قبل عشرة أيام تقريبًا، كتب الناشط شربل خوري على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، منشورًا سخر فيه من قصة تم تداولها في الفترة الأخيرة في لبنان، عن "معجزة" لمار شربل، القديس الذي عاش في القرن التاسع عشر في لبنان. وبالرغم من أن الطرفة سخرت من إيمان الناس بالمعجزة، وليس من القديس نفسه، فإن سيلًا من الرسائل انهال على صفحة شربل خوري وعلى بريده الخاص، تضمنت تهديدات وشتائم وإهانات شخصية له ولعائلته. فيما تلقت الصحافية جوي سليم التي وضعت تعليقًا على منشور خوري هي الأخرى، شتائم وإهانات بسبب هذا التعليق.

أعادت حادثتا خوري وعواد، الحديث عن موضوع وواقع الحريات في لبنان، وعن غياب الشفافية والمعايير الواضحة

نشر شربل خوري التهديدات والإهانات والرسائل التي وصلته، على صفحته في فيسبوك أيضًا، والتي قال إن معظمها أتى من مناصري القوات اللبنانية. في الأيام التالية استدعى مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية شربل خوري للتحقيق معه، وأوقف لعدة ساعات، ووقّع على تعهد بإغلاق صفحاته في مواقع التواصل لمدة شهر كامل، وبعدم التعرض للمقامات والرموز الدينية في المستقبل.

استقبل الناشطون القرار هذا بغضب وسخط، واعتبروا أن الأجهزة الأمنية تغاضت عن عشرات رسائل التهديد التي وصلت للناشط شربل خوري، وأن العهد الذي يصف نفسه بـ"القوي"، لا يستطيع تحمّل طرفة. كذلك استغربوا قرار إجبار شربل خوري على إغلاق صفحته لمدة شهر، ووصفوا القرار بـ"الفاشي"، ورأوا أن الأجهزة تحاول إعادة البلاد إلى زمن الوصاية السورية، فيما العالم يسير قدمًا إلى الأمام.

في الأيام التالية، استدعى جهاز الأمن العام الناشط محمد عواد، المعروف بمواقفه المناوئة لحزب الله، من أمام منزله، واقتاده للتحقيق. خرج عواد في اليوم نفسه، وكتب على صفحته أنه وقع على تعهد بعدم التعرض للرموز الدينية. وقد لفت عواد إلى أن الذين حققوا معه لم يكونوا على علم ما هي تحديدًا التهمة الموجهة إليه، وما هي منشوراته التي أوقف لأجلها.

اقرأ/ي أيضًا: مكتب "جرائم المعلوماتية" في لبنان: البوليس إن حكم

أعادت حادثتا خوري وعواد، الحديث عن موضوع وواقع الحريات في لبنان، وعن غياب الشفافية والمعايير الواضحة، وعن الاستنسابية لدى جهاز مكافحة المعلوماتية في تحديد ما هو مباح، مع العلم أنه يتم غض النظر عن مقالات وكتابات تفوق بشكلها ومضمونها وسقفها العالي ما كتبه خوري وعواد. ويذكر في هذا المجال أن جهاز مكافحة الجرائم المعلوماتية مشكوك بالأساس بشرعيته وقانونيته من قبل كثير من اللبنانيين، كما أنه لا يوجد تعريف واضح للمنشور في وسائل التواصل الاجتماعي وماهيته من الناحية القانونية. ولا ينسى اللبنانيون الدور الأسود للرئيسة السابقة للجهاز، سوزان الحاج، في فبركة ملف عمالة لإسرائيل، للممثل المسرحي زياد عيتاني قبل أشهر.

في الأيام الماضية تم تداول أسماء عديدة لناشطين طلبت الأجهزة استدعاءهم والاستماع إلى إفاداتهم، بسبب منشورات على مواقع التواصل. ليس هذا الأمر جديدًا على الأجهزة الأمنية، فقد تكرر عشرات المرات في السنوات الأخيرة. وكان الناشطون قد أطلقوا في السابق هاشتاغ #الستاتوس_مش_جريمة للتعبير عن رفضهم الصارخ لتوقيف أي مواطن بسبب ما يكتبه على صفحته الشخصية.

وانتشر قبل يومين إطار "Frame" يظهر يدين مكبلتين بالأصفاد، ورغم ذلك تقوم الأصابع بالطباعة على لوحة المفاتيح، في إشارة إلى رفض سياسة تكبيل الأيادي وتكميم الأفواه. كذلك تم إطلاق هاشتاغ #ضد_القمع الذي انتشر بسرعة كبيرة. وقد دعا الناشطون إلى وقفة احتجاجية في ساحة سمير قصير في بيروت، يوم الثلاثاء الماضي. وقد لبّى المئات الدعوة، وتجمعوا في الساحة مطلقين صرخة في وجه السلطة الحاكمة، التي فشلت في كافة الميادين السياسية والاجتماعية، والتي تقف اليوم عاجزة عن تشكيل حكومة، رغم مرور أكثر من شهرين على التكليف، وهي اليوم تغطي فشلها وعجزها التام، من خلال حملات تكميم الأفواه، وتضييق فضاء الحرية، ومحاسبة المواطنين والتضييق عليهم، وملاحقتهم إلى آخر مساحة تعبير متبقية لديهم.

في ظل الترنح السياسي، واستمرار تردي الوضعين الاقتصادي والاجتماعي، يبدو أن الأيام  القادمة ستشهد المزيد من الشد والجذب بين المواطنين العاديين الرازحين تحت نير الظروف الصعبة، والذين يجدون في وسائل التواصل فسحة أخيرة للتعبير عن همومهم وضيقهم، وبين أجهزة السلطة التي يبدو أنها اتخذت قرارًا في إعادة عقارب الساعة إلى الوراء.

 

اقرأ/ي أيضًا:

لبنان.. حملة ضد توقيف عون لناشط بسبب "ستاتوس" رأي

مجتمعات الرعب.. كيف تزرع الدكتاتوريات الخوف في نفوس الشعوب