15-أبريل-2017

الأخضر بن الزهرة(فيسبوك)

لا يمكن إلا أن توصف بـ"المهبول"/المجنون، في بلدة جزائرية، إذا أحببت فتاة تبعد عنك آلاف الكيلومترات، وهي كفيفة أيضًا، وتقيم في مصر في ذروة التشنّجات التي خلقتها المباراة التي جمعت فريقي البلدين لكرة القدم، في أم درمان السّودانية عام 2010، حين شنّ إعلام حسني وجمال مبارك حملة تشويه للجزائر وتاريخها، حتى أنّهم وصفوا شهداء ثورة التّحرير باللقطاء. لكنّ الحبّ أعمى، ويجعل صاحبه يستمتع بالنعوت القاسية التي تطلق عليه، "لأنه يحكّم قلبه وحده، ويرى فيما يصدر عن سواه مجرّد تعسّفات"، على حد تعبير المعني بالأمر الرّوائي الجزائري الأخضر بن الزّهرة، 1981.

قصة الأخضر بن الزهرة هي قصة المحب الذي تحدى فوارق الطبيعة والجغرافيا فكان حبه منطلق رحلة الكتابة عنده

يعود الأخضر بن الزهرة إلى السّياق الأوّل للمغامرة، في حديث مفتوح مع "الترا صوت": "اقتحمتني في الدّردشة فتاة مصرية تسمّى منى سمير، وقالت إنها صدمت بما يقوله الإعلام المصري عن الجزائريين، وهي تريد أن تتقرّب منهم مباشرة، لتعرف الحقيقة بنفسها، وبما أنّ اسمي المستعار يومها كان "نزار الجزائري"، فقد استهدفتني في الدّردشة".

اقرأ/ي أيضًا: حليم آش. تي. آم.. الفن لإسعاد الإنسان

مثل الأجساد تجوع الأرواح أحيانًا، يواصل محدّثنا الأخضر بن الزهرة، وصادف أن كانت روحي جائعة إلى امرأة تطرح الأسئلة وتبحث عن الحقيقة، فانخرطت معها في الحديث عن التّاريخ الجزائري، كما لو كنت أستاذًا متخصّصًا فيه. إذ كان يهمّني أن تحمل نظرة عادلة عن الجزائريين، تنسف ما كان يقوله إعلام جمال مبارك، الذي اتخذ من خلق فتنة بين الشّعبين، فرصة يغطّي بها على خراباته ويمرّر عبرها خيار التّوريث.

تكرّرت الدّردشات بيننا، وكان كلّ لقاء افتراضي يضيف للقلب نبضًا في الواقع، لذلك فإن صدمتي كانت خفيفة جدًّا حين أخبرتني عفويًا بأنّها كفيفة، إذ فكّرتُ فيها لا في نفسي، وهناك علمت أنّني أحبّها، وهذا ما صارحتها به لاحقًا، لأنني وقفت أمام إرادة قوية في التحدّي ونظرة إيجابية إلى الحياة، فقد كانت عازفة على آلة التشللو في "أوركيسترا النّور والأمل" للكفيفات بمصر، وكانت تجوب معها مدن العالم، فتعود منها بحكاياتٍ ومشاعرَ وانطباعاتٍ لا يرقى إليها كثير من المبصرين، وكم كان فرحي بنفسي عميقًا، لأنني انتصرت لسلطة البصيرة/ الرّوح لا سلطة البصر/ الجسد.

توج الكاتب الجزائري الشاب الأخضر بن الزهرة قصة حبه بفتاة مصرية كفيفة بالزواج وبسرد مكابداتها في روايتين

يشير لنا الأخضر بن الزهرة إلى أنّ هذا الفرح بات مهدّدًا بالعديد من الإكراهات الموضوعية، "منها صعوبة إقناع محيطي الصّغير بالعلاقة، وبرغبتي في نقلها من مقام الافتراضي إلى مقام الواقع، واندلاع الثّورة المصرية، بكلّ ما خلّقته من مخاوفَ واهتزازاتٍ، تجعل السّفر إلى الفضاء المصري يومها قفزةً في الظّلام، لكنّني قفزتُ فوقعتُ في كومة ضوء، وهذا من البركات العجيبة للصّدق في الحب".

اقرأ/ي أيضًا: طارق نادري.. مصوّر الابتسامات المحرومة

في أيلول/ سبتمبر من عام 2011، طار الفتى العاشق إلى القاهرة، بأوراق نقدية قليلة، كأنّه مسافر إلى المدينة المجاورة لبلدته، "لكنّ دهشة الحبّ التي كانت في استقبالي، أنستني وضعي المالي، وبرمجتني على طموحات كانت تبدو مجنونة، في عزّ احتقان الشّارع المصري الذي كان يمثّله ميدان التحرير، ولئن كان المصريون يناضلون حينها من أجل تحرير ثانٍ لوطنهم، فقد كنت أناضل من أجل أن أتمّ إجراءات الزّواج وتدبّر عمل وشقّة". تمّ كلّ ذلك للعاشقين المحلّقين بحبّهما، "ومثلما تقاسمنا قلبينا فقد تقاسمنا جيبينا والحلم بأطفال ننتقم بهم من طفولتنا المحرومة، لكنّ الأقدار شاءت أن تخطف منّا صغارنا الثلاثة".

حين سافر الأخضرة بن الزّهرة إلى القاهرة، كان مسكونًا بعشرات القصائد التي كتبها قبل وبعد أن يتعرّف على الفنّانة منى سمير، 1988، لكنّ ثراء التجربة القاهرية، في مختلف تجلّياتها، جعلت القصيدة تضيق عن زخم ذاك الثراء، فلجأ إلى الرّواية أمّ الأجناس الأدبية، بحثًا عن حضن سردي أكثر تقبّلًا للوثبات والعثرات.

تضمّنت الرّواية الأولى للأخضر بن الزهرة "انتكاسات ذاكرة" خمسة فصول، قدّم كلُّ فصل منها تجربة حبٍّ فاشلة توصل البطل إلى الشّعور بالانتكاسة على مستوى العاطفة، ومنها الانتكاسة على مستوى الذّاكرة، فيقرّر الرّحيل عن المكان والمساحة السّردية معًا، فيما قدّمت بعض فصول الرّواية الثّانية "الوجع الغريب" جوانبَ من السّيرة الذّاتية للكاتب، "ذلك أنّني أحسست بضرورة التطهر من كومة أوجاع الماضي الذي يسكنني، ولم أجد أفضل من الكتابة عنّي، لأتمكّن من ذلك، فأتفرّغ لمستقبلي وحبّي".

اقرأ/ي أيضًا:

"الشيف عمر".. أصغر طباخ مغربي يتألق من جديد

أنا محمد عشوب.. "طبّاخ الريس" الحقيقي