19-مارس-2025
أكرم إمام أوغلو

اعتقال رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو (رويترز)

أقدمت الشرطة التركية، اليوم الأربعاء، بأمرٍ من النيابة العامة، على اعتقال رئيس بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو، إلى جانب 100 شخص آخر، من بينهم صحفيون ورجال أعمال، بالإضافة إلى مساعده المقرّب مراد أونغون. وأفاد بيان صادر عن النيابة العامة التركية بأن الاعتقالات تأتي في إطار التحقيقات الجارية حول "أنشطة إجرامية تتعلق ببعض المناقصات التي منحتها البلدية"، فضلًا عن اتهامات موجهة لإمام أوغلو وستة آخرين بمساعدة حزب العمال الكردستاني، الذي تُصنّفه تركيا وحلفاؤها الغربيون منظمةً إرهابية.

وفي حين وصف حزب الشعب الجمهوري المعارض اعتقال إمام أوغلو بأنه "انقلاب ضد الرئيس القادم"، تؤكد الجهات الحكومية التركية أن القضاء يعمل باستقلالية، نافيةً مزاعم المعارضة بشأن توظيف الإجراءات القانونية لأغراض سياسية تهدف إلى تقويض فرص زعامات المعارضة في المنافسة الانتخابية، لا سيما إمام أوغلو الذي يحظى بشعبية واسعة ويُعدّ المنافس الأبرز للرئيس التركي، رجب طيب أردوغان. وكان حزب الشعب الجمهوري يستعد لتسميته رسميًا، يوم الأحد المقبل، كمرشحٍ لمنافسة أردوغان في الانتخابات المقبلة.

يُشار إلى أن اعتقال إمام أوغلو جاء بعد قرار صادر عن جامعة إسطنبول بإلغاء شهادته الجامعية، بدعوى حصوله عليها بطرق غير قانونية. ومن شأن هذا القرار أن يشكل عائقًا أمام ترشحه للانتخابات الرئاسية المقررة في عام 2028، إذ تشترط القوانين التركية أن يكون المرشح حاصلًا على شهادة جامعية. كما أن هناك تكهنات بأن الانتخابات قد تُجرى بشكل مبكر، في ظل الحديث عن نية أردوغان الترشح لولاية رئاسية ثالثة، وهو ما يتطلب إما تعديل الدستور أو الدعوة إلى انتخابات مبكرة، نظرًا لأن الدستور الحالي لا يسمح بأكثر من ولايتين متتاليتين للرئيس".

سجّلت الليرة التركية انخفاضًا بنسبة 12%، كما عرفت بورصة اسطنبول انخفاضات، وصلت إلى 7% في المؤشر الرئيسي للبورصة.

وفي أولى تداعيات اعتقال إمام أوغلو من قبل الشرطة، تراجعت الليرة التركية بنسبة 12%، ليصل سعر الصرف إلى 42 ليرة مقابل الدولار، كما شهدت بورصة إسطنبول انخفاضًا حادًا، حيث تراجع المؤشر الرئيسي للبورصة بنسبة 7%..

ملابسات الاعتقال والتهم الموجهة لإمام أوغلو

دهمت الشرطة التركية، فجر الأربعاء، منزل إمام أوغلو البالغ من العمر 54 عامًا، واقتادته إلى أحد مقراتها الأمنية. ووفقًا لوكالة "رويترز"، يواجه رئيس بلدية إسطنبول تهمًا في قضيتين منفصلتين؛ الأولى تتعلق بـ"تزعمه منظمة إجرامية، وتلقي الرشاوى، والتلاعب في المناقصات"، بينما تتناول القضية الثانية اتهامات بـ"مساعدة منظمة إرهابية".

