19-أكتوبر-2019

يشهد لبنان تصعيدًا حاسمًا (أ.ف.ب)

لليوم الثالث على التوالي، استمرت التظاهرات في لبنان في وجه الطبقة السياسية الحاكمة، والتي كانت انطلقت مساء الخميس على إثر إعلان وزير الإعلام عن ضرائب جديدة تعتزم الحكومة فرضها على المواطنين في الفترة المقبلة.

نجحت القوى الأمنية اللبنانية في تفريق المتظاهرين مؤقتًا، إلا أن العشرات عادوا بعد منتصف الليل إلى ساحة رياض الصلح، وأكّدوا على عزمهم في الاستمرار بالحراك

وقد شهد يوم الجمعة أحداثًا دراماتكية، وتسمّر اللبنانيون أمام شاشات التلفاز طوال اليوم لمتابعة آخر المستجدات. وقد توسعت رقعة التظاهرات خلال هذا اليوم الذي شهد خطابين مهمين توقف المتابعون عندهما، أحدهما لوزير الخارجية جبران باسيل والآخر لرئيس الحكومة سعد الحريري.

اقرأ/ي أيضًا: لبنان ينتفض.. الشعب أراد الحياة

خطابات فارغة لا تقنع اللبنانيين

في خطابه الذي ألقاه من القصر الرئاسي من بعبدا، حاول زعيم التيار الوطني الحر جبران باسيل أن يستغل الحراك الشعبي، حيث اعتبر أن المطالب التي رُفعت تمثل تياره، وأنه يتفهم غضب الشارع، ملقيًا بالمسؤولية على باقي الأفرقاء السياسين الذين عطلوا المشاريع الإصلاحية لتياره.

 وقد أعاد باسيل الوعود نفسها التي سئمها المواطنون، كخطة الكهرباء 24/24 التي ينتظرها اللبنانيون منذ سنوات بناء على وعود باسيل وفريقه. وقد شهدت المناطق المحسوبة على التيار الوطني الحر تظاهرات حاشدة صباح الجمعة، أبرزها كان في منطقة ميرنا الشالوحي حيث مركز الحزب، في إشارة واضحة إلى نقمة شعبية ضد عون وباسيل.

عند السادسة مساءً، توجهت الأنظار إلى الخطاب الذي سيلقيه سعد الحريري من السراي الحكومي، وفيما توقّع البعض أن يقدم استقالته من رئاسة الحكومة، ويرمي كرة النار من يده في وجه حزب الله وعون، بناءً على نصائح جنبلاط وجعجع، جاء الخطاب هلاميًا وفضفاضًا ولم يحمل أي جديد.

اعتبر الحريري بأن وجع الناس هو وجعه، وبأنه يتفهم مطالب المحتجين، وحمّل أيضًا - كما باسيل - خصومه السياسين في الحكومة مسؤولية تعطيل مشاريعه وخططه الاقتصادية، وختم كلامه بإعطاء مهلة 72 لشركائه في الحكومة لإعطاء تصور للحلول، أو سيكون له كلام آخر.

خطاب الحريري المبهم والذي لم يتضح تمامًا ما قصد به، انعكس في الساعات التالية توترًا على الأرض. ابتداءً من الثامنة مساءً بدأت القوى الأمنية بإلقاء القنابل المسيلة للدموع في وجه المتظاهرين في بيروت، ما تسبب بحالات إغماء. ومع تقدم الوقت تبين أن قرارًا اتخذ بقمع المظاهرات، حيث اعتدت القوى الأمنية على المتظاهرين بالضرب، وقامت بتوقيف العشرات منهم واحتجازهم.

أما في الجنوب فقد نزل أنصار حركة أمل بسلاحهم إلى الأرض واعتدوا على المتظاهرين بالضرب، في النبطية وفي صور، مؤكدين على رفض المساس برئيس مجلس النواب نبيه بري بأية طريقة.

قوى الأمر الواقع تعتدي على المتظاهرين

نجحت القوى الأمنية في تفريق المتظاهرين مؤقتًا، إلا أن العشرات عادوا بعد منتصف الليل إلى ساحة رياض الصلح، وأكّدوا على عزمهم في الاستمرار بالحراك، وطالبوا بالإفراج عن رفاقهم الذين اعتقلهم الأمن.

تزامن يوم السبت مع أربعينية الإمام الحسين، فألقى أمين عام حزب الله حسن نصرالله كلمة صباحية بالمناسبة، حاول من خلالها الالتفاف على الحراك، حيث أعلن هو الآخر تأييده لمطالب المحتجين، لكنه وجه نصائح إليهم بعدم استخدام العنف، وعدم توجيه الشتائم والسباب للمسؤولين، متغاضيًا عن التجاوزات التي قامت بها القوى الأمنية. كما نصح نصرالله المحتجين بعدم تسييس الحراك والتركيز على الأمور المطلبية كرفع الضرائب، وأعلن بشكل غير مباشر دعمه لاستمرار عمل الحكومة، وقلل من أهمية إجراء انتخابات مبكرة. بمعنى آخر بدت كلمته وكأنها تهدف لإفراغ الحراك الشعبي من مضمونه.

اقرأ/ي أيضًا: ماذا تعلمنا من جيل الحرب اللبنانية؟

وفيما لم تتوقف المظاهرات في الجنوب، وخاصة في النبطية وصور، نزل مسلحو حركة أمل بأسلحتهم مرة جديدة وعملوا على قمع المنتفضين وخاصة في مدينة صور، في ظل تعتيم إعلامي كبير. وقد صادر المسلحون هواتف المحتجين، للحد من قدرة المتظاهرين على تحميل الفيديوهات على مواقع التواصل.

فيما لم تتوقف المظاهرات في الجنوب، وخاصة في النبطية وصور، نزل مسلحو حركة أمل بأسلحتهم مرة جديدة وعملوا على قمع المنتفضين وخاصة في مدينة صور

يبدو بشكل واضح بأن قرارًا كبيرًا اتخذ في لبنان بقمع التظاهرات بأي ثمن، وبالتالي فإن الطريق يبدو طويلًا أمام المتظاهرين الذين أثبتوا حتى اليوم عزيمة وثباتًا على مواقفهم. أما في الأيام القادمة فستتضح الصورة أكثر، لكن الأكيد أن لبنان دخل مرحلة جديدة، وأن هالة زعمائه تشظت إلى حد كبير في حراك تشرين الأول/أكتوبر 2019.