21-أغسطس-2020

ملف استقلال اسكتلندا على الطاولة من جديد (Getty)

بوريس جونسون خائفٌ على "قوة المملكة المتحدة وسحرها" إذا ما انفصلت اسكتلندا عن البلاد. فيما هذه الأخيرة وبعد فشلها في انتزاع الاستقلال، ذات استفتاء الـ 18 أيلول/سبتمبر 2014، تعود لفتح نفس الملف القديم الجديد. حيث تؤكد كلّ الأحداث التي حصلت، مذ محاولتها الأولى إلى اليوم، ضرورة تجديد أدنبره ضغطها على لندن، بما هي فترة يسمها تضارب الرؤى بين العاصمتين حول البريكسيت، مسألة المهاجرين، توجهات رئيس الحكومة الشعبوية، وصولًا إلى أزمة كورونا الأخيرة والانتخابات الاسكتلندية القادمة.

بوريس جونسون خائفٌ على "قوة المملكة المتحدة وسحرها" إذا ما انفصلت اسكتلندا عن البلاد. فيما هذه الأخيرة وبعد فشلها في انتزاع الاستقلال، ذات استفتاء الـ 18 أيلول/سبتمبر 2014، تعود لفتح نفس الملف القديم الجديد

بوريس جونسون في وجه استقلال اسكتلندا

"المملكة المتحدة، بالنسبة إلي، هي أعظم اتحاد وشراكة سياسية عرفها العالم"، هكذا صرّح بوريس جونسون، مطلع الأسبوع الماضي، قبل أن يبدي مخاوفه من تفكك هذا الاتحاد. مخاوف عبرَ عنها رئيس الحكومة البريطانية بمصطلحات متضاربة، عارٌ وخوف مما سيترتب على انفصال الجارة الشمالية - إذا تم استقلالها- من ضياع لسحر وقوة الاتحاد البريطاني، على حد وصفه.

اقرأ/ي أيضًا: هواجس التفكك.. هل تدفع المملكة المتحدة وحدتها ثمنًا للـ"بريكست"؟

يأتي هذا التصريح في خضمّ تصاعدٍ للهجة الاستقلال على لسان رئيسة الوزراء الاسكتلندية، نيكولا ستورجيون، التي صرحت نهاية الأسبوع الماضي بأن "التشكيك في رغبتها باستقلال اسكتلندا ضربٌ من الجنون". قالت ذلك أثناء لقاء لها على شاشة الـ BBC، مؤكدة على "إيمانها بأن استقلال اسكتلندا قادمٌ عاجلًا أم آجلًا"، وأن "هذا ما عملت وتعمل عليه طوال حياتها السياسية". فيما يدعم هذه التصريحات انقلاب في استطلاعات الرأي، فلأول مرة منذ 2014، تفوق نسبة الاستقلاليين الاسكتلنديين نسبة الاتحاديين، بـ 53 في المئة عبروا عن رغبتهم في الانفصال عن المملكة، مقابل 47 في المئة من الرافضين لذلك.

بالتوازي مع كلّ هذا، ليس كلّ المحافظين، بمن فيهم أعضاء الحكومة، على نفس وجهة النظر إزاء الأزمة بين حكومتي لندن وأدنبره، ولا على كيفية إدارتها. هذا ما يبرزه اقتراح ميشيل غوف، نائب رئيس الوزراء ورئيس اللجنة الوزارية للاتحاد، بدعوة رؤساء وزارات كل دول الاتحاد البريطاني إلى طاولة الاجتماع الوزاري السنوي خلال الدخول البرلماني. اقتراح غوف يصب في مصلحة احتواء التوتر وتصاعد الميلان الشعبي نحو استقلال اسكتلندا، وتقريب الحكومتين وإشراكهما في القرار المركزي.

ووجه هذا المقترحُ بتعنت بوريس جونسون، رافضًا بالقطع فكرة حضور رئيسة الوزراء الاسكتلندية إلى الاجتماع. يورد تقرير للفاينانشيال تايمز أن جونسون "لا يود أن تظهرَ ستورجيون في نفس مستواه"، ويضيفُ على لسان أحد نواب المحافظين أن "المتوقع من ستورجيون هو صب جام انتقادها على الحكومة، وتلوح مجددًا بورقة الانفصال. ما سيرى فيه اتحاديو اسكتلندا أمرًا شائنًا، ويضعف شعبية بوريس جونسون". فيما قرأ مصدر من الحكومة الاسكتلندية في تعنت رئيس الوزراء أنه إشارة إلى "الهلع" الذي يسود حكومة لندن، وهم "يراقبون الرأي العام الشعبي في اسكتلندا يبتعد عنهم دون أن يفهموا ماذا يحصل".

انتخابات بطعم استفتاء استقلال

كل هذا يقع في الوقت الذي تتحضر فيه اسكتلندا لانتخاباتها البرلمانية، المزمع قيامها بتاريخ الـ 6 من أيار/مايو 2021، وهي انتخابات تصفها نيكولا ستورجيون على أنها "دون شك أهمّ انتخابات في تاريخ اسكتلندا". مؤكدة على نظرائها من الحزب المحافظ بأنه "في حال فاز الحزب الوطني الاسكتلندي بالانتخابات، لن يمكن بعد ذلك للمحافظين الوقوف في وجه الشرعية الديمقراطية"، في إشارة إلى مطلب الاستقلال الذي يأخذ حيّزَ المركز داخلَ برنامجها الانتخابي.

