اضطر رئيس كوريا الجنوبية، يون سوك يول، إلى رفع الأحكام العرفية في البلاد بعد أن صوّت البرلمان على إلغائها. وكان يون سوك يول قد اتخذ بشكلٍ أحادي قرار فرض الأحكام العرفية وتكليف رئيس هيئة الأركان، الجنرال بارك آن سو، بقيادة البلاد. وبرر يون سوك يول قراراته، التي وصفتها المعارضة بأنها تهديد للديمقراطية - بأنها تهدف، حسب زعمه، إلى القضاء على "الجهات الموالية لكوريا الشمالية" والحفاظ على ما وصفه بـ"الحرية والنظام الدستوري".
وقال يون في كلمة مباشرة بثتها قناة "واي تي إن" التلفزيونية: "سأقضي على القوات السافرة المعادية للدولة والمؤيدة لكوريا الشمالية"، متهمًا المعارضة بالسيطرة على البرلمان وشل الحكومة من خلال القيام بـ"أنشطة مناهضة للدولة". وتعدّ هذه المرة الأولى منذ عام 1980 التي يتم فيها إعلان الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.
تلجأ الدولة إلى الأحكام العرفية في الظروف الطارئة وتعطّل بموجبها كلّ أو بعض القوانين السارية
بمجرد إعلان سريان الأحكام العرفية، قام الجيش، وفقًا لوكالة "رويترز"، بـ"حظر الأنشطة البرلمانية والحزبية، بما في ذلك التظاهرات والاحتجاجات"، كما أعلن عن "فرض سيطرة الأحكام العرفية على وسائل الإعلام ودور النشر". وأضاف البيان أن "منتهكي قرارات الأحكام العرفية قد يتم اعتقالهم دون الحاجة إلى قرار قضائي". ووجهت الحكومة أوامر للأطباء المضربين بالعودة إلى عملهم خلال 48 ساعة، فيما أصدرت وزارة الدفاع بيانًا دعت فيه "قادة الجيش إلى الاجتماع وتوخي الحذر واليقظة".
تأثير اقتصادي:
انعكس إعلان تطبيق الأحكام العرفية بسرعة على الوضع الاقتصادي، حيث سجّلت عملة البلاد، الوون الكوري، تراجعًا حادًّا مقابل الدولار، إذ انخفض سعر الصرف إلى 1443.40 مقابل الدولار، بعد أن كان 1399.48 في تعاملات اليوم السابق، ليصل إلى أدنى مستوى له منذ عام 2022.
تعني الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية "مجموعة من القواعد والتدابير الاستثنائية التي تلجأ إليها الدولة في ظل ظروف طارئة، وتسمح لها بصورة مؤقتة بتعطيل كل أو بعض القوانين السارية فيها لدرء الأخطار التي تهدد البلاد"، وفقًا لـ"رويترز".
رفض برلماني وشعبي:
تحرك البرلمان بسرعة ضد قرار الرئيس الكوري الجنوبي تطبيق الأحكام العرفية، حيث دعت المعارضة نوابها إلى الالتحاق سريعًا بالبرلمان. وفي الأثناء، اندلعت مواجهات بين متظاهرين رافضين للأحكام العرفية وقوات الجيش التي نزلت إلى الشوارع.
وتمكّن البرلمان، بعد انعقاده، من رفض قرار تطبيق الأحكام العرفية بحضور 190 من أعضائه البالغ عددهم 300 عضو.
وكان زعيم المعارضة، لي جاي ميونغ، قد دعا الكوريين إلى الاحتجاج أمام البرلمان رفضًا لقرار الأحكام العرفية، معتبرًا أنها "غير قانونية". وأضاف في خطاب تم تداوله على نطاق واسع في مواقع التواصل الاجتماعي: "قرار الرئيس يون سوك يول غير القانوني بفرض الأحكام العرفية هو باطل".
خلفيات وسياقات:
يربط المتابعون للشأن الكوري الجنوبي قرار الرئيس يون سوك يول بتطبيق الأحكام العرفية برفض الحزب الديمقراطي المعارض مشروع قانون الميزانية في البرلمان.
وتأخذ المعارضة على سياسات الرئيس الحالي إيغالها في النيوليبرالية، من خلال محاولته تقليص دور الدولة في السوق والاقتصاد. كما يتبنى يون مواقف قومية متشددة، يرى البعض أنها قد تؤدي إلى إشعال الصراع مع الجارة الشمالية وحتى مع بعض الحلفاء.
يُذكر أن يون سوك يول، المتزوج من سيدة أعمال متهمة بالفساد المالي، يفتقر إلى تاريخ سياسي بارز، حيث صعد إلى الرئاسة تحت شعارات مكافحة الفساد وزيادة ساعات العمل الأسبوعية
في هذا السياق، يرى متابعون أن الرئيس الكوري الجنوبي محسوب على التيار الشعبوي اليميني المتصاعد في عدة ديمقراطيات غربية. وتشير المقارنات إلى أن نهجه يشبه إلى حد كبير شخصيات مثل الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، ورئيس الوزراء البريطاني السابق بوريس جونسون، وزعماء يمينيين آخرين في فرنسا وهولندا والأرجنتين وإيطاليا.
يُذكر أن يون سوك يول، المتزوج من سيدة أعمال متهمة بالفساد المالي، يفتقر إلى تاريخ سياسي بارز، حيث صعد إلى الرئاسة تحت شعارات مكافحة الفساد وزيادة ساعات العمل الأسبوعية. وفي مرات سابقة، اقترح رفع ساعات العمل إلى 120 ساعة أسبوعيًا. ومنذ وصوله إلى الحكم، شهدت البلاد سلسلة اعتقالات طالت نقابيين بارزين بتهم العمالة لكوريا الشمالية، إلى جانب إلغائه وزارة العائلة والعدالة الجندرية. كما لا يخفي يون ميوله للتصادم مع كوريا الشمالية وسعيه إلى امتلاك بلاده سلاحًا نوويًا.