14-نوفمبر-2018

من احتجاجات الطلاب في المغرب على تثبيت التوقيت الصيفي (فاضل سينا/ أ.ف.ب)

نزل على رؤوس المغاربة قانون تثبيت الساعة الصيفية كتوقيت دائم للبلاد، منزلة المفاجأة الذميمة. وبشكل غير محسوب، تم إقرار هذا الخطب من طرف الحكومة، دون أن تترك مجالًا زمنيًا للشعب كي يبدي رأيه فيه.

قاطع طلاب المغرب الدراسة، وخرجوا إلى الشوارع احتجاجًا على القرار المفاجئ بتثبيت التوقيت الصيفي طوال العام

تمرير القرار بهذه الطريقة، التي تبدو في ظاهرها دستورية جدًا، وفي حقيقتها تتجاهل تمامًا رأي المواطنين؛ خلق حالة من السخط الشامل، سخط على القرار في حد ذاته، وسخط أكثر على ما اعتبره المواطنون استغفالًا لهم.

اقرأ/ي أيضًا: المغرب ينتقل إلى التوقيت الصيفي.. 5 أسئلة تحل غموض الساعة الإضافية

هذا ما جعل طلاب المغرب وتلاميذه يخرجون إلى الشارع، يقاطعون الدراسة لأيام، ويخلقون الحدث بشكل ينافي كل التوقعات والحسابات الاستراتيجية، احتجاجًا على ما يرون فيه ضررًا بالنسبة لهم، له أثر على مسارهم التعليمي.

ليس جيل الطلاب الحالي استثناءً نضاليًا في تاريخ المغرب، وليست هذه هي المحطة الأولى التي خرج فيها هذا الجيل محتجًا، في حين يخلق استثناء ممارسيًا، قيميًا وأخلاقيًا مؤسفًا، ما يدعونا لسرد قصته كاملة، تمكينًا للقارئ مما يستتر داخل هذه القضية.

كل شيء بدأ ليلة الخميس

كانت بداية القصة يوم الخميس، 25 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، عندما توالت الأنباء في الصحف الإلكترونية وعلى مواقع التواصل الاجتماعي عن حالة من الاحتجاج والغضب تجاه قرار الوزير المنتدب المكلف بإصلاح الوظيفة العمومية، دعوة الحكومة إلى اجتماع استثنائي مستعجل للمصادقة على قرار تثبيت الساعة الصيفية.

أتى كل هذا وسط مفارقة مربكة، فقبل دقائق من إعلان الوزير، كان التلفزيون الرسمي قد بث بيانًا يذكر فيه الشعب بإرجاع عقارب الساعة ليلة الأحد، ستين دقيقة، عودة إلى التوقيت القديم.

واجتمعت الحكومة صبيحة اليوم الذي يليه، فصودق على القرار بالإجماع، ودون أي معارضة، وخرج بداية الأسبوع الموالي بالجريدة الرسمية، إلزاميًا لكل المغاربة.

جذور تعليل هذا الأمر تمتد إلى مرحلة ما قبل الحكومة الحالية، فإقرار الساعة الصيفية دائمًا ما كان ملحوقًا بتبريرات مثل: ترشيد الاستهلاك الطاقي، وتدليل الفارق الزمني، أو مطابقته، بما ينفع القطاعات الاقتصادية المغربية المرتبطة بالخارج.

هذا ما عاد مجددًا على لسان الوزير المذكور، محمد بن عبد القادر، في تصريح له قال فيه: "يمكن ربح ساعة من الضوء الطبيعي، وتقليص مخاطر الذروة في استهلاك الكهرباء". كما أشار إلى أن "تثبيت التوقيت سيجنب المغاربة الارتباك الناجم عن إعادة ضبط ساعاتهم لأكثر من مرتين في السنة".

لم تحُل تبريرات الوزير دون تعبير المغاربة عن رفضهم لهذا القرار، وإصرارهم على كونه سوء تدبير لمَّ بهم، ما خلق زخمًا عموميًا كبيرًا، كان من المفترض تدخُّل المؤسسات بنقله إلى ذوي القرار، غير أن الأمر لم يكن كذلك.

المساحة التي لم تشغلها المركزيات النقابية ولا الأحزاب السياسية، تركت فراغًا، من جهة يضم كافة التعبيرات الرمزية عن رفض القرار، ومن جهة أخرى يفسح مجالًا لتبلور أشكال أخرى من الاحتجاج غير المؤسس، وذلك ما كان فعلًا بخروج طلاب المدارس الثانوية إلى الشارع، رفضًا لما ألزموا به من قبل الحكومة.

