05-مارس-2020

أندريه بوتزر/ ألمانيا

لي أصدقاء ألتقطُ معهمُ الصورَ

‎أمهاتٌ يخدعنني بالضمِّ

‎آباء يقذفونني أبعدَ كلما تسنى لهم

‎بيوتٌ أجلسُ في آخرِ زواياها مثلَ طفل مُعَاقَبٍ

‎هاتفي لا يطلبهُ أحدٌ

‎رغمَ أنهُ مشغولٌ طُوالَ الوقتِ

‎غالبًا ينقذني الآخَرونَ بعدَ فواتِ الأوان

‎يهرعُ الأطباءُ

‎حيثُ لم يعد من فائدة.

‎أشغلُ أقلَّ من متر ونصف منَ الفراغ..

‎لا أتبولُ على أطرافِ الحمامِ

‎وأرضخُ لكلِّ الأوامرِ والتعليماتِ

‎أعيشُ في الخضوعِ

‎وأموتُ بالطاعةِ

‎(مالي سِئلة)

‎يقولُ لي صديقي الذي تُدهشهُ وداعتي

‎: وأبدو لطيفًا

‎: تقولُ لي أخرى دَهَسَتني محبتها

‎وهيَ تعملُ في حقوقِ الانسان..

‎آكلُ وجبةً واحدةً

‎لاجئ

‎اسمي أربعُ أرقامِ

‎ألتقطُ الصورَ بهاتفِ نقالِ لحياتي المتوقفة بالواقع.. تزدهرُ في الصور

‎ألجأ إلى الأماكنِ العامةِ وأقفُ قربَ المنشآتِ لألتقطَ خطَّ إنترنت سريع

‎ومجاني

‎كلّ يوم يموتُ أحدٌ تعرفهُ أمي في دمشقَ وضواحيها

‎تخبرني ولا تبكي

‎- وهذا أخطرُ على كلِّ حال -

‎كلّ يوم ينجو أخي من قذيفة

‎يعملُ على خطِّ العباسيين

‎سنغيّرُ له الخطَّ قريبًا

‎لينجو..

‎أقصدُ... كي يموتَ متأخرًا بعضَ الوقتِ

‎الأمرُ سهلٌ كما ترون

‎لاجئ

‎أصافحُ كلَّ السويديين حينَ أمرُّ بالطرقات

‎أهنئهم كم هم بشرٌ

‎أشغلُ مترًا ونصف من الفراغ

‎"وودي آلن" يقولُ لي، لا جدوى

‎ولكن شتت نفسكَ بقصيدةِ ريثما تموت.

‎كلُّ أصدقائي الرجال لم يفقدوا عذريتهم

‎أبكي معهم نساءَ مستحيلات وأكاذيبَ نختلقها كي نمضي ليلةً تفوحُ منها رائحةُ امرأة

‎في النادي أستحمُّ مع رجال بلا سراويلَ داخلية

‎وحدي أرتدي سروالًا مثلَ عار

‎أو خطيئةٍ

‎ملحدٌ ويخجلُ!

‎يضحكُ الآخرُ الذي يختفي بي

‎يرفعُ إصبعهُ الوسطى

‎وحدي الذي أرتبك

‎أشغلُ مساحةً ضئيلةً من الحياةِ

‎أمسحُ نقاطَ التبولِ عن "بيديه" الغرباء

‎لأنسى ضغطَ "السيفون"

‎أمشي ذاهلًا قليلًا

‎لجأتُ لجمعيةِ الحفاظِ على النوعِ

‎أنا كائنٌ نادرٌ

‎أقولُ للموظفةِ التي تنظرُ إليَّ بعينينِ بلهاوتينِ

‎وفم فاغر منَ الدهشةِ

‎أراقبُ الرجالَ والنساءَ وهم يتعقبونَ خراءَ كلابهم

‎يا للرِّقةِ

‎يلمونها بكلِّ حرصِ بأكياسِ نظيفة

‎عيونٌ زرقٌ فاتنةٌ، وقاماتٌ رشيقةٌ وتشيل بكلِ طيبةِ خاطر غائِطًا عن هذهِ الأرض

‎يا للحظّ

‎لن أصيرَ عجوزًا مثلَ الكثيرينَ من حولي

‎بعربات يستندونها وبطءٍ متمهل، وأعين متحفظة

‎سأموتُ قبلَ ذلكَ

‎بإبرةِ انتحار

‎أنتظرُ الاقامةَ

‎يقولونَ لا يوجدُ عملٌ

‎ولا سكنّ

‎وبعدَ سنتينِ سيطردكَ "الكامب"

‎يبدو المستقبلُ باردًا

‎تبدو النهايةُ غيرَ سعيدة

‎ولستُ نادمًا

‎أنا لاجئ

‎اسمي أربعُ أرقام

‎ولا وطنَ لي

*

 

وأخيرًا خدعت الأوروبيين

فأنا لست طويلًا

ولا أملك أي موهبة

ولون شعري ليس أشقرَ

وأضع عدسات لاصقة

أنا لا أرتعد من الخوف أمام المحقق

وفكرة أني لا أفقه شيئًا في هذا العالم الإلكتروني

استطعت أن أخدع شارة المرور

وأقطع دون أن تنتبه

أو تلتقط الصور

أن أحتال على نشرة الأرصاد الجوية، وأظن أن الجو صيف، رغم شتاء قارس

أني لا أبكي حين انتبه أحدهم عيناي الدامعتين

لقد ضللته بابتسامة محت شكوكه

لقد خدعت الأوروبيين

لست يائسًا إلى هذا الحد

ولا أفكر برمي جثتي من أقرب نافذة

ولست مضطربًا لأنني سأكون بلا عمل

ولا منزل

ولا راتبًا لوقت طويل

أنني لست خائفًا من أحد

ولا أتوجس من أحد

وأنني آكل أكلًا صحيًا

وألعب الرياضة

ولدي عائلة

أني لا أجرّ ألاف الجثث خلفي

وأسماء المفقودين ومئات القصائد التي تنزّ بالدم

لقد استطعت أن أخدع الأوربيين

عبرت بشكل محترم

وتجاوزت كل حواجزهم وكلابهم البوليسية باحتراف مدهش

وقدمت مرافعة ممتازة في جلسات التحقيق

واتجه إلى نهاية محتومة

يقولون لي جميعًا إنها لا تليق

ولا تستحق كل هذا العناء.

 

نعم لقد خدعت الأوروبيين

ونجحت

ولا أعرف لماذا أشعر بكل هذا الفشل المرير.

 

اقرأ/ي أيضًا:

هرم اللوز جَوّابُ الحارات

في رثاء التفاصيل الصغيرة

دلالات: