20-أكتوبر-2015

ماذا تختار دولة أم شركة؟ (وارن بوول/Getty)

إنه عصر الشركات متعددة الجنسيات التي تعملقت على الخريطة العالمية نتيجة وصول العولمة إلى حدودٍ أعمق وأسرع ممّا توقّع لها البنك الدولي، أو منظمة التجارة العالمية أو صندوق النقد الدولي، أو أي منظمة سعت إلى تنظيم التبادل التجاري العالمي وزيادة انفتاحه. بعد الحرب العالمية الثانية توّجس العالم شرًّا لا سيّما بعدما تلقّن الدرس الاقتصادي القاسي للحرب الأولى. فسعت أربع وأربعون دولة آنذاك إلى الاجتماع بـ"برتون وودز" لإنشاء أكبر منظمتين تعنيان بالشأن الاقتصادي، المالي والتجاري، ما ساهم ببداية سطوع بعض الشركات التي تحيّنت الفرصة لتنمو بشكل مطرّدٍ عالميًا يفوق نمو الناتج القومي الإجمالي لدولٍ بأضعاف.

هكذا غدت إمبراطوريات بعشرات آلاف الفروع ومئات آلاف الموظفين للشركة الواحدة. سعت هذة الشركات إلى توحيد ذوق المستهلك العالمي فتغلَب الجينز على ألبسة كانت جزءًا من الفولكلور الشعبي والهمبرغر على أطعمة تقليدية وتخطّت شهرة السوشي حدود الصين وتوحدّت طرق المواصلات والتواصل عبر تكنولوجيا جعلت حدود الدول وهميّة.

تخطت إيرادات خمسمائة شركة عالمية واحد وثلاثين تريليون ومائتي مليار دولار، وأرباحها ألف وسبعمائة مليار دولار

اليوم، نتحدث عن عمالقة بحجم ديزل، ماكدونالدز، غوغل، أبل، مايكروسوفت، تويوتا وغيرها. أما الخبر الصاعق فهو تخطي إيرادات خمسمائة شركة عالمية حسب تصنيف مجلة "فورتشن" العالمية الواحد والثلاثين تريليون ومئتي مليار دولار، وأرباحها الألف والسبعمائة مليار دولار. وإذا نظرنا الى هذة الشركات من حيث الإيرادات فيأتي اسم المارد الأميركي "وال مارت" في طليعة اللائحة التي تضم في مراتبها العشرة الأولى شركات نفط كـ"بريتش بتروليوم" وسيارات كالمصنّع الألماني "فولكز فاكن" والياباني "تويوتا". تجدر الإشارة الى أن فضيحة أخلاقية غير مسبوقة ألمّت بفولكس فاغن تستدعي سحب ملايين السيارات من السوق الأوروبي والعالمي ما يجعل الأسواق بحالة ترّقب لوضع الشركة وتأثيرها على السوق المالي الأوروبي.

أمَّا إذا نظرنا إلى القيمة السوقية لبعض الماركات التجارية فتأتي النتائج مذهلة من حيث الأرقام نظرًا لازدياد لماعيّة هذة الماركات بعيون المستهلك وتحوّلها إلى جزء من يومياته واختراقها تفاصيل حياته. المنافسة محتدمة دومًا بين "أبل" و"غوغل" فبعد احتلال الأولى الطليعة في أعوام ٢٠١١،٢٠١٢،٢٠١٣، تمكّنت غوغل من انتزاع الصدارة في عام ٢٠١٤. أما عام ٢٠١٥ الذي شهِد إصدار أبل لساعتها وإصدارها لأيفون ٦ كان كفيلًا باستعادتها رأس اللائحة بعد إثباتها انكبابها على الإبداع وإشباع رغبات المستهلك كمحرّكين لاستراتيجيتها التي وضع أسسها ستيف جوبز. الاسم الذي غدا أيقونة في هذا المجال رغم وفاته. وتاليًا، بلغت قيمة اسم أبل مائتين وسبع وأربعين مليار دولار، وهو رقم يستطيع ربعَه سداد الدين اللبناني مثلًا، الذي يعتبر من الأكبر عالميًا، بالنسبة لناتجه القومي الإجمالي الخجول. أمَّا قيمة ماركة غوغل التجارية فيبلغ حوالي مائة وأربعة وسبعين مليار دولار وإذا أضفنا بعض الشركات التكنولوجية يغدو مجموع القيمة الإجمالية للعلامات التجارية ضمن هذا التصنيف تريليون دولار.

اقرأ/ي أيضًا: أسرار امبراطورية مايكروسوفت

أما، فايسبوك فيأتي في المركز الثاني عشر وتحتل بعض الشركات كفيزا ومايكروسوفت وماكدونالدز ومارلبورو مراكز متقدّمة رغم احتلال شركات تكنولوجية المراكز الأربعة الأولى دون منازع. إنها شركات عملاقة من حيث الإيرادات، بإبداعٍ فائق يساير طبيعة العالم الرأسمالية، جعلت المستهلك يعوّل عليها لسداد حاجاته بل رغباته فغدت إمبراطوريات بكافة المعايير. سواءً كان المعيار الإيرادات، الأرباح، قيمة العلامة التجارية، الانتشار الجغرافي وحتى عدد العمال الذي يفوق الثلاثمائة وخمسين ألف موظف في بعض الأحيان. وهنا يأتي السؤال التالي: إذا كان لك إنشاء دولة أو شركة بعلامة تجارية كالأسماء المذكورة أعلاه، ماذا تختار؟

اقرأ/ي أيضًا: ألعاب الحرب.. الدعاية الأمريكية أم خيالها؟!