03-مايو-2016

وقفة أمام نقابة الصحافيين المصرية

بعد أسبوع واحد من واقعة اقتحام نقابة الصحفيين، سيجد الصحفيون والنشطاء شيئًا آخر يهاجمون به النظام، ويدفعهم لتقديم "خالص كراهيتهم" للأمن، لن يترددوا في لومه، والاستهزاء به والسخرية من خوفه الذي يتحول إلى رعب من نزول الشباب إلى الشارع فقط (ليس تظاهرهم أو اعتراضهم أو وقفاتهم الاحتجاجية).

هناك من يريد أن يقول للصحفيين إنّ السلّم الذي تعتبرونه رمزًا للنضال والثورة يمكن أن يتحول إلى بيت دعارة

ويا ويل من يقف في طريق جيل لا يرحم أعداءه، أو من اعتبروا أنفسهم أعداءه، رغم أنه لا يعادي أحدًا، ومن غروره وشدة احتقاره للآخرين، كل الآخرين، لا يمنحهم شرف الخصومة، فأن تكون عدوًا لجيل ثائر يحب الحياة، ويبحث عن حريته شرف لا تستحقه الداخلية، وتصر على ادعائه يوميًا بكل الطرق، قبض عشوائي، وإخفاء قسري، وقرارات ضبط وإحضار، وفضّ مظاهرات، وضرب متظاهرين، وتفتيش موبايلات، ومراقبة فيسبوك وتويتر، وغلق المقاهي.. ورغم كل شيء، لا عداوة.. عيب في حق الثوار والصحفيين أن يقال إن لهم خصومة مع أمين شرطة.

اقرأ/ي أيضًا: ماذا يحدث في الأردن هذه الأيام؟

بالنسبة إلى رجال الأمن، لا يزال سلم نقابة الصحفيين ذكرى مؤلمة، فهو موقع الملاحم، الذي شهد انهيار هيبة الداخلية، وأول هتاف "الشعب يريد إسقاط النظام". هنا، حيث سقط نظام مبارك، الذي قدَّس البدلة الميري وطلب من الناس أن تسجد لها وتصلي على عتبات الأقسام، قبل أن يزول من الحكم. 

كانت المواجهة صعبة، مظاهرات، احتجاجات، وقفات، وهتافات، وظلَّت النقابة "ممنوع الاقتراب" طوال فترات الدكتاتور الأسبق، والسابق، ومفتوحة للصحفيين فور أن يشهر العساكر العصا وقنابل الغاز في وجوههم. 
لاقتحام البيادات نقابة الصحفيين لذَّة لا يشعر بها إلا من حرم منها من لواءات "داخلية حبيب العادلي"، الذين يحكمون الآن.

هل عرفت الآن لماذا أهانت "الداخلية" رمز "سلم النقابة" يوم 25 نيسان/أبريل حين ابتلع الأمن المتظاهرين، وفتح الطريق لمتظاهرين مستأجرين قالوا إنهم أنصار السيسي؟

كان هناك من يريد أن يقول للصحفيين إنّ السلم الذي تعتبرونه رمزًا للنضال والثورة وبعثرة كرامة الأمن يمكن أن يتحول إلى بيت دعارة، وساحة تطبيل ورقص وتهليل للرئيس، وآل سعود، وكل ما تتظاهرون ضده.
لكن قبل أن ينتفض الصحفيون ضد من أساء إليهم، وهم كثيرون بالمناسبة، لا بد أن يراجعوا كشف حساب المهنة منذ رحيل محمد مرسي، ويسألوا أنفسهم.. لماذا جرؤ الأمن على "هتك عرضهم"؟

اقرأ/ي أيضًا: السهروردي مقتولًا في حلب

تحولت الصحف إلى خادمة فراش في سرير النظام، لا تبحث عن حريتها ولا وجودها، ولا استقلالها، واستجابت للرئيس حين قال إنه يحسد جمال عبد الناصر على إعلامه، الذي قاده إلى الهزيمة في حربين، وحوله إلى دكتاتور مجنون، وممثل ميلودراما ناجح، وكوميديان لا تزال خطبه قادرة على إضحاك الجماهير حتى الآن، ودافعت عن ملكية تيران وصنافير لآل سعود أكثر من صحف السعودية، واستسلمت للأمن يوم قرر أن يذبح المتظاهرين، ويقدمهم للمحاكمة بتهمة الوطنية، والاعتراض على بيع "تراب مصر". 

تحولت الصحف إلى خادمة فراش في سرير النظام، لا تبحث عن حريتها ولا وجودها

فتحت الصحافة الباب لكل من يريد أن يقتحم أبوابها الخلفية "شخلل تعدّي"، أصبح دينها الدولار، ومذهبها جهة التمويل، وتحوّل الصحفيون إلى تروس في ماكينات طباعة تخرج منشورات رسمية يوميًا، واكتفوا بالفيسبوك لكتابة آرائهم، التي تختلف تمامًا وكليًا مع ما تروّجه صحفهم كل صباح.

الصحف تستضيف الداخلية على صفحاتها يوميا، تكرمها، وتقدم دعاية مجانية لرجالها بدعوى الحرب على الإرهاب، رغم أن أقسام وسجون الوزارة هي ورش إنتاج الجهاديين والمجرمين والمسجلين خطرًا. حين تفرط الصحف في دورها وسلطتها وحقها في الرقابة على أي مسؤول، من الشارع إلى قصر الرئاسة، لا تطلبوا من أحد أن يحترمها ولا يدنّس النقابة بوجهه القبيح، ما دام أهل المهنة قد أخذوها إلى أسفل سافلين. هذا عتاب الحب للأحباب.

لأول مرة، الصحفيون، المؤيدون للنظام والمعارضون له، يقفون في "خندق واحد"، لا تراجع عن إقالة وزير الداخلية، وعودة الصحف إلى دورها ثم توضيحه للرئيس في بيان رسمي، واغسلوا سلم النقابة من آثار الاقتحام بالتراب سبع مرات. 

لسنا عبيدًا للسلطان، وليس مطلوبًا منّا أن نركع، والتجربة تقول إن الذي يركع لا يصل. لا تقل "يوم أسود على الصحافة"، قل: يوم أسود على الأمن.

اقرأ/ي أيضًا: 

خطاب ثوري وجماهير لا تكترث

اقتحام نقابة الصحفيين.. جريمة سيساوية جديدة