12-مايو-2022
كان موت شيرين صورة عن الموت الفلسطيني المألوف والصادم (تويتر)

كان موت شيرين صورة عن الموت الفلسطيني المألوف والصادم (تويتر)

لم يكن استشهاد الصحافية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة، صباح الأربعاء، مشهدًا غريبًا على ذاكرة الفلسطينيين. فقد غطت أبو عاقلة نفسها آلاف حالات الاغتيال الشبيهة، ووثقتها بالصوت والصورة. مع ذلك فقد كان المشهد صادمًا، مفجعًا، وبدا وكأن أمة كاملة في لحظة ذهول.

لم تبد كلمة "Press " على زي شيرين الصحفي، وكأن لها قيمة في عين القناص، فالجسد الفلسطيني المستباح، يولد ويموت ويعيش خارج قيم العدالة والمهنية والقانون

هذه الحدود غير الواضحة بين الشعور أن ما حدث كان مألوفًا، وبين الصدمة الجماعية منه، هو ما ميز هذه المأساة. حقيقة أنه كان مألوفًا، جعلت منه صادمًا أكثر، لأنها أعطت خلاصة واضحة مفادها أننا جميعًا، في كل أماكن تواجدنا، معرضون للموت بنفس الطريقة. وإن كانت أبو عاقلة في حياتها مثالًا لكثير من الفلسطينيين، ونموذجًا لأجيال كاملة منهم، فإن موتها جاء صورة مكثفة عن الموت الفلسطيني، المألوف، والصادم، والساقط قصدًا وسهوًا من حسابات العالم، وقيمه.

لم تبد كلمة "Press " على زي شيرين الصحفي، وكأن لها قيمة في عين القناص، فالجسد الفلسطيني المستباح، يولد ويموت ويعيش خارج قيم العدالة والمهنية والقانون، جسد عارٍ من كل الضوابط والاعتبارات والمعايير. عرفَت شيرين ذلك، فهمته، وعملت به، كما عرفه وفهمه زملاؤها الصحافيون على طول فلسطين. لم ينشغل القناص الإسرائيلي بقراءة الكلمة المكتوبة بخط عريض على سترتها، إذ كان مهمومًا بقراءة ما هو أهم؛ ملامحها الفلسطينية، في واقع من الاستعمار الاستيطاني الذي يسعى إلى إلغاء كل ما هو فلسطيني.

هذا واقع مستمر، يعرفه جيدًا العاملون في الصحافة في فلسطين. نحن، أجسادنا، ما نكتبه ونقوله، موتنا، وحياتنا عرضة دائمًا للمحو، بمنطق أو بغير منطق، بقصد أو بغير قصد.  في وسائل الإعلام "العالمية"، تمحونا لغة المبني للمجهول، نموت وكأننا نموت في كوارث طبيعية، لا فاعل فيها، ولا مجرم وراءها. هناك، حيث تبدو دماؤنا المسكوبة على الشوارع باردة، مموهة، وغير واضحة في ماكينة الحياد والمهنية الفاترة. أما لغة القطعيات والوضوح، فمن حق شعوب لسنا منهم. موتهم موضوعي، أما موتنا فذاتي، حوله روايات ويحتاج إلى تحقيق.

عبر السوشال ميديا، تخفينا الخوارزميات كأعراض جانبية، نحن نسبة الخطأ وهامشه. وفي الميدان، فإننا نموت لأن "هذه أمور تحدث"، كما يقول مسؤولون إسرائيليون. إننا "مسلحون بالكاميرا" كما أعلن ران كوتشاف، متحدث باسم الجيش الإسرائيلي، بوقاحة مساء الأربعاء.

في وسائل الإعلام "العالمية"، تمحونا لغة المبني للمجهول، حيث تبدو دماؤنا المسكوبة على الشوارع باردة ومموهة، في ماكينة الحياد والمهنية الفاترة

على الأرض، فإننا نعرف، كما عرفت شيرين جيدًا، أي طاقة يحتاجها الصحافي الفلسطيني ليعيش هذا الاستثناء كحياة يومية. أي قدرة إعجازية على الاستمرار، يحتاجها للإيمان بأن توثيق هذا الموت لا يزال مجديًا. ولعل الواحد منا يظن أنه بالعمل لسنوات عن إسرائيل والقراءة عنها وتغطية انتهاكاتها اليومية، والأهم عيش سنوات تحت بطشها، قد أدراك أن هذا العنف صار مفهومًا، غير مفاجئ، ولا يثير كثيرًا من الاستغراب. لكن في كل مرة، يباغتنا الدم، طازجًا، مرعبًا، وتبدو كل جريمة كأنها أول جريمة. قد تكون هذه ربما طريقتنا الخجولة والوحيدة لرفض هذا الواقع، بالاستغراب منه في كل مرة.