23-نوفمبر-2016

(Getty) شعار فيسبوك على خلفية موبايل ولابتوب

في مقالٍ للرأي نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، كشف الكاتب ماكينزي فنك عن كيفية استخدام حملة المرشح الجمهوري الفائز بالانتخابات الرئاسية الأمريكية دونالد ترامب لموقع فيسبوك للتفوق على غريمته هيلاري كلينتون رغم فارق الإنفاق الكبير لصالح كلينتون. فيما يلي نص المقال.

__

هل تصاب بالهلع بسهولة؟ هل تشعر عادةً بالإحباط؟ هل تملك لسانًا حادًا؟ هل تنجز أعمالك على الفور؟ هل تعتقد في أهمية الفن؟

في عصر الفيسبوك، أصبح من السهل على المسوقين أن يدمجوا شخصياتنا الإلكترونية مع شخصياتنا خارج الشبكة وهي عملية تسمى "onboarding"

إذا كنت قد أجبت من قبل عن أسئلة مثل تلك في أحد اختبارات الشخصية المجانية التي تغمر موقع فيسبوك، فإنك ستكون قد علمت مجموعك المحيطي، أي تقييمك حسب السمات النفسية الخمس الرئيسية وهي الفضول والاجتهاد والانفتاح على الآخرين واللطف والعصبية. قد تكون أيضًا مسؤولًا عن المرة القادمة، التي يُصدم فيها العالم من نتيجة انتخابات.

اقرأ/ي أيضًا: بعد التشكيك به.."فيسبوك" يرفض اتهامه بدعم ترامب

لأعوامٍ عدة، استخدمت شركة بيانات تعاقدت معها حملة دونالد ترامب مؤخرًا، وتدعى كامبريدج أناليتيكا، موقع فيسبوك كأداةٍ لإنشاء ملفات تعريف نفسية تمثل حوالي 230 مليون بالغٍ أمريكي. تقوم الشركة، التابعة لشركة استشاراتٍ معروفة بعملها في مجال الحرب النفسية لمكافحة الإرهاب في أفغانستان، بذلك من خلال إمداد موقع التواصل الاجتماعي باختبارات الشخصية. يحصل المشاركون، الذين يقدر عددهم بمئات الآلاف، أغلبهم من النساء وصغار السن، لكنهم يضمون ما يكفي من الرجال والأكبر سنًا بما يكفي كي تقوم الشركة باستخلاص استنتاجات بشأن الآخرين الذين ينتمون إلى نفس القطاع السكاني ولهم نفس السلوك، على نظرةٍ مجانية على مجموعهم المحيطي. تحصل كامبريدج أناليتيكا على مجموعهم أيضًا، وهو ما يعود الفضل فيه إلى فيسبوك، ويمكنهم ذلك من النفاذ إلى حساباتهم وأسمائهم الشخصية.

عملت كامبريدج أناليتيكا في جانب المؤيدين للخروج من الاتحاد الأوروبي خلال حملة ما يعرف بالبريكسيت. في الولايات المتحدة لا تعمل الشركة سوى مع الجمهوريين: السناتور تيد كروز في الانتخابات التمهيدية، ودونالد ترامب في الانتخابات العامة. وتورد تقارير أن الشركة مدعومة من قِبل روبرت ميرسر، وهو أحد الداعمين الكبار للحزب الجمهوري، وأحد أعضاء مجلس الإدارة الرئيسيين هو ستيفن بانون، وهو مدير موقع برايتبارت نيوز، الذي أصبح مدير حملة ترامب، وينتظر أن يصبح كبير الاستراتيجيين له في البيت الأبيض.

في عصر الفيسبوك، أصبح من الأسهل كثيرًا على مديري الحملات أو المسوقين أن يدمجوا شخصياتنا الإلكترونية مع شخصياتنا خارج الشبكة، وهي عملية كانت دومًا مثار جدل لكنها أصبحت اليوم شائعة حتى أنه أصبح لها تسمية، وهي "onboarding". تقول كامبريدج أناليتيكا أن لديها ما يتراوح بين 3000 و5000 نقطة بيانات لكل شخص، سواء كانت متعلقة بالتاريخ التصويتي أو الطيف الكامل للتركيبة السكانية، السن، الدخل، الديون، الهوايات، التاريخ الجنائي، تاريخ التبضع، الميول الدينية، المخاوف الصحية، امتلاك أسلحة، امتلاك سيارة، امتلاك منزل وغير ذلك، من عمالقة بيانات المستهلكين.

