19-سبتمبر-2016

الشرطة الإسرائيلية شنت اعتقالات موسعة في صفوف الحزب - صورة أرشيفية

في صبيحة السابع عشر من تشرين الثاني العام الماضي، اليوم الذي أعلنت فيه الحكومة الإسرائيلية حظر الجناح الشمالي من الحركة الاسلامية، الذي يتزعمه الشيخ رائد صلاح، بدا واضحًا أن الاستهداف المباشر المقبل سيكون من نصيب حزب التجمع  الوطني الديمقراطي.

اختار نتنياهو البدء بالحركة الاسلامية، مستغلاً الأجواء المعادية للحركات الإسلامية التي هيمنت في العالم حينها، بعد هجمات دموية ضربت مدنًا أوروبية نفذها أشخاص من الأقليات المسلمة هناك، لكن نتنياهو يدرك أنه ليس بالإمكان الربط ما بين ما يصفه بـ"الإرهاب الإسلامي" والتجمع لأسباب كثيرة معلومة من بينها الخطاب الحداثي للحزب، فلجأ إلى الزعم بوجود مخالفات إدارية ومالية.

"التجمع" فضح كذبة الديمقراطية الإسرائيلية وكشف حقيقة نظامها التمييزي العنصري فتم استهداف مؤسسه والآن دور أعضائه

منذ نشأة "التجمع" عام 1995، وضع مؤسسه عزمي بشارة "إسرائيل" أمام تحدٍ كبير، بعد مطالبته بتحويلها إلى دولة لكل مواطينها، وبذلك وجّه لـ"واحة الديمقراطية في الشرق الاوسط" ضربة في مركز ثقلها القائم على اجترار فرية صيانة حقوق الأقليات، خصوصًا الفلسطينين الذين فرضت عليهم الجنسية الإسرائيلية بعد التطهير العرقي الذي نفذته الحركة الصهيونية قبل إنشاء "اسرائيل".

إذن منذ البداية لم يكن سهلاً على المؤسسة الإسرائيلية، أمام المجتمع الدولي، تسويغ حظر وملاحقة حزب سياسي، يقوم برنامجه على القيم الديمقراطيّة ويعمل لتنظيم الفلسطينين داخل "إسرائيل" كأقلية قومية ذات حقوق جماعية، وتطبيق فكرة المواطنة المتساوية. لذلك فإن الخيار المتاح كان منذ البداية استهداف قيادة الحزب، بملاحقة بشارة أمنيًّا، الامر الذي اضطره للخروج إلى المنفى عام 2007.

اقرأ/ي أيضا: الاحتلال يصعد حملته ضد قيادات التجمع ونشطائه

لكن "التجمع" لم ينهار، أما الاستهداف فقد تعاظم بالتوزاي مع تصاعد الدور الوطني الذي يؤديه "التجمع" سواء داخل الخط الأخضر في صيانة الهوية الفلسطينين للأجيال الناشئة، أو ذلك الدور المتعلق بالقضية الفلسطينية في غزة والضفة الغربية الشتات.

لم تنجح المحاولات الكثيرة التي يصعب إحصاؤها لإقصاء "التجمع" من الحيز ومنع ممثليه من الترشح للانتخابات النيابية العامة عبر الوسائل القضائية، ومع ذلك لم تتوقف الآلة الدعائية الإسرائيلية عن "عملية الشيطنة" المتواصلة  لحزب "التجمع" ونوابه في الكنيست، تلك العملية التي يشارك فيها ضباط سابقون وحاليون في الجيش ومستشرقون يتصدرون المشهد الثقاقي والأمني في "إسرائيل". وفي سياق حملة التحريض المبرمجة على "التجمع" قدمت القناة العاشرة الإسرائيلية على لسان ضباط ومستشرقين "التجمع" بوصفه خطرًا أمنيًّا مباشرًا على أمن "إسرائيل".

الاتهامات التي ساقتها الشرطة الإسرائيلية لتبرير اعتقال رئيس التجمع الوطني الديمقراطي عوض عبد الفتاح، وأكثر من عشرين قياديًّا وناشطًا، تتمحور حول مخالفة قوانين تمويل الأحزاب، كانت قد وجهت سابقًا لأحزاب صهيونية من قبل، لكن لم يتبعها اعتقال أيّ من قيادات تلك الأحزاب بهذه الطريقة، لأن الهدف تطبيق القانون بعد التحقق من الشبهات في هذه الحالة.

اقرأ/ي أيضا: الهجمة سياسية.. دعوات لرص الصفوف دعمًا لـ"التجمع"

حملة الاعتقالات التي يعقبها إدانات لقادة ونشطاء "التجمع" كلها تصب في إطار المجهود الرامي لإقصائه نهائيًّا من الحياة السياسية

ولكن فيما يتعلق بـ"التجمع" فإن الأمر مختلف، فهو يتعلق بإرادة غير معلنة تشترك فيها معظم الأحزاب الاسرائيلية؛ تقوم على تقليص التمثيل السياسي للفلسطينيين حملة الجنسية الإسرائيلية سواء كان ذلك خارج الكنيست أو داخله، لاسيما وأن القائمة العربية المشتركة أصبحت القوة السياسية الثالثة الكنيست بعد الانتخابات السابقة.

استراتيجيًا، "التجمع" نجح بتحويل التمثيل السياسي للفلسطينين داخل الخط الأخضر في الكنيست من أداة تجميلية للنظام السياسي الإسرائيلي، إلى وسيلة لإظهار وجهه الحقيقي أمام منظمات حقوق الإنسان الدولية، وحتى أمام لجان البرلمان الأوروبي في أكثر من مناسبة كنظام ابرتهايدي عنصريّ يقوم على التمييز العنصري ضد السكان الأصليين الفلسطينين.

حملة الاعتقالات التي يعقبها إدانات لقادة ونشطاء "التجمع" كلها تصب في إطار المجهود الرامي لإقصائه نهائيًّا من الحياة السياسية، وتمهد الطريق أمام استهدافات كبرى خلال الفترة القليلة المقبلة لكل القوى السياسية والنشطاء الحقوقيين والجمعيات الخيرية للفلسطينين داخل الخط الاخضر، وسيفتح لها الطريق "قانون مكافحة الارهاب" الذي سيدخل حيز التنفيذ في مطلع شهر تشرين الثاني المقبل، والذي يتضمن نصوصًا تسمح باعتقال وحلّ أي جمعية تتعاطف مع معاناة ونضال الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية.

اقرأ/ي أيضا: 

الهجوم على "التجمع".. نتنياهو يحاول إرضاء قبيلته

تهمة "التجمع".. عربي فلسطيني