11-أكتوبر-2018

تتصاعد الانتهاكات ضد الصحافيين في العالم جميعه (Getty)

تتصاعد حدة الانتهاكات ضد الصحفيين في الفترة الأخيرة بشكل غير معهود، ولا تزال الكثير من الصحف حول العالم، غارقة في تغطية اختفاء ومصرع صحفي في الدولة هذه أو تلك، ويستطيع المراقبون لأوضاع الصحافة حول العالم رؤية الكيفية التي  تتزايد بها حدة الانتهاكات ضد العاملين في هذا الحقل، في عدة بؤر ساخنة من السعودية وحتى روسيا والبلقان مرورًا بتركيا ومعها أيضًا مصر وغيرها، في ظل موجات متصاعدة من الشعوبية والاستبداد عالميًا، وتعمق نفوذ اليمين المتطرف في حكومات شرق أوروبا وغربها.

 تتصاعد وتيرة العنف ضد الصحفيين في المنطقة العربية بشكل غير مسبوق مع وجود دكتاتوريات شمولية، تدعمها الحكومات الغربية، وتعمل شركات دعاية في واشنطن أو عواصم الاتحاد الأوروبي لصالحها

الصحافة كـ"تهديد قومي"

تتصاعد وتيرة العنف ضد الصحفيين في المنطقة العربية بشكل غير مسبوق مع وجود دكتاتوريات شمولية، تدعمها الحكومات الغربية، وتعمل شركات دعاية في واشنطن أو عواصم الاتحاد الأوروبي لصالحها، وهو ما يبدو في أكثر حالاته وضوحًا في دول مثل مصر والمملكة العربية السعودية، التي تمارس بحق النشطاء والصحفيين أشكالًا متنوعة من التنكيل، كان آخرها حادث اختطاف جمال خاشقجي، الذي اختفى في ظروف غامضة عقب دخوله إلى قنصلية الرياض في إسطنبول لإنهاء بعض المعاملات الورقية.

كان خاشقجي واحدًا ممن أشاروا إلى الانتهاكات الحقوقية الفادحة التي يرتكبها النظام السعودي، ومن ذلك إشارته إلى اعتقال صالح الشيحي، كاتب عامود في صحيفة الوطن السعودية اليومية، في 3 كانون الثاني/يناير هذا العام.

اقرأ/ي أيضًا: بالفيديو: مقتل أحد الصحفيين خلال بث مباشر في نيكاراغوا

في عاموده في صحيفة الوطن، كثيرًا ما كان صالح الشيحي يتحدث عن مواضيع مثل قرارات الإنفاق الحكومية بشأن الأموال المستردة من حملة مزعومة لمحاربة الفساد، فضلًا عن السياسات الاقتصادية للحكومة ومعاملتها للعمال المغتربين. وفي أحد المرات التي ظهر فيها صالح الشحي على قناة روتانا، وتحديدًا في أواخر 2017، أشار إلى المحكمة الملكية السعودية باعتبارها أحد مصادر الفساد في البلاد. وقال صالح الشيحي "إن أي مواطن سعودي لديه اتصال داخل الديوان الملكي أو شخص مرتبط به، تكون، تلقائيًا لديه ميزة في شراء أراض ذات موقع استراتيجي"، وهو ما كان ذريعة لاختطافه. هذا بخلاف عشرات الصحفيين السعوديين الذين تم القبض عليهم، على خلفية انتقادات قاموا بتوجيهها إلى الأنظمة مباشرة أو لنشرهم تقارير استقصائية كاشفة لوقائع فساد، وفي أحايين أخرى يتم القبض عليهم فقط أثناء تأدية عملهم أو أثناء تواجدهم في مكان ما، أو من بيوتهم على خلفية تقارير أمنية مزعومة.

ومنذ أن دخل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وبعد أن قاد موجة الشعبوية العالمية، وواصل اتهاماته للصحفيين الذين يوجهون انتقادات له ولحكومته بأنهم يقدمون "أخبارًا زائفة"، فإن نبرة الهجوم التي تطال الصحافة العالمية آخذة في التصاعد، الأمر الذي عزز إطار الاتهامات القانونية التي تسمح لهؤلاء القادة بقمع الصحفيين. وعلى الصعيد العالمي، يتم سجن ما يقرب من ثلاثة أرباع الصحفيين بتهم معادية للدولة، وكثير منهم بموجب قوانين إرهابية واسعة وغامضة.

وفي إحصائها السنوي للسجون، وجدت لجنة حماية الصحفيين 262 صحفيًا وراء القضبان عام 2017 في جميع أنحاء العالم، على خلفيات تتعلق بعملهم، وهو رقم قياسي جديد بعد ارتفاع تاريخي من 259 في العام الماضي.

اقرأ/ي أيضًا: الصحافة زمن ترامب.. حصار بالجنون

ليست حال الصحفيين في مصر أفضل، إذ يواجهون قمعًا منظمًا تحت تهم كثيرة ومتناقضة، ولعل أبرزهم المصور الصحفي محمود أبو زيد أو المعروف بشوكان، الذي قضى خمس سنوات في السجن مفتقرًا إلى الرعاية الصحية اللازمة بسبب إصابته بفيروس سي، قبل أن تحكم عليه المحكمة في أيلول/سبتمبر الماضي بخمس سنوات قضاها بالفعل، منذ عام 2013 فيما بات يُعرف إعلاميًا بقضية رابعة، بالإضافة إلى خمس سنوات أخرى من المراقبة الشرطية. ومن هذه الحالات أيضًا، الصحفي إسماعيل الإسكندراني الباحث المتخصص في شؤون سيناء، الذي قضى عامين ونصف في حبس احتياطي هزلي، ثم قضت محكمة الجنايات العسكرية في أيار/مايو الماضي بحبسه عشر سنوات، بعد توجيه عدة تهم له، من بينها "الحصول على سر عسكري ونشره، والانضمام لجماعة محظورة، ونشر أخبار كاذبة في الخارج".

من الجدير بالذكر أن محامي الإسكندراني أفاد أن "النيابة لم تقدم أي دليل ضده فيما يتعلق بالانضمام لجماعة محظورة، أو توضيح الطبيعة السرية للمعلومات التي اتُهم بنشرها". وفي إجراءات التقاضي المصرية فإن المدة القصوى للحبس الاحتياطي هي عامين تحال بعدهما القضايا المدنية إلى القضاء العسكري، بناءًعلى طلب تقدمه نيابة أمن الدولة العليا بمصر.

وكانت السلطات المصرية قد ألقت القبض على الإسكندراني في مطار الغردقة بعد عودته من العاصمة الألمانية برلين في أواخر عام 2015 عقب مشاركته في مؤتمر هناك، وذلك بناءً على أمر ضبط وإحضار صادر ضده في شهر أيار/مايو 2015. وعمل إسماعيل الإسكندراني كصحفي حر، وباحث متخصص في شؤون الجماعات الإسلامية، والجماعات المهمشة في مناطق النوبة وسيناء. ونشر العديد من المقالات والتقارير والتحقيقات الصحفية في عدد من الصحف المصرية والعربية.

أكتوبر الأسود

 أما في أوروبا، فقد قام مجموعة من نشطاء حقوقيين بوضع خريطة للانتهاكات ضد الصحفيين، في شبه جزيرة البلقان وسائر أوروبا. وحدد مرصد البلقان والقوقاز، ومقره في إيطاليا، 27 حالة إبلاغ عن انتهاكات لحرية التعبير وانتهاكات تعرض لها الصحفيون، منها 24 بلاغًا في هنغاريا، وغيرها موزعة على كل أوروبا، ما بين عامي 2015- 2016.

وليس بعيدًا، حيث تمر سلسلة جبال البلقان فتقسم البلاد إلى شطرين، تحتل بلغاريا المرتبة 111 من بين 180 دولة في مؤشر حرية الصحافة الصادر عن منظمة "مراسلون بلا حدود" هذا العام، وهي درجة أسوأ من أي دولة أخرى في الاتحاد الأوروبي. وقد تجسدت هذه الانتهاكات في ذروتها، مع مقتل الصحفية البلغارية فيكتوريا مارينوفا البالغة من العمر 30 عامًا، يوم السبت في مدينة روسه، إذ تم خنقها حتى الموت بعد اغتصابها. وتفيد تقارير صحفية أن مارينوفا، وهي صحفية ومنتجة في هيئة الإذاعة والتليفزيون، كانت قبل مصرعها قد كشفت عن فساد يتعلق بأموال التمويل الخاصة بالاتحاد الأوروبي في بلادها.

وعلى الرغم من نفي الشرطة البلغارية وجود أي علاقة مباشرة بين عمل مارينوفا ومقتلها، إلا أن  جماعات مكافحة الفساد وأعضاء البرلمان الأوروبي دعوا إلى إجراء تحقيق كامل في الوفاة.

تتعرض الصحافة، كحقل عمل وتواصل معلوماتي، في ظل تفاقم الشعبوية لهجمة عامة عالمية أبرز مكوناتها التصفيات الجسدية للصحفيين

كان آخر تقرير بثته مارينوفا، حول "تحقيق أجرته مع مجموعة من الصحفيين البلغاريين في شركات تعمل في مشاريع البنية التحتية التي يمولها الاتحاد الأوروبي، وتديرها السلطات المحلية. ووجدت أن ما بين 30 و40% من التمويل الذي تلقته مجموعة من الشركات قد ضاع بسبب الفساد والرشاوى".

ووفقًا لمنظمة الإبلاغ عن الجريمة والفساد OCCRP، وهي هيئة مراقبة مدنية، تعمل في شرق أوروبا والقوقاز، فقد احتجزت الشرطة البلغارية في أواخر أيلول/سبتمبر اثنين من زملاء مارينوفا كانا يعملان على القصة نفسها. وصرح أحد المحررين المعنيين بالتحقيق في الفساد لصحيفة بوليتيكو، "أن مهمة مارينوفا التالية كانت زيارة موقع في قرية هيترينو، حيث أثيرت أسئلة حول عقد شراء عام من قِبل الحكومة". هذا فضلًا عن وقائع أخرى، تشير إلى ميل حكومي ضد الصحفيين، ففي عام 2017، احتج مئات الصحفيين البلغار في وسط العاصمة صوفيا وسط تهديدات من نائب رئيس الوزراء فاليري سيميونوف، واتهامه لوسائل الإعلام السائدة بأنها تقود "حملة تشهير واسعة النطاق".

وتعد فيكتوريا مارينوفا رابع صحفية، وثالث امرأة يتم قتلها في إحدى دول الاتحاد الأوروبي منذ عام 2017.  ومن الجدير بالذكر أن مصرع فيكتوريا مارينوفا جاء في الذكرى الثانية عشر لاغتيال آنا بوليتكوفسكايا، وهي كاتبة وناشطة حقوقية روسية وصحفية قُتلت في السابع من أكتوبر/تشرين عام 2007، أمام المجمع السكني الذي تقتطنه، وتعد واحدة من بين 23 صحفية قُتلن في روسيا منذ العام 2000.

اقرأ/ي أيضًا: الصحافة المغربية تستقبل 2018 بتتبع صحفيين وفق القانون الجنائي!

ملاحقة الصحفيين والتجسس عليهم في عصر الثورة الصناعية الرابعة

بينت منظمة "سيتزن لاب" في تقرير لها نشرته في 18 أيلول/سبتمبر، أنها اكتشفت أن "برنامج التجسس المسمى بيغاسوس (Pegasus) والمصمم لأجهزة الهواتف النقالة مستخدم في أكثر من 45 بلدًا. وتوصل التقرير إلى أنه من المحتمل أن يكون برنامج بيغاسوس، الذي يعمل على تحويل الهواتف النقالة إلى محطة مراقبة، قد استُعمل ضد عدد من الصحفيين والفاعلين في مجال المجتمع المدني في كل من المكسيك والسعودية والبحرين والمغرب وتوغو وإسرائيل والولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة".

وحسب لجنة حماية الصحفيين فإن هذا البرنامج استُخدم على نظاق واسع في السعودية، وهو "برنامج يمَكن المهاجم من رصد وتسجيل وجمع البيانات الحالية والمستقبلية الموجودة في الهاتف. ويشمل ذلك المكالمات والمعلومات الواردة في تطبيقات التراسل وبيانات الموقع بالوقت الحقيقي. ويستطيع هذا البرنامج تشغيل الكاميرا والميكروفون في الجهاز لمراقبة المستهدف ومحيطه. وقد صُمم بيغاسوس بحيث يتم تركيبه على هواتف تعمل بأنظمة تشغيل أندرويد وبلاك بيري وآي أوه أس، وذلك دون تنبيه الشخص المستهدف إلى وجود هذا البرنامج على جهازه. ومن المحتمل أن لا يتمكن الصحفيون من معرفة ما إذا كانت هواتفهم مخترقة بهذا البرنامج إلا إذا تم فحص الجهاز على يد خبير فني". ويتم اختراق الجهاز من خلال رسائل يتم إرسالها من أجل هذا الغرض سواء مباشرة، أو عبر الإيميل، تحمل رابطًا ما أو من خلال تطبيقات التراسل مثل واتساب أو منصات التواصل الاجتماعي. وما أن يقوم الصحفي بفتح الرابط حتى يتم تثبيت برنامج التجسس على هاتفه.

في حين كشفت تقارير في الشهور الماضية، عن أن الإمارات قد استخدمت هذه التقنية، بمساعدة خبراء إسرائيليين، من أجل التجسس على عدد من الصحفيين المعارضين، وكذلك من أجل التجسس على مكالمات أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني.

وتكون الرسائل في مجملها ذات محتوى متعلق بعمليات شراء ببطاقات ائتمانية، أو رسائل تزعم أنها واردة من مؤسسات معروفة مثل سفارة ما أو مؤسسة إخبارية محلية، أو رسائل تحذر المستهدف بأنه ربما يواجه تهديدًا أمنيًا وشيكًا، أو رسائل تطرح مسائل مرتبطة بالعمل من قبيل تغطية حدث من عادة الصحفي المستهدف أن يغطيه.

إذًا، وعبر الاستعراض الموجز لبعض ما تواجهه مهنة الصحافة والعاملين فيها خلال السنوات الأخيرة، يمكن تكثيف القول بأن الهجوم على الصحافة الكاشفة للفساد والموضوعية حيال الاستبداد من أولويات المنظومات السلطوية في عالم اليوم. المشهد الأكثر بؤسًا أن السعودية والإمارات والبحرين ومصر وعدة دول عربية تأتي في رأس هرم هذه الموجة من الحرب على المعلومة وإفادة الرأي العام. 

 

اقرأ/ي أيضًا:

حسام بهجت.. التهمة: صحفي

محمود عوض.. "عندليب الصحافة" الذي مات وحيدًا