21-ديسمبر-2022
اكتئاب المونديال

الشعور بالفراغ يأتي نتيجة خسارة الروتين اليومي (Getty)

أول سؤال تبادر إلى أذهان كُثر، بعد نهاية مباراة نهائي كأس العالم قطر 2022 بين الأرجنتين وفرنسا، كان "ماذا سنفعل بعد كأس العالم؟" أو "كيف كانت حياتنا قبل كأس العالم؟"، فقد كانت المباريات عامل تسلية وإثارة ومتعة على مدار شهر كامل، ثم انتهت كأنها لم تكن. 

أول سؤال تبادر إلى أذهان كُثر، بعد نهاية مباراة نهائي كأس العالم قطر 2022 بين الأرجنتين وفرنسا، كان "ماذا سنفعل بعد كأس العالم؟" أو "كيف كانت حياتنا قبل كأس العالم؟"

وشيوع هذه الحالة يأتي نتيجة انشغال شريحة كبيرة من الناس في البطولة هذه المرة، والتي قد تكون من أكثر المرات عربيًا، نتيجة إقامتها في بلدٍ عربي، ووصول المنتخب المغربي إلى الأدوار المتقدمة، بالإضافة إلى إقامته في فصل الشتاء، الذي جعله المناسبة الوحيدة تقريبًا، على عكس فصل الصيف الذي قد يكون حافلًا بالإجازات والسفر والمناسبات الاجتماعية.

الحالة هذه لا تقتصر على عشاق كرة القدم، فالبطولة أصبحت طقسًا اجتماعيًا، يمكن خلالها تزجية الوقت واللقاء مع الأصدقاء، ومتابعة المباريات خارج المنزل أو قراءة كتب عن كرة القدم وتاريخها ومتابعة أفلام عنها، كما أنهم تعرفوا على قانون التسلل، وانخرطوا كثيرًا في مختلف النقاشات حول البطولة. ولا شك إذن أن يكون "فراغ ما بعد المونديال" هو الأصعب على هؤلاء المتابعين، وكيف يعودون إلى الروتين السابق، وإذا كان الأمر محسومًا لمتابعي كرة القدم بعودتهم إلى البطولات التي يتابعونها بشكلٍ دوري فهو ليس كذلك إلى غيرهم.

getty

 

أمّا "اكتئاب ما بعد المونديال"، فهو ليس مصطلحًا رائجًا في علم النفس بالطبع، لكنه قد يكون بعد أشهر. وفي رصدنا له، فقد ورد في مراته الأولى على لسان مدافع المنتخب البرازيلي وقائد فريق باريس سان جيرمان تياغو سيلفا الذي تحدث عن معاناته من "اكتئاب ما بعد كأس العالم"، نتيجة خروج منتخب البرازيل من البطولة عام 2014 بنتيجة صعبة أمام ألمانيا، مشيرًا إلى أنه يحاول التخلص من الأمر لكنه في "رأسه".

وفي عام 2010 نشر قاموس "Urban Dictionary" تعريفًا لـ"اكتئاب ما بعد كأس العالم"، وهو قاموس ساخر يتيح الإمكانية لكل شخص إضافة كلمة وتعريفها. وجاء في التعريف الساخر لـ"اكتئاب ما بعد كأس العالم"، هو أنه "مرض يتميز بعدم معرفة ما يجب فعله بالنفس بعد انتهاء كأس العالم. وتشمل الأعراض الإضافية شعورًا عامًا بالخمول وفقدان الشهية والميل إلى مشاهدة التلفاز بشكلٍ كبير للتعويض عن نهاية كأس العالم" ويضيف التعريف نفسه "لقد أمسكت توم وهو يشاهد سباق فرنسا للدراجات في محاولةٍ لملء الفراغ بعد كأس العالم لكرة القدم. لقد أصيب باكتئاب ما بعد كأس العالم بشكلٍ سيئ للغاية".