ليست هناك نقطة بيانات تشي بالكثير من المعلومات وحدها، لكن إنشاء ملفات تعريف للناخبين، تقول كامبريدج أناليتيكا، هو مثل صنع كعكة. "إنه مجموع المكونات"، كان هذا ما قاله المدير التنفيذي للشركة، ألكساندر نكس، لموقع إن.بي.سي نيوز. ولأن الولايات المتحدة تفتقر إلى قيودٍ صارمة على استخدام للبيانات على النحو الأوروبي، ولأن قوانين حرية تداول المعلومات هناك تمنح الباحثين عن البيانات نفاذًا واسعًا إلى السجلات التي تحتفظ بها الحكومات المحلية وعلى مستوى الولايات، فإن حياة الأمريكيين هي كتابٌ مفتوح حتى دون وسائل التواصل الاجتماعي أو اختبارات الشخصية.

منذ أن صاغ مسؤول التسويق ليستر وندرمان مصطلح "التسويق المباشر" عام 1961، أصبحت قابلية استهداف مستهلكين بعينهم بالإعلانات، بدلًا من إغراق موجات البث بكميةٍ مهولة من الإعلانات على أمل أن تصل إلى المجموعة المستهدفة، الكأس المقدسة للمسوقين. ما هو جديد هو الفعالية التي يمكن بها اختبار الإعلانات الرقمية المعدة خصيصًا وربطها بشخصياتنا. فيسبوك هو السلاح الأخطر للمسوق المباشر.

اقرأ/ي أيضًا: من الملام على فوز ترامب؟

تضاءلت أهمية النمو الهائل لقطاع إعلانات فيسبوك بجوار دوره المتزايد في كيفية حصولنا على الأخبار، سواء كانت حقيقية أو ملفقة. في تموز/يوليو، أعلن موقع التواصل الاجتماعي عن تحقيق أرباحٍ غير مسبوقة، ارتفعت المبيعات الربعية بنسبة 59% مقارنةً بالعام الماضي، وتضاعف صافي الربح حوالي ثلاثة أضعاف ليصل إلى 2 مليار دولار. بينما ارتفع عدد المستخدمين النشطين للفيسبوك، الذين يصل عددهم الآن إلى 1.71 مليار مستخدم نشط شهريًا، بنسبة 15%، إلا أن ما هو أكثر أهمية هو مقدار ربحية كل مستخدم. تحقق الشركة 3.82 دولار سنويًا من كل مستخدم، مقارنةً بـ 2.67 في العام الماضي، وتحقق متوسط 14.34 دولارًا لكل مستخدم في الولايات المتحدة، بارتفاعٍ من 9.3 دولار منذ عامٍ مضى. يأتي أغلب هذا النمو من حقيقة أن المعلنين لا يجدون فقط جمهورًا كبيرًا على الفيسبوك وإنما جمهورًا يستطيعون تقسيمه إلى شرائح يرغبون في الوصول إليها.

بينما أنفقت كلينتون أكثر من 140 مليون دولار على إعلانات التليفزيون، لجأت حملة ترامب إلى ضخ أموالها في الإعلام الرقمي، خاصة فيسبوك

أحد منتجات الإعلان التي أطلقها فيسبوك في الأعوام الأخيرة هي ما يدعى بـ"المنشور المظلم dark post"، وهو رسالة تظهر في صفحة الفيسبوك لا يراها سوى المستخدمين المستهدفين. بمساعدة كامبريدج أناليتيكا، استخدم الفريق الرقمي لترامب المنشورات المظلمة لإيصال إعلاناتٍ مختلفة إلى مصوتين محتملين مختلفين، هادفًا إلى الضغط على الأزرار الصحيحة تمامًا لدى الأشخاص الصحيحة تمامًا في الوقت المناسب تمامًا.

كي تتخيل الإمكانية الكاملة لذلك النوع من الإعلان "النفس-بصري"، ففي الحملات المستقبلية للجمهوريين يمكن أن يرى مصوت مؤيد لحمل الأسلحة يشير مجموعه المحيطي إلى ارتفاع العصبية لديه، إعلانًا أن المرشح الديمقراطي يريد أخذ سلاحه، بينما قد يرى مصوت آخر مؤيد لحمل الأسلحة ويعتبر أكثر لطفًا وانفتاحًا على الآخرين إعلانًا يؤكد على التقاليد وقيم المجتمع، مثل أب وابنه يصطادان سويًا.

