04-أكتوبر-2015

حاجز احتلال على مشارف القدس (Getty)

ليس خافيًا ما يدور في أروقة صنع القرار الأمني والتصريح الإعلامي عنه في إسرائيل. اليوم لم تعد الأمور كما كانت، ربما هذا ما يمكن إطلاقه، على دخول متغيرات، أو تغير في الجو العام وفي تفصيلات فاعلة جدًا على جبهة المواجهة بين الفلسطينيين والمؤسسة الأمنية الإسرائيلية.

بالتأكيد أن ذكر المواجهة بين الفلسطينيين وأجهزة الاحتلال الأمنية والعسكرية يفترض بعض الوضوح في التوصيف، كما في التصنيف، فمن هم الفلسطينيين الذين يمكن إيجادهم ضمن هذه الجبهة ووفق أي محددات، ماذا يريد الاحتلال وماذا ينتوي أن يفعل؟ هذه وغيرها من التساؤلات عن أحوال "الطنجرة" الفتحاوية الداخلية ومآلات الصراع الداخلي الداخلي بين الأطياف العديدة فيها، وكذلك تفرض سؤالا عن خوف الاحتلال وليس فقط عن إرادته، فممَ يخاف الاحتلال، ليس أي احتلال، إنما المؤسسة الصهيونية بكامل عتادها وأعوانها في فلسطين؟

تشكل المستوطنات الإسرائيلية الحالة المثالية لوصف الاستعمار الاستيطاني بأجلف صوره

"المناطق المحتلة" تعبير قانوني لوصف حالة الاحتلال الإسرائيلي للقدس والضفة الغربية، علمًا أن الاحتلال نفسه يركز على هذا التوصيف، ولو في الغالب بشكل مختصر باستخدام تعبير "المناطق/ شتاحيم"، حتى انعكس التصنيف التقسيمي للفلسطينيين على سحب صفة "شتاحيم" لإطلاقها على شبان الضفة الغربية، خاصة العاملين داخل الخط الأخضر وفي القدس.

اقرأ/ي ايضًا: من الليمون والتفاح إلى البارود والقنابل

ما يهم أكثر من نتائج اشتباكات الأيام العشرة الأخيرة، أن القدس أمست مقسمة بالحواجز والدوريات، يمكن القول بثلاثة أقسام، شرقي، جنوبي، وشمال غربي، تمتد الخطة الأمنية لضبط القطاع الجنوبي من القدس لتلتقي مع العمليات العسكرية الجارية في جنوب الضفة الغربية، الخليل وبيت لحم وريفهما، المصنف في غالبيته "مناطق ج/C"، بينما يتصل القطاع الشرقي مع الأغوار، في حين يكون الشمال الغربي أشبه بقوقعة أمنية استخبارية محشوة بالقوات الخاصة ورجال الشاباك لتتصل مع وحدات الجيش الإسرائيلي العاملة شمال القدس.

لا يتوقف التقسيم "لدواعي أمنية" حسب توصيف الاحتلال، على القدس، بل يتركز أيضا في وسط وشمال الضفة الغربية، خاصة دائرة رام الله ونابلس وريفهما بما فيه من مستوطنات ومعسكرات، في حين شكل الاحتلال بوابته الأمنية المعهودة في شمال الضفة الغربية، جنين وطولكرم وقلقيلية. فلم تشكل المستوطنات الإسرائيلية منذ هزيمة 1967 حتى اليوم مجرد وجود استعماري ديمغرافي في الضفة الغربية والقدس، بل أكثر من ذلك، هذه هي الحالة المثالية لوصف الاستعمار الاستيطاني بأجلف صوره.  

لهج خلال الأيام الأخيرة الإعلام الإسرائيلي بتصريحات وتحليلات لأصحاب المؤسسة الأمنية وصحفييها، الحديث عن العملية المتدحرجة والوقائية، بلهجة ليست بعيدة عن تلك التي مهدت "للسور الواقي" وعمليات شارون الهستيرية التي كان جوهرها في ما سمي اجتياحًا، أو عمليات وقائية كذلك، نجم عنها ما شوهد في فلسطين من تطورات في عقد الأخير، من جدار الفصل العنصري والتوسع الاستيطاني وطابع التعاطي الإسرائيلي مع الضفة الغربية ومن يعيش فيها، وللحروب المتكررة على الفلسطينيين ومقاومتهم في غزة استكمال أولي وأساسي لفهم الحالة.

ما يحصل على أطراف المدن الفلسطينية، المصنفة "مناطق أ/ِC"، وعند الحواجز وأطراف الجدار وعلى حدود القدس والمخيمات الفلسطينية في الضفة كذلك، هو نمط من المواجهة الشعبية المتصاعدة، اعتداءات المستوطنين على القرى والبلدات الفلسطينية، اقتحامات الاحتلال وتدميره المنازل وشنه حملات اعتقال مركزة وواسعة، غياب أي صوت للسلطة الفلسطينية على أرض الواقع، باستثناء التنسيق الأمني لمعاونة الاحتلال في عملياته العسكرية ضد الفلسطينيين، وملاحقة المقاومين، من ضمنهم بعض الأوساط غير المرضي عنها لا أمريكيًا ولا إسرائيليًا في حركة فتح.

شبان الانتفاضة في الأرض المحتلة أعلم بلذة حرمان الاحتلال من النوم

لا تخفى على مشاهد، وإن كان غير متابع، أن الأوضاع الأمنية والاحتكاك مع الاحتلال ومواجهته متصاعدة ولديها من النار ما يكفي مذبحها، لا يريد أي رب أسرة في مناطق ج أن يشهد أبناؤه مصير الرضيع دوابشة، رجال المخابرات الإسرائيلية وقيادات الجيش الإسرائيلي العاملين في الضفة أو الساكنين للمستوطنات، يهمسون فيما بينهم بسبل تفادي متابعتهم وكشف عناوينهم وأسمائهم، والبحث في طبيعة الاختراقات التي تحققها المقاومة في صفوف رجال الجيش والمخابرات، بالإضافة إلى الصمت المطبق على ما يجري، وهو في غالبه رقصة موت للذئاب المنفردة المتفردة بتلال الضفة الغربية التي أرادها حاخامات الاستيطان مرتعًا لسبتهم.

المنطقي هو انتظار مسار العمليات التمهيدية للعملية الوقائية المرتقبة من طرف الاحتلال، ربما يكون الشكل الغالب عليها هو نمط العملية المتدحرجة، التي تتوسع باضطراد مع كل خطوة وفق ما تم تحقيقه وما أخفق الأمن الإسرائيلي فيه. لا شك أن ما يحكم المسار آنف الذكر هو دور الميدان وحجم استمرار تجاوبه، براعة المطلوبين في الإفلات من الاحتلال وحرمانه من انجاز اعتقال أسماء يتهمها بالتخطيط والعمل ضده.

ما يهم التأكد من حضوره في خلفية الرأس عند الحديث عن المقاومة وأدائها في الضفة الغربية والقدس المحتلتين، أن الصهيونية مؤسسة، سنواجه في مقبل الأيام القليلة عودة لشارون وأفعال الـ 2002، واستنساخًا أكثر شراسة لتجربة الرجل في الإجرام والتقتيل والعمل العسكري ضد المدنيين العزل كما المقاومة، سنكون بحركة وطنية أكثر تفتتًا وأقل فاعلية في الضفة الغربية، على عكس ما كان خلال انتفاضة الأقصى، على رداءة حال الوحدة الوطنية ووجود التنسيق الأمني وقتها وانسحاب رجال السلطة السلمي من المواجهة مع الاحتلال.

 المؤسسة التمثيلية التي عمد الفلسطينيون دائمًا لكتابة مواقفها شعارات على جدران مخمياتهم وريفهم ومدنهم خلال الانتفاضتين السابقتين لم تعد موجودة، ولا رمزيًا حتى، منظمة التحرير الفلسطينية بحكم النبتة الأليفة الممتعة لمن يسقيها ويجني ثمرها ربما، في حين يواجه الفلسطيني احتلالا ماهرا في استنساخ حقارته، سيكون على هذا الفلسطيني التعاطي الجدي مع موضوع خلق قيادة وطنية فاعلة وممثلة وشرعية، لأن الجدات أدرى بتموين المنزل حتى لو فرض طوق أمني ومنع تجول في القرى والمدن والمخيمات، وشبان الانتفاضة في الأرض المحتلة أعلم بلذة حرمان الاحتلال من النوم.  

اقرأ/ي ايضًا: فلسطين.. نسوية وتمويل