هذا الشعور بالفراغ، تابعه الاتحاد الدولي لكرة القدم، والذي نشر مقطعًا مصورًا ساخرًا على حسابه، يظهر شابًا تظهر عليه علامات الإحباط والفراغ بعد نهاية كأس العالم.

 

يعود هذا الشعور بالفراغ الكروي بعد نهاية كأس العالم، نظرًا لكون البطولة خلقت نوعًا من الروتين اليومي الذي يدور حولها، بمعنى أن الشخص يقوم بالتخطيط ليومه بناءً على المباريات التي يفضل متابعتها، والتي تصبح موضوعًا للنقاش في اليوم التالي. هذه الظاهرة تكررت بعد عدة بطولات كأس عالم، وعقب مونديال البرازيل 2014 انتشرت عدة نصائح عملية من أجل الأمر مثل، "لا تعزل نفسك وتتجنب محادثة الآخرين"، و"لا تحاول التهرب من العمل أو الدراسة، لأن العودة إلى المسار الصحيح تكون بالقيام بالواجبات المطلوبة"، بالإضافة "إلى تجنب مشاهدة إعادة المباريات أو تصفح الإنترنت عنها لأن الهوس بالأمر لن يساعد"، وختامًا جاءت النصيحة "بضرورة تذكر وجود حياة قبل كأس العالم أيضًا، وما عليك سوى العودة إليها".

وحول كأس العالم والحالة النفسية، ترى مؤسسة الصحة العقلية البريطانية، أن هناك مؤشرات للصحة العقلية يتم قياسها خلال كأس العالم، وتحدثت عن ذلك عقب مونديال روسيا 2018، مشيرةً إلى ارتباط كأس العالم في "التنفيس" و"الهوية".

وحول "التنفيس"، تشير المؤسسة إلى أنه يمكن خلال مباريات كأس العالم إخراج المشاعر المكبوتة والانفعالات العاطفية الكبيرة، مثل الانزعاج أو الإحباط أو الحزن أو الفرح بطريقة مقبولة اجتماعيًا. أمّا المؤشر الثاني فهو "الهوية"، وتتحدث المؤسسة تحديدًا عن الشعور بالانتماء والهوية والاندماج ضمن مجموعة أكبر، مما يجعل هناك سرديات وانفعالات مشتركة، تساهم في إعطاء معنى أكبر للحياة بحسب المؤسسة.

getty

وتحدثت المؤسسة عن أن واحدةً من الدراسات لاحظت انخفاض حالات الطوارئ النفسية خلال بطولة كأس العالم في البرازيل 2014. ومع فراغ ما بعد البطولة تحدث المسؤول في المؤسسة مارك رولاند "ضع خطة لما بعد البطولة لإيجاد طرق التواصل مع الناس في حياتك والعمل لتحقيق أهدافك".

ويلاحظ معالج نفسي بريطاني أن المشجعين مثل الرياضيين يشعرون بالركود والخمود بمجرد انتهاء الحدث، مشيرًا إلى أنه تابع مشجعين يبحثون عن العالج بعد انتهاء الأحداث الكبيرة، وتعود غالبًا لنهاية الروتين، وهي حالة يمر فيها الرياضيين الذي يخسرون أو الذين يفوزون ولا يحصلون على نفس المتعة، والمشجعين ليسوا مختلفين عن ذلك.

قد تساعد هذه النصائح العملية على تجاوز الأمر سريعًا. وفي حال لم تنجح، ربما علينا انتظار 4 سنوات قادمة

ترى معظم التشخيصات أن الأمر حالة مؤقتة، سنعتاد بعدها على العودة إلى الروتين الذي لن يمنحنا فرصةً كبيرةً وسيجبرنا على العودة إليه، وقد تساعد هذه النصائح العملية على تجاوز الأمر سريعًا. وفي حال لم تنجح، ربما علينا انتظار أربع سنوات قادمة.