لماذا يرفضون الساعة؟

ما أتى به الشطر الأول من الدراسة، التي نشرتها الحكومة، كتقييم للتوقيت الصيفي، والتي يمتد إنجازها من آذار/مارس 2018 إلى 2019، من أرقام تعبر عن الوقع المذموم لهذا التوقيت على المواطنين، وخاصة التلاميذ، حيث أبان استطلاع الرأي المعتمد فيها أن 80%؜ من أولياء أمور الطلاب أقروا أثره السلبي على أبنائهم، و54%؜ من المغاربة بما فيهم رجال التعليم، أكدوا على تأثر مستوى تركيزهم بفعل زيادة الساعة.

إضافة إلى ذلك كون تثبيتها حتّم على الحكومة إعادة ضبط الزمن الإداري، والزمن التعليمي بالنسبة لوزارة التعليم، والتي حددته في الفترة الصباحية من الثامنة صباحًا إلى الواحدة ظهرًا، وفي الفترة المسائية من الواحدة إلى الخامسة عصرًا، ما يقلص فترة استراحة الغذاء إلى ساعة واحدة، ويتفادى هبوط الظلام وقت مغادرة التلاميذ حجرات الدرس آخر النهار. مع ترك قابلية تكييف هذا التوقيت للأكاديميات الجهوية، كلٌ حسب جهة نفوذه الإداري.

إنهم يحتجُّون!

خرج الطلاب والتلاميذ إلى شارع رفضًا لهذا القرار، أي قرار زيادة الساعة وما ترتب عليه من إعادة تحديد الزمن الدراسي، مقاطعين الدراسة منذ ثلاثة أيَّام، يجوبون الشوارع الرئيسية في كل مدن المغرب، جحافل تهتف بما يعبر عن غضبها.

وتُبيّن الشعارات المرفوعة من طرف التلاميذ، أن إدانتهم للقرار المذكور ليست إلا مسلكًا للتعبير عن مجموع إرهاصات، بلغت بهم مبلغًا ينتفي الصمت حياله، ومن خلالها يوجهون رسالتهم إلى المسؤولين بـ"أننا واعون بفشل سياسات التعليم الحكومية! وأن جيل الـ2000 ليس مغفَّلا!".

وتنظيميًا، لا تنم مظاهرات التلاميذ عن أي خطاب سياسي أو أيديولوجي، ولا تنتمي لأي جهة سياسية، بل إنها عفوية لدرجة أن وصفها البعض بالصبيانية. وتتخذ شكلًا واضحًا للممارسة الميدانية، حيث الصراخ المتأثر بأشكال تعبير الألتراس ونفس طريقة رفع الشعارات، ونفس طريقة تنظيم رفعها، نفس أهازيجها وهتافاتها، و"كأن الشارع مدرج ملعب، وكأن كلَّ ما في الأمر مباراة كرة".

 لا تنم مظاهرات التلاميذ عن أي خطاب سياسي أو أيديولوجي، ولا تنتمي لأي جهة سياسية، بل إنها عفوية بدرجة كبيرة

تحيل هذه الملاحظة الوصفية إلى عديد المستجدات في الساحة المغربية، تقوم على الاختلاف مع ما أبرزته الدراسات السوسيولوجية السابقة لهذا الموضوع، وعلى رأسها دراسة عبد الرحيم العطري، والتي خلصت إلى كون السلوك الاحتجاجي في المغرب يبقى رهين التوظيف السياسي له، من طرف سياسي ضد آخر، في إطار تناقض الأطراف السياسية في الساحة المغربية. 

اقرأ/ي أيضًا: جامعات المغرب.. تاريخ موسوم بالدماء

في الحالة الأخيرة، يجري هذا السلوك خارج السياسي، وينزاح فيه الفاعل التقليدي إلى هامش المراقب، في حين يشغل محله الانفعال العاطفي دور المحرك الفكري، والتنظيم الأفقي، الذي أخذ ينمو في السنوات الأخيرة في حيز محايد سياسيًا على ما يبدو، وفي حالة الحياد الشعبية نمى داخل أوساط الشباب، وداخل المساحة الفاصلة بين مطبخ السياسة وبين الواقع المُعاش للطبقات المتدنية هرم الاجتماع المغربي.

تمركز الألتراس في طليعة الحركة الاجتماعية المغربية، يوضح بجلاء إفلاس المؤسسات التنظيمية التقليدية، من جهة لعدم استطاعتها الحالية على استيعاب الشباب الذي ينفر أساسًا من ممارستها، ومن جهة أخرى لجمودها أمام حركة التاريخ الجدلية التي تحيل على الدوام الثابت إلى هامشه، وهي الآن على هامش الممارسة، بينما المجال محجوز بما استجد ويستجد بالانضباط إلى الشروط المادية للحظة.

