28-ديسمبر-2020

جو بجاني (تصميم أساس ميديا)

عشرات الجرائم السياسية في لبنان لم يتم الكشف عنها منذ انتهاء الحرب الأهلية في بداية تسعينات القرن الماضي وحتى اليوم. جرائم سياسية واغتيالات بالجملة كان أعنفها جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وما تلاها من عمليات اغتيال للصحفيين والمفكرين مثل جبران تويني وسمير قصير وجورج حاوي وغيرهم. وحتى اغتيالات لكوادر حزبية أو ضباط في الجيش اللبناني والقوى الأمنية كاغتيال رئيس جهاز فرع المعلومات اللواء وسام الحسن والنقيب وسام عيد. اغتيالات لم تستطع الأجهزة الامنية اللبنانية، ولا الجهات المتدخلة دوليًا، من التوصل  إلى كشف خيوط واحدة منها على الأقل بشكل كامل وتقديمها إلى الرأي العام أو سوق المتهمين والمجرمين إلى العدالة. ما يعني بطبيعة الحال أن لبنان بلد مفتوح على كافة الاحتمالات الأمنية، على رأسها عمليات التصفية الجسدية.

راجت روايات ومعلومات عديدة نشرتها قوى أمنية وأخرى تناقلتها شخصيات ووسائل إعلام لبنانية حول اغتيال بجاني. وشكلت القضية مثار انتقادات لما يجري من تفلت أمني وتحقيقات معطلة

آخر هذه الجرائم، وقعت يوم 21 كانون الأول/ديسمبر 2020 والتي أثارت العديد من الإشكاليات والتكهنات وشكلت مثار جدل في الشارع اللبناني. الحديث هنا عن جريمة اغتيال المصور جو بجاني في وضح النهار داخل سيارته وأمام منزله من قبل شخصين وبواسطة طلقات نارية من مسدس كاتم للصوت كما يظهر مقطع فيديو موثق للجريمة. 

اقرأ/ي أيضًا: المحاكمات القضائية عن بعد في زمن الجائحة.. العدالة أمام خيار الضرورة

راجت روايات ومعلومات عديدة نشرتها قوى أمنية وأخرى تناقلتها شخصيات ووسائل إعلام حول اغتيال بجاني. وشكلت القضية مثار انتقادات لما يجري من تفلت أمني، وسط سخط شعبي من عدم الوصول إلى نتائج في التحقيقات كما في أغلب التحقيقات التي تتولاها القوى الأمنية والمخابراتية في لبنان، مما أوصل حالة الثقة بين المواطنين اللبنانيين والدولة إلى الحضيض.

لكن هذا السخط لم يصل إلى درجة كبيرة من الناحيتين الكمية والنوعية، إذ سرعان ما خفتت القضية وصارت كمعظم القضايا التي "تنزل عن الرف" لتعلوها قضايا أخرى. صحيح أن بعض الجيران الغاضبين أقفلوا الطريق، وبعد دقائق فتحتها القوى الأمنية ليعود السير إلى مساره الطبيعي وتعود الحياة كما كانت قبل الاغتيال.

 

بعض التحليلات انطلقت من طرح وجهة نظر تفيد أن مسلسل الاغتيالات كان من المفترض أن يبدأ منذ أشهر، حيث أن الأحداث المتراكمة جعلت من بعض أفرقاء الحكم في لبنان في وضعية صعبة وخانقة، وللخروج من الأزمة لا بد من العنف والقتل والتفجير للضغط على الدول الإقليمية والغربية للتفاوض أو القبول بشروط قوى الأمر الواقع، كما جرت العادة. البعض الأخر اعتبر أن جريمة الاغتيال مفادها أن جو بجاني كان على دراية ببعض المعلومات حول انفجار بيروت، حيث التقط بعض الصور قبيل الانفجار أو بعده. وسرت شائعات أخرى تفيد أن المغدور كان يعمل مع الجيش اللبناني كمصور، فيما تحدثت معلومات أخرى عن زيارته إلى الجنوب اللبناني وغمزت من قناة دور ما لحزب الله!. فيما ربط البعض مقتل بجاني بمقتل العقيد المتقاعد في الجمارك منير أبو رجيلي، وكذلك بمقتل العقيد المتقاعد في الجمارك جوزف سكاف. وفي وقت سابق، تم تسريب معلومات أمنية تفيد أن فرقة من "الموساد" دخلت إلى لبنان خلسة، عبر شاطئ "الجية" جنوب بيروت، الأمر الذي يبدو أن الهدف منه تحضير الأجواء للقيام بأعمال أمنية، وتوجيه الاتهامات نحو إسرائيل.

اقرأ/ي أيضًا: 2020 عام مُر في السجون اللبنانية

سيناريوهات عدة متوفرة بشأن اغتيال بجاني وما قبله اغتيال أبو رجيلي وسكاف، لكن لا شيء مؤكد، وتبقى مجرد ترجيحات ضمن التكهنات. وحتى تصريح  وزير الداخلية محمد فهمي أتى دون المتوقع من وزير كان عليه أن يعطي بعض الأجوبة لما يحصل في البلد!. إذ قال فهمي عقب الاغتيال أن "الجريمة منظمة ولن تمر"، وأضاف "من نفذها محترفون وليسوا هواة"، لافتًا إلى أن "الأجهزة الأمنية تنكب على كشف ملابساتها، والمعلومات التي تم تجميعها هي قيد التحليل، ونأمل في أن تؤدي إلى كشف الخيوط".

واستبعد فهمي وجود علاقة بين جريمة الكحالة وجرائم أخرى حصلت في الفترة الأخيرة. وأشار الى أن الاحصاءات تبين  ارتفاعًا سجل أخيرًا في نسب حوادث السرقة والسلب، بمعدلات تدعو إلى القلق وتدق جرس الإنذار! وشدد فهمي على أن معالجة تحديات الأمن الاجتماعي هي معالجة سياسية- اقتصادية بالدرجة الأولى، ويجب أن تتولاها الدولة عمومًا، بحيث لا تلقى كل الأعباء على الأجهزة وحدها.

فيما أشار بيان عائلة بجاني إلى أن اهتمامها بأن "توضح للرأي العام ما تتداوله بعض وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، ومنه أن المغدور كان من أول الواصلين إلى المرفأ فور حصول الانفجار". وأوضحت العائلة أن "الشهيد المغدور كان في 4 آب/أغسطس أثناء الانفجار في مستشفى أوتيل ديو لمتابعة علاج والده جورج بجاني وكان من القلائل الذين نجوا من تساقط الردم في المستشفى، كما أن الشهيد المغدور لم يصور في المرفأ لا قبل الانفجار ولا أثناء الانفجار ولا بعده، إذ لم يحصل على ترخيص من المراجع المختصة". ولفت البيان الى أن "الشهيد المغدور كان يعمل في شركة ALFA للاتصالات في القسم التجاري ولا علاقة له في داتا الاتصالات". بهذا يبقى دم بجاني مادة نقاش عام في لبنان دون إشارة رسمية واضحة عن مصير التحقيقات أو هوية الجناة وسبب الجريمة. 

 

اقرأ/ي أيضًا:

2020 عام كارثي على اللاجئين السوريين في مخيمات لبنان

أبرز 3 أخبار مزيفة عن كورونا انتشرت في لبنان