في هذه الانتخابات، تم استخدام المنشورات المظلمة لمحاولة كبت صوت الأمريكيين من أصل أفريقي. حسب موقع بلومبرج، أرسلت حملة ترامب إعلانات تذكر ناخبين سود بعينهم بتصريح كلينتون سيئ السمعة الذي وصفتهم فيه بالمفترسين. كما استهدفت الحملة ضاحية لتل هايتي في ميامي برسائل تتعلق بمشكلات مؤسسة كلينتون في هايتي عقب زلزال عام 2010. قواعد لجنة الانتخابات الفيدرالية غير واضحة فيما يتعلق بمنشورات الفيسبوك، لكن حتى إذا كانت تنطبق وتم بالفعل تقديم حقائق ملفقة، فإن لا أحد يرى الإعلان سوى الشخص المستهدف، ولا أحد يرى "أنا دونالد ترامب وقد صادقت على هذه الرسالة" سواه.

بينما أنفقت هيلاري كلينتون أكثر من 140 مليون دولار على إعلانات التلفزيون وسخر خبراء الإعلام القدامى من عدم شراء حملة ترامب لإعلاناتٍ تستخدم الإعلام التقليدي، لجأت حملة ترامب إلى ضح أموالها في الإعلام الرقمي، خاصةً فيسبوك.

في أحد أيام آب/أغسطس الماضي، أغرقت حملة ترامب موقع التواصل الاجتماعي بـ100,000 نسخة متنوعة من الإعلانات، ما يدعى اختبار A/B على نطاقٍ هائل، وهي بالتأكيد كمية أكبر من أن يتم فحصها بسهولة بأعينٍ بشرية للتأكد من توافقها مع "معايير المجتمع" الخاصة بالموقع.

ربما بدافع الضرورة، تبنى فريق ترامب درسًا في الإعلام الجديد: لم يكن عليه بناء كل شيء من الفراغ. قام مارك زوكربرج والآخرون بالفعل ببناء البنية التحتية المطلوبة للوصول إلى الناخبين مباشرةً. عندما بدأ بث "ترامب تي.في" على موقع فيسبوك قبل وبعد المناظرة الثانية، فقد اجتذب 9 ملايين دولار من التبرعات خلال 120 دقيقة.

في أعقاب فوز ترامب المفاجئ بالانتخابات، كان الكثير من استطلاعات الرأي والخبراء مخطئين بشدة، حتى أصبح من المعتاد إعلان موت البيانات الضخمة. لكنها لم تمت، ليس عندما يكون أحد أوضح تجسيداتها، الفيسبوك، عاملًا حاسمًا في الفوز.

يوم الاثنين، بعد إعلاناتٍ شبيهة من جوجل، قالت شركة فيسبوك إنها لن تسمح بعد الآن لمواقع الأخبار الزائفة أن تظهر إعلانات من شبكة إعلانات الفيسبوك، وهي نصف خطوة لا تمنع ما يظهر في صفحتك الشخصية أو تؤثر على كيفية استهداف المعلنين للمستخدمين على موقع التواصل الاجتماعي.

من المؤكد أن هناك تغييراتٍ ستحدث. لا يزال مارك زوكربروج صغير السن، متشككًا في أن تكون آلة الشفافية المتوهجة الخاصة به أي شيء سوى قوة من أجل الخير، متخوفًا من فرض رقابة على ما يقوله ويشاركه المواطنون المتنوعون من أنحاء العالم المختلفة على شبكته، ورافضًا إلى حدٍ كبير حتى الآن دور فيسبوك في الانتخابات. إذا كان زوكربرج جادًا في التزاماته التي عبر عنها مرارًا نحو التنوع والانفتاح، فإن عليه أن يواجه حقيقة أن الفيسبوك لم يعد مجرد شبكة تواصل اجتماعي. إنه وسط إعلاني من السهل الآن تحويله إلى سلاح.

اقرأ/ي أيضًا:

معتقدات خاطئة عن فيسبوك

5 نصائح نفسية لتحسين "تواصلك الاجتماعيّ"