لما يحدث، أو تبني موقف ما من خلال الكتابة الأدبية.

يبقى الإنتاج الأدبي صيغة فردية لا تمثل الصيغة المؤسسية الرسمية أو غير الرسمية المفترضة. بحسب الجرادي الذي يوكد أن هناك العشرات من الأدباء يحتفون بإنتاجات خلقتها ظروف الحرب رغم مأساوية الأثر المتروك على حياتهم الخاصة.

"ظروف الأديب في اليمن ليست بخير في الأحوال العادية، فكيف ستكون ظروفه في أحوال الحرب واللاستقرار؟" يتساءل. ويبين أن الأدباء لجأوا إلى الانكفاء على أنفسهم وعزلتهم كموقف من كل ما يحدث بالنسبة لأغلبهم، وقليلون جدًا منهم تمكنوا من السفر إلى خارج البلاد والإقامة هناك.

نعيش في ظل ثقافة البندقية

"نحن نعيش في عصر ثقافة البندقية"، يقول الكاتب والأديب أحمد قاسم العريقي في تفسير خمول الحركة الأدبية، إضافة إلى عدم اهتمام الدولة بالثقافة التي تراها عقبة أمامها للسيطرة على العقول لتقف إلى صفها نتيجة حب الذات والأنانية. وحيث إن "بلادنا لا ترعى الأدباء وتأكل حقوقهم"، فإن الكتّاب لم يستطيعوا طبع كتبهم نتيجة قلة المال لديهم، ولهذا هناك نسبة كثيرة من الأدباء في اليمن يكتبون ولا ينشرون، لعجزهم عن طباعتها وتوزيعها.

"الإنتاج الأدبي في حالة يأسٍ مثل حال البلاد نفسها" يضيف.

ارتفاع معدلات الأمية وانخفاض الكفاءة التعليمية

في المقابل يرى الشاعر اليمني وعضو اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين أحمد المعرسي، أن خمول الحراك الثقافي يأتي مما يعانيه اليمن من ارتفاع في معدلات الأمية وانخفاض الكفاءة التعليمية ووصفية أداء المؤسسات الثقافية. "المثقف اليمني يعيش في الهامش منذ زمن طويل".

وبالنسبة للمعرسي، إن المثقف اليمني الذي لا ينتمي لأطراف الصراع، استطاع أن يحافظ على تواجده نسبيًا خلال هذه المرحلة. ويوضح أن الكتّاب والأدباء اليمنيين يفضلون الخلوة في منازلهم، أو السفر نحو بلد آخر يشتمون فيها رائحة الحرية، وظلال الأمن، خوفًا على حياتهم.. فأطراف الصراع في اليمن إما من فئة العسكر الذين لا يؤمنون بالحرية، أو من الجماعات الإسلامية التي تؤمن بالحق الإلهي في الحكم، والمثقف أكبر من أن يصفق لتجار الحروب.

التأليف لا يعني النشر

التأليف لا يعني النشر، فالجميع يكتب ويؤلّف، ولكن معظم ما تتم كتابته لا يرى النور. يقول أحمد المعرسي.

يرى أحمد قاسم العريقي أن الإنتاج الأدبي في اليمن في حالة يأسٍ مثل حال البلاد نفسها

ويوضح أن الكل يؤرخ لهذه المرحلة بحياد تام، كما أن الجميع يشارك في كل المسابقات العربية والعالمية، وخلال فترة الحرب حصد العديد من الكتاب جوائز عربية كثيرة، بالإضافة إلى إصدار العديد من الكتب والمؤلفات في أشهر دور النشر.

اقرأ/ي أيضًا: فنّ المهمشين في دولة الفضيلة.. معارك الإقصاء باسم القانون

لجأ الكثير من المثقفين إلى إصدار مصنفاتهم في طبعات شعبية، بعد أن توقفت دار عبادي عن العمل، كما ظهرت خلال المرحلة العديد من الصحف والمجلات الثقافية منها مجلة "أقلام عربية"، ومجلة "ضفاف الحروف".

 

اقرأ/ي أيضًا:

أرشيف لذاكرة اليمن الفنية

في الحرب.. الزوامل اليمنية لا تقلّ ضراوة عن المدافع