27-فبراير-2016

برنار بوتون/ فرنسا

نظرة محافظ المنيا وهو يتسلم بيضة تحمل اسم الله خرجت من مزرعة دواجن في محافظته لتدخل دولاب إنجازاته، كانت مليئة بالخشوع، والشعور بالقرب من الله، الذي منّ على عهده ببيضة مقدسة يستطيع بها أن يستمر في منصبه فترة أطول، ويتعامل معها معاملة المنحة الإلهية، يحتفظ بها في علبة قطيفة، ويلمسها بلطف، وينقلها من مكان لآخر برقة ويقبل قشرتها كأنه يعبدها ولا يتقرب بها إلى مجانين الجماعات الدينية وحدهم.. إنما "يتقرب بها إلى الله زلفى" على طريقة المشركين.

 في مصر، لدى المسلمين بيضة عليها اسم الله، ولدى المسيحيين طماطم مرسوم على قلبها صليب في الجيزة

محافظ المنيا مواطن مصري بسيط وجد الكاميرات تحيطه، والجرائد تزفه على صفحاتها، وهو يحتفل ببيضة تحمل اسم الله كأي مواطن مصري يحمل في قلبه إيمانًا فطريًا، وعلاقة روحية أقوى من العلم وأضعف من الخرافة، لا تستولى على المسلمين فقط.. يشاركهم فيها المسيحيون أيضًا، الذين ينافسون البيضة المختومة باسم الله الآن بـ"طماطم" مرسوم على قلبها صليب في الجيزة، وقالوا على صفحاتهم الدينية الخاصة إنه حتى الطماطم تؤمن بصلب المسيح، وتصلي وتسبح باسم الثالثوث المقدس، بينما هناك بشر قلوبهم مظلمة يكفرون الأقباط، ولا يؤمنون بالمسيح وحده.. لا شريك له.

اقرأ/ي أيضًا: عنتريات فرعون صغير

هناك مواطن وحيد أكثر إيمانًا من كل هؤلاء، ولا ينتظر بيضة أو "طماطماية" تثبت له صحة عقيدته، سخر منهم جميعًا وقال إن "المسلمين وجدوا بيضة تحمل لفظ الجلالة، والمسيحيين عثروا على صليب في قلب طماطم، وباقي -فقط- قرن فلفل عليه نجمة داوود ونعمل (شكشوكة مقدسة)"!

والسؤال الآن.. لماذا يصر المصريون على اختراع بيضة مقدسة تثبت وجود الله، أو "طماطماية" تؤكد رسالة المسيح؟ وهل الله في حاجة إلى أن يطبع اسمه على قشرة بطاطس أو طماطم أو كف مولود خرج من بطن أمه حالًا أو بقرة أو خروف، لكي يثبت أنه موجود وحاضر في الكون ويتجلّى في الأشياء، ويقول: أنا هنا فاعبدوني. 

هناك ملايين مثل محافظ المنيا يعبدون الوهم من دون الله على فيسبوك، ينشرون قصص أجنحة الفراشات والزهور والخضروات التي تحمل اسمه، أو رسم يشبه اسمه، أو بغبغان يسبح بحمده، كل يوم كمعجزة إلهية رغم إن زمن المعجزات انتهى، ولا يمكن أن يخسف الله المعجزات التي يستقوى بها الأنبياء في رحلة نقل رسالته من شق البحر والخروج من بطن الحوت وإحياء الموتى إلى التوقيع على قشر البصل والموز والتفاح والبيض؟ 

هل يحتاج المصريون أن يعرفوا الله بعد أكثر من ألف سنة خبرة في عبادته؟

وهل يحتاج المصريون أن يعرفوا الله بعد أكثر من ألف سنة خبرة في عبادته، ورفع الأيادي إليه بالدعاء والعشم، وبناء مساجد تحمل أسماءه، وصفاته، وأزهر ودعاة وكتب ومصاحف وقنابل وسيوف كانت تقدسه، وتفتح باسمه ولاسمه أرضًا جديدة؟ 

اقرأ/ي أيضًا: مصر.. السخرية تنهي هدوء "يناير"

إذا كان الله مشغولًا بالتوقيع على منتجاته، التي لا دخل للبشر بخلقها (نحن نرمي البذرة فقط، ونفاجأ بها نبتت وكبرت وأصبحت ثمرة على المائدة فنأكل، ونحمد الله، ونشكره) سيذهب بالموز والبطاطس والطماطم التي تحمل توقيعه، والأطفال الذين تحمل كفوف أياديهم "الحمد لله" إلى بريطانيا وكندا وأستراليا والفاتيكان، كدعاية لدينه في بلاد ملأت أعلامها بالصلبان، وسيفتح "تل أبيب"، عاصمة أعداء الله والدين، للإسلام بالبيض الذي يحمل توقيعه وختمه الرسمي ولكن هذه المرة بالعبرية وليست العربية.. فالعرب ليسوا في حاجة إلى أن يثبت الله لهم إنه موجود، والمنيا لا تنتظر بيض الإسلام.. اطمئن يا رب، المنيا أسلمت.

اقرأ/ي أيضًا:

السيسي.. خُطب الدكتاتور المأزومة

موسم ترويع الإعلام في مصر