27-أكتوبر-2016

تخلو النشرة من الكلاسيكية لكنها لا ترقى بالخبر ولا بهموم المواطن(يوتيوب)

تقع محطة "ال بي سي" اللبنانية في تجديد زائف. في حين انتظرها المشاهد في إطلالة نشرتها المستحدثة "الأخبار من عندك"، متوقعًا أن تكون الأخبار فعلًا من عنده، أي مشاركًا في صياغتها ومقررًا محاورها وموضوعاتها، كما أعلن معدّو النشرة، التي أطلقت منذ أسبوعين.

الصيغة الجديدة، التي دفعت بإدارة المحطة إلى انتهاج أسلوب صحافي هجين، يعتمد ما يبثه مستخدمون على مواقع التواصل الاجتماعي وتقارير "سوسيو-منوعات"، لا تخلو من الأحكام المسبقة والجمل المعلبة، وكأنه لا يكفي المشاهدين المزيد من "التلقين". وتخصيص فقرة تنقل تغريدات الجمهور، ضمن هاشتاغ تطلقه القناة، يوميًا عند الساعة الخامسة من كل يوم، لم يضف للقناة سوى وجود افتراضي، يحوّل ما تطرحه النشرة إلى "تراند" محلي. وهو بالفعل لا يشكل إشراكًا للمواطن في مجريات النشرة، سوى كونه معلقًا عليها، أي أنه لم يصنع خبرًا. بل العكس تفاعل بما فرضه المعدّون، وهم ثلاثة مقدمين: مالك شريف، رنيم بو خزام، وفتون رعد.

لم تقدم النشرة الجديدة على محطة "ال بي سي" أي جديد بل توغلت في الاستعراض والرصد

والفكرة من إعداد الهاشتاغ، بأنه يسمح للمشاهدين بالتعبير ولو بجمل قصيرة عن رأيهم بقضية ما أو بما استجد، لكن بما حددّه المعدون، الذين سمحوا لأنفسهم أن يكونوا المواطن وقناته وعبوره إلى الهواء، أي نقل رأيه من هواء الافتراض في الـ"سوشيال ميديا" إلى هواء التلفزيون. وهنا يحق السؤال عن ماهية مشاركة المواطن مباشرة في الخبر؟ هل مثلًا، كان من الصعب على القناة أن تفتح المجال لأناس عاديين لإنتاج النشرة. وهذه تجربة نفذت مرارًا في الدول الاسكندنافية، حيث أشرف محررو القناة على ترتيب النشرة وفواصلها وتصحيح نصوصها وإعداد تقاريرها تقنيًا، فيما ترك للمشاهد/المواطن، أن يكون في الحقيقة هو الرقيب والمعدّ والمنتج، لا بل في كثير من الأحيان صانعًا للخبر، أي خالقًا لقضية رأي عام، تشد اهتمام المواطنين وتستجوب القضاء والسلطة المحلية.

التجربة اللبنانية لم تخرج بجديد. وجاءت مثل فعل التداول. ولم تفتح مجالًا للنقاش، أي أن الخبر يموت في حينه. ويستنقع في استعراضيته. فهو استعراض لتغريدات ومنشورات أشخاص يعرفهم أحيانًا المعدون أو يختارونهم وفق ما يرونه هم، أي مجرد رصد واستطلاع، من دون إضافة أو تحليل.

أقرأ/ي: "بي بي شي" .. خسارة العفوية وتفاقم الابتذال

وتنشر القناة ما يرسل مرفقًا بالهاشتاغ، من تدوينات أو فيديوهات قصيرة. وهو بطبيعة الحال، استخدام موجه، ولا ابتكار فيه. ففي الوقت الذي تدّعي النشرة فيه تقديمها نموذجًا رياديًا في تتبع أخبار الناس وهمومهم، لم يلاحظ أن ما تم تقديمه انزاح ولو قليلاً، عما أطلقته القناة منذ 4 سنوات مع خالد صاغية، حين كان مديرًا للأخبار، ببث تقرير يومي يتابع ما يتناقله الشباب والمعلقون على "فيسبوك" و"تويتر"، والذي نجح فيه كل من ليال حداد وميثم قصير.

أطلقت محطة "ال بي سي" تجربة مصغرة مشابهة لـ"الأخبار من عندك" حين كان خالد صاغية مديرًا للأخبار

الملاحظات كثيرة على تجربة، لا يمكن الحكم عليها الآن، بالشكل المطلق. لكن ملامح العمل بدت واضحة. استنزاف وقت مستقطع من هواء القناة، لرصد مضمون، يمكن الحصول عليه مباشرة من مصدره، أي مواقع التواصل. واستخدام مشاكل المواطن المحلي، في بكائية مكتوبة أحيانًا بـ"لغة إنشاء"، لا يعدّ حتى من الابتكار التحريري، سوى تذررًا في لغة الصحافة اللبنانية. وهو ما بدأنا نراه منذ سنوات، في محتوى إعلامي مفرغ ومسطح ولا يرغب بأن يكون سوى رصاصة طائشة لا طائل منها.

كان على معدي النشرة التنبه مسبقًا، وهم شباب أي أنهم يعرفون لغة الشارع واستنطاقاتها، إلى الارتقاء بالخبر وتحليله والتحول به إلى مطبخ صحافي، يشرك فيه المعنيون والمواطن على حدّ سواء، بدلًا من تسويقه. عدا أن المستحدث كان اعتماد اللغة المحكية، في النشرة التي تبتعد كليًا عن استخدام الفصحى. وهذا فعليًا لا يضيف شيئًا. ففي مقاربة "أهل النشرة" أنها محاولة لتحبيب المشاهد بهم وتقريبه منهم. لكن المشاهد يملّ ويعرف مع الوقت أن ما يتاح هنا، لا يبدل في واقعه شيئًا.

اقرأ/ي أيضًا:

"نقشت".. حفلة تسليع للمرأة اللبنانية

فضائية الغد العربي تستفز المصريين للفت انتباههم