30-أكتوبر-2016

بائع السمك المغربي محسن فكري في سيارة القمامة الضاغطة التي سحقته

بدأت شرارة الثورات العربية عندما أضرم بوعزيزي النار في نفسه اعتراضًا على مصادرة سلطات البلدية للعربة التي يبيع عليها الخضار والفاكهة ويكسب منها قوت يومه، وتلت الثورة التونسية، ثورة 25 يناير في مصر والتي كانت شرارتها تجاوزات أفراد الأمن أيضًا، فكانت شرارة الثورة تحمل "كلنا خالد سعيد" الشاب الذي قُتل في الشارع من قِبل فرد شرطة.

يوم الجمعة الماضي شهدت المملكة المغربية احتجاجات واسعة بسبب مقتل المواطن تاجر الأسماك محسن فكري بشكل مؤلم ومأسوي، بأمر من أحد أفراد الأمن، وقد بدأ الأمر عندما صادرت السلطات المحلية الأسماك التي كان يبيعها بدعوى عدم صلاحيتها وإلقائها بشاحنة القمامة، الأمر الذي استفز تاجر الأسماك ليلقى بجسده داخل الشاحنة محاولًا استرداد بضاعته.

دائمًا وأبدا تكون تجاوزات قوات الأمن سببًا رئيسيًا في انهيار الأنظمة واشتعال الثوارت

ليأمر فرد الأمن المسؤول، سائق الشاحنة، بتشغيل وإدارة آلة شفط القمامة قائلًا #طحن_مّو، أي "اطحن أمّه"، ليموت الشاب المغربي في مشهد بشع محاولًا استرداد أسماكه.

ولتدخل الدولة المغربية في دوامة الانتفاضات والمظاهرات المعترضة على الحادث، والمطالبة بحق تاجر الأسماك ومحاسبة المسؤولين. ويصبح هاشتاج #طحن_مو شرارة جديدة لانتفاضة شعبية ضد تجاوزات رجال الأمن في المغرب العربي.

دائمًا وأبدا تكون تجاوزات قوات الأمن سببًا رئيسيًا في انهيار الأنظمة واشتعال الثوارت. فتحاول الأنظمة الديكتاتورية بشتى الطرق قمع الحريات والآراء المعارضة لسياساتها، وخمد أي محاولة للم شمل الجمهور حول رأي عام معارض أو حركة معارضة على أرض الواقع لمواجهة الانتهاكات ورفض الأوضاع الاقتصادية المتدنية وفرض واقع مختلف ورقابة شعبية على أجهزة الدولة.

إلا أن الواقع المعيش يشير بقوة إلى وجود علاقة طردية بين الأنظمة الديكتاتورية القمعية وغباء الأجهزة الأمنية المسؤولة عن حمايتها، فكلما توحش نظام ما في فرض رقابته وأساليب قمعه، تميزت أجهزته الأمنية وأساليبها بالغباء الذي يورط النظام أكثر ويغرق البلاد في دوامات من العنف غير المنتهي.

اقرأ/ي أيضًا: بوعزيزي مغربي..تاجر سمك "يطحن" دفاعًا عن بضاعته

نحن في مصر نعاني بشكل يومي من التوحش المتصاعد للأجهزة الأمنية حتى أنه في العام الماضي فقط، سُجّلت أكثر من 1250 حالة اختفاء قسري، حسب توثيق منظمات المجتمع المدني، بالإضافة لـ 267 حالة قتل خارج الإطار القانوني.

وحتى أنه في مطلع العام الجاري شُنت حملة واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي تحمل عنوان "دولة حاتم" و"حاتم هيتحاكم" إشارة لدور الممثل "خالد صالح" في فيلم "هي فوضى" والذي جسد جزءًا من تجاوزات أفراد الأمن أو بالتحديد أمناء الشرطة.

ومن أبرز الحالات التي أشعلت غضب الشارع في العام الجاري عندما قتل أمين شرطة سائق أجرة في فبراير الماضي بمنطقة الدرب الأحمر بعد مشادة كلامية حول قيمة الأجرة، وبعدها بشهرين في أبريل، قُتل شاب يعمل على "نصبة شاي" بمدينة الرحاب بمسدس أمين شرطة بعد أن رفض الأمين دفع قيمة المشروبات.

نقبع سويًا تحت منصة سلطات عربية مستبدة تطلق الشارة الخضراء لأجهزتها الأمنية لتمارس ما تريده

نحن نقبع سويًا تحت منصة سلطات عربية مستبدة تطلق الشارة الخضراء لأجهزتها الأمنية لتمارس ما تريده كي تحصل على مبتغاها المتمثل في استمرارها بالحكم.

وبقدر ما كانت صورة محسن فكري مؤلمة ومحركة لضمير كل من يملك ضميرًا، بقدر ما تذكرت أن يوميًا هناك محسن فكري في مصر يُطحن من قوات الأمن ولكن لا نسمع عنه ولا نملك صورًا للتنكيل به أو معلومات تعذيبه.

وصلنا للدرجة التي نعتبر فيها أن سعيد الحظ هو الذي تعترف السلطة بوجوده بعد إخفائه قسريًا، مات الشعور من كثرة ما تعرضنا له من أخبار يومية للتعذيب والقتل والتصفية الأمنية والاختفاء القسري.

لم يعد باليد حيلة سوى التضامن الإنساني. نحن الشعب المصري المطحون بالرحى كحبات القمح نشاركك الطحن يا بائع الأسماك، نحن نطحن كل يوم بيد السلطة الغاشمة ذاتها وإن اختلفت الأسماء، نحن نموت يوميًا بفعل اللسان الآمر بلفظة "اطحن أمه".

 

اقرأ/ي أيضًا:

كيف تصبح اتفاقيات حقوق الإنسان ستارًا للانتهاكات؟

الانتخابات التشريعية بالمغرب.. غموض الرؤية