تاريخ احتجاج الطلبة والتلاميذ

ما تجدر الإشارة إليه، كون الاستثناء الممارسي للحركة الاحتجاجية الطلابية الحالية، لا يمثل استثناء تاريخيًا بالنسبة للمغرب. ولطالما عرفت البلاد انغماس طلابها في هذه الممارسات، تختلف محددات كل منها حسب شروط وجودها التاريخية.

ويعود ميلاد الحركة التلاميذية إلى أول تأسيس للمدرسة المغربية، فترة ما قبل الاستقلال، وكان تحركها وفق تلك الفترة؛ بلورة خطاب مناوئ للحماية الفرنسية، فشكلت بذلك نواة الحركة الوطنية، وبزغ منها رجالات التحرير الوطني، الذين أدوا دورين داخل المدرسة، الأول تعليمي والآخر تربوي، وساهم في ذلك التأثر اليساري الذي كان منتشرًا بينهم. 

وبعد الاستقلال، سينتقل المغرب إلى مرحلة البناء التي واكبها التلاميذ بدورهم، وكانت بذور الحركة الوطنية مازالت راسخة بينهم، فأسسوا الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، بالرئاسة الشرفية لولي العهد آنذاك مولاي الحسن، وهي المنظمة الطلابية النقابية الباقية إلى الآن، بشكل خافت لكن موجودة رغم ذلك.

وسيعرف المغرب إبان تلك المرحلة تفتق لحمّة الطبقة السياسية، بين القصر وحزب الاستقلال، وبين الوافد الجديد على الساحة، أي الاتحاد الوطني للقوات الشعبية. وكان للفريقين رؤى مختلفة، فواحد محافظ تقليدي، والآخر يساري متشبع بأفكار مؤتمر باندونغ. وهو اختلاف سيلقي بظلاله على حركة المنظمة الطلابية، وسيكون الغلبة فيها لليسار، الذي سيستحوذ على الممارسة السياسية للمنظمة.

احتجاجات التلاميذ في البيضاء عام 1965

وقتها كان للمنظمة امتداد وسط الجامعات وكذا مدارس المملكة، ومن هنا، في ظل ذلك الصراع، سيتم الفصل بين تسمية التلاميذ والطلبة كمحاولة لكسر امتداد الحركة الطلابية، بما تدل الأولى على المتعلمين في السلك الثانوي فما تحت، والثانية في السلك الجامعي.

لن تكون الحركة التلاميذية معزولة عن الزخم الاجتماعي، وسيكون لها صدامات دامية مع السلطة، أولها بتاريخ 23 آذار/مارس 1965، ردًا على قرار الحكومة بمنع التلاميذ كبار السن من متابعة الدراسة الثانوية، وسيخلف ذلك الصدام عشرات ضحايا، بعد أن ووجه بقمع شرس.

صحيح أن لتلك الأحداث سبب مباشر، غير أنها لم تخرج عن مناخ المرحلة الذي تميزت باحتقان اجتماعي كبير، وغلاء آلم الطبقات الشعبية، إضافة إلى ما سبق ذكره من تطاحن بين مكونات المشهد السياسي وقتذاك.

وستعود الأمور إلى هدوئها، وسيطول الهدوء لأمد، تتخلله من فينة إلى أخرى احتجاجات لكنها تأخذ طابعها القومي، في ظل الأحداث البارزة التي كانت تطفو على سطح واقع المنطقة مثل الصراع العربي الإسرائيلي، والحرب الأهلية اللبنانية، والثورة الإيرانية.

وصولًا إلى سنة 1984، بتطبيق المغرب آنذاك سياسة التقويم الهيكلي، إذ زاد الاحتقان الاجتماعي، واستجاب اليسار لذلك الوضع، وكان أول المتحركين في إشعال الانتفاضة هم تلاميذ المغرب. وهي انتفاضة ووجهت بذات القمع، وخلفت قتلى وجرحى بالعشرات، لا يفوقهم عددًا إلا الاعتقالات التي طالت صفوف الشعب.

لطالما عرفت المغرب انغماس طلابها وتلاميذها في الممارسات الحركية الاحتجاجية منذ عهد الاستقلال وحتى المظاهرات الحالية

ثم خلال سنوات التسعينات، ستعود الأمور إلى هدوئها مرة ثانية، ولن تعرف بعد ذلك زخمًا وصولًا إلى هذه السنة، حيث اشتعل غضب الطلاب والتلاميذ مجددًا، في قضية يبدو أنها لم تكن إلا الشعرة التي قصمت ظهر البعير.

 

اقرأ/ي أيضًا:

كيف يخدم التوقيت الصيفي نخبة المال والأعمال في المغرب؟

الحركة الطلابية في المغرب.. سبات عميق بعد سنوات من التنكيل السلطوي