وفي مقطع فيديو نُشر على وسائل التواصل الاجتماعي، ظهر إمام أوغلو وهو يقول إنه "لن يستسلم وسيواصل الوقوف صامدًا في وجه الضغوط". كما كتب في منشور على منصة "إكس": "لا يمكن إسكات إرادة الشعب من خلال الترهيب أو الإجراءات غير القانونية. أنا ثابت على موقفي، وأُسلم نفسي ليس فقط لـ 16 مليون مواطن في إسطنبول، بل لـ 86 مليون مواطن في تركيا."

عقب تنفيذ الاعتقالات، أفادت منظمة "نت بلوكس.أورج"، المعنية بحرية الوصول إلى الإنترنت، بأن السلطات التركية قيدت الوصول إلى منصات التواصل الاجتماعي الشهيرة، بما في ذلك "إكس"، و"يوتيوب"، و"إنستغرام"، و"تيك توك". كما أصدر مكتب محافظ إسطنبول قرارًا بحظر جميع التجمعات والاحتجاجات في المدينة لمدة أربعة أيام. وفي خطوة أخرى، أغلقت السلطات عدة طرق رئيسية في إسطنبول، فيما اعتُبر محاولة واضحة، وفقًا لوكالة "أسوشيتد برس"، لمنع أي احتجاجات محتملة عقب الاعتقال.

وفي سياق متصل، لفتت "رويترز" إلى أن هذه الحملة القانونية المتصاعدة شملت توجيه العديد من لوائح الاتهام ضد مسؤولين معارضين، فضلًا عن تعيين أمناء حكومة في مناصب بلدية كانت خاضعة لسيطرة المعارضة. وفي إطار هذه الإجراءات، لا يزال زعيم الحزب القومي، أوميت أوزداغ، قيد الاحتجاز منذ يناير/كانون الثاني الماضي.

يُذكر أن إمام أوغلو نجح في انتزاع رئاسة بلدية إسطنبول من حزب العدالة والتنمية، الذي سيطر على البلدية لنحو ربع قرن، وذلك بعد فوزه في الانتخابات البلدية مرتين متتاليتين، مما عزز مكانته كأحد أبرز المنافسين المحتملين للرئيس التركي رجب طيب أردوغان في المستقبل.

المعارضة تصف الاعتقالات بالانقلاب:

وصف زعيم حزب الشعب الجمهوري، أوزغور أوزيل، اعتقال إمام أوغلو بأنه "محاولة انقلاب"، وحثّ جماعات المعارضة على التوحد. وأضاف، قبل توجهه إلى إسطنبول من العاصمة أنقرة، أن الحزب سيمضي قدمًا في اختيار إمام أوغلو زعيمًا له يوم الأحد، بغض النظر عن الاعتقال، مشددًا على أن "تركيا تشهد انقلابًا ضد الرئيس القادم"، وفق تعبيره.

بدوره، أدان حزب الشعوب الديمقراطي التركي المؤيد للأكراد الاعتقالات، مطالبًا بالإفراج الفوري عن جميع المعتقلين.

وكتبت تولاي حاتيموغولاري، الرئيسة المشاركة للحزب، على منصة "إكس": "إن مداهمة منزل إمام أوغلو فجرًا واعتقاله عارٌ لن يُنسى لقرون. هذه العملية، التي تُزعزع الثقة بالعدالة، هي محاولة لإعادة صياغة السياسة من خلال القضاء."

يُذكر أن حزب العمال الكردستاني كان قد أعلن، الشهر الفائت، وقف إطلاق النار استجابةً لدعوة زعيمه المسجون عبد الله أوجلان لنزع السلاح، في خطوة كبيرة نحو إنهاء الصراع الذي أودى بحياة أكثر من 40 ألف شخص. ومن المتوقع، وفقًا لوكالة "رويترز"، أن يكون لهذا القرار أثرٌ بارز على جهود تحقيق السلام الإقليمي.

في السياق نفسه، وصفت منظمة "هيومن رايتس ووتش" التهم الموجهة إلى إمام أوغلو بأنها "ذات دوافع سياسية وزائفة"، وطالبت بالإفراج الفوري عنه.