بالمقابل، يجد المحافظون الاسكتلنديون أنفسهم وجهًا لوجه مع الحزب الوطني، في خارطة سياسية أفرزتها الانتخابات العامة سنة 2019، ولم يستطع الحزب العمالي خلالها تحقيق أكثر من مقعد واحد، من أصل 59 مقعدًا ممنوحًا للبلد داخلَ الغرفة الأولى في برلمان ويستمنستر. تاركًا السباق مقتصرًا على الحزب الوطني الاسكتلندي، الحاكم في أدنبرة والمكتسح في لندن بـ 48، والمحافظين الذين حلوا ثانيًا لم يحصلوا إلا على 6 مقاعد. 

المرتقب عبرَ الانتخابات القادمة اكتساحٌ آخرُ للحزب الوطني الاسكتلندي، وإعادة تولية نيكولا ستورجيون رئيسة وزراء لولاية ثانية. في حال هذا السيناريو، ومع الإصرار القوي الذي يبديه الحزب للدفع بمطلب إقامة استفتاء استقلال ثانٍ، يكون الاستحقاق الانتخابي في مرتبة تقرير مصير مسبق لاسكتلندا.

فيما لم تتوان ستورجيون في التلويح بكلّ أوراق الضغط التي تمتلك، بما فيها إقحام الاتحاد الأوروبي كطرف ضاغط في هذه المعادلة. إذ أكدت رئيسة الوزراء الاسكتلندية على أن بلادها في حال الاستقلال ستعود مباشرة إلى حاضنة الاتحاد القاري، واعدة بأنها "ستحافظ على بقاء قوانين بلادها متسقة مع قانون الاتحاد الأوروبي".

ويفهم إقحام الاتحاد الأوروبي هذا بمراعاة رفض الحكومة البريطانية القاطع لإجراء استفتاء استقلال ثانٍ، والتزام رئيسها بوريس جونسون بذلك كوعد انتخابي، ما سيدفع ستورجيون وحكومتها إلى إعادة تمثيل السيناريو الكاتالاني، أي استفتاء وإعلان استقلال من طرف واحد، تراهن ستورجيون على منحه الشرعية أوروبيًا. يؤكد ذلك بيت ويشارت، نائب الحزب الوطني الاسكتلندي، بقوله أنه "يجب علينا طلب اعتراف أوروبا بنتائج الاستفتاء إذا لم يعترف بها بوريس جونسون".

أردتم البريكسيت.. نريد الاستقلال

لعب البريكسيت الدور المحوري في تصعيد الشقاق، القديم الجديد، بين أدنبرة ولندن. الحكومة في أدنبرة كانت متشككة نحوه، منذ البداية، وتأكد ذلك التشكك  بعد أن مالت إرادة الشعب الاسكتلندي عبر الاستفتاء نحو كفة البقاء داخل الاتحاد الأوروبي، بفارق كبير: 62 في المئة صوتوا لصالح البقاء، مقابل 38 في المئة لصالح المغادرة. ما جعل الحكومة مشطورة بين مكان داخل أوروبا يرغبه الشعب، ومكان خارج المملكة المتحدة عارضه نفس الشعب عبر استفتاء.

حينها تجرّعت الحكومة الاسكتلندية النتائج العامة بمرارة، خالصة إلى أن هذا الخروج من الاتحاد الأوروبي سيكون الدفعة اللازمة لاستقلال البلاد على لسان رئيسة وزرائها، كما قالت في بيان لها أن "الحكومة الاسكتلندية حريصة دائمًا على ضمان مصالح اسكتلندا، ومستعدة لتقديم مقترحات بما فيها منح البلاد هوية دولية مستقلة". يضيف ذات البيان أن الحكومة "ستدفع بمقترح إقامة استفتاء ثانٍ للاستقلال عقب انتهاء مفاوضات البريكسيت، والسوق الأوروبية المشتركة تمثل قاعدة قوية تقوم عليها اسكتلندا المستقلة".

أواخرَ 2019، وبعد أن أكد بوريس جونسون رئاسته للحكومة البريطانية عبر انتخابات عامة، ساد خطر عدم التوصل للاتفاق مع الاتحاد الأوروبي حول البريكسيت، وكذلك إصرار ستورجيون على الاستقلال الذي عبّرت عنها قائلة "إنه من حق هذه الأمة اختيارُ مستقبلها الخاص، وبعد نتائج الانتخابات العامة لم يعد شكّ في استعجالية تقرير المصير". أكدت تلك الدعوة، وبريطانيا تغادر الاتحاد الأوروبي في نهاية الشهر الأول من هذه السنة، في ندوة صحفية كان عنوانها الأبرز: استفتاء استقلال ثانٍ أصبح أمرًا واقعًا.

فيما مصلحة اسكتلندا، حكومة وشعبًا، للبقاء داخلَ الاتحاد الأوروبي، الشيء الذي يحول الاتحاد البريطاني دونه. وبالتالي جزء كبيرٌ من الخلافات بين الحكومة الاسكتلندية وبوريس جونسون تتمحور حول النقط الخلافية بين الحكومة البريطانية والاتحاد الأوروبي. من بينها السوق الأوروبية المشتركة، التي يرى فيها جونسون إضعافًا للاقتصاد البريطاني، وترى فيها الحكومة الاسكتلندية خطرًا اقتصاديًا بسبب ترك "أوسع سوق ربحي في العالم" و"عدم قدرة الاقتصاد البريطