10-مايو-2017

فهد الحلبي/ الجولان المحتل- سوريا

لم يكن يوجد شيء ليُصاحبه في رحلة لجوئه سوى ماض مشوه وصور مبعثرة في تلافيف دماغه. هناك حيث لا شيء سوى حطام الذاكرة عندما اتخذ قرار الهجرة. لاذ بالفرار من الحرب حيث كان الموت يلاحقه، أخذ حفنة من التراب وضمها إلى صدره كما الثكلى بلقاء طفلها، وانطلق دون أن يلتفت إلى الوراء. لقد ترك خلفه عزيز الموت يلهث خلف الأرواح في حقلٍ تمطرها السماء بالمتفجرات، وترشقها الأرض بالرصاص.

كان واهمًا أن نجاته من الحرب تعني ابتعاده عن مشاهد الدماء، لكن صورًا دموية كانت تتقافز أمام عينيه، وصدى صرخات مدوية كانت تتماوج في أذنيه. 

في طريقه إلى المأمن صادف أناسًا آخرين، كل واحد منهم مشروع لاجئ مثله. اجتاح تلك الكتل البشرية المتباينة الألوان، باحثًا في تلك الوجوه الشاحبة ابتسامة واحدة لا أكثر تنسيه مأساة وطن لثوان. 

عقد أمله في وجوه أطفال مسلوبي الطفولة، وفتيات فاقدات للأحلام ونساء ورجال أمارات وجههم تشير إلى القنوط. لم يستطع أن يستخرج من تلك الوجوه أي ابتسامة.. ابتسامة تجعل تفاصيل وجهه تتحرك. 

بعد رحلة موجعة يصل ذلك المشروع إلى مبتغاه ويصبح لاجئًا ليقيم في مسكن لأمثاله. يسارع إلى مرآة مستطيلة الشكل معلقة وسط حائط الحمام، بعد أن اختطفت نظره. يقف أمامها وقفة رجولية شرقية وكأنه أمام أنثى وجهًا لوجه. تعكس تلك الأنثى صورته، لكن ذلك يريه نفسه متقطعة إلى أجزاء مندثرة. هل كانت المرآة فيها انكسارات أم أن عينيه تعكسان صورته الحقيقة؟ 

يبقى واقفًا ويسحب كما من الهواء، يحبسها لثوان في ريئتيه ثم ينفثها، قبل أن يبتسم لنفسه. يحدق في تلك المرآة للحظات محاولًا تحريك شفتيه. يلمس وجهه وشفتيه بأصابعه سعيا منه لرسم ابتسامة.

بعد محاولاته المتكررة يصل لنقطة الاستنتاج، مفاده أن الموت قد أدرك ابتسامته في ذاك الحقل البعيد... لقد اكتشف للتو أن الموت كان قد اغتال ابتسامته هناك.

 

اقرأ/ي أيضًا:

تقول جدتي

الجوع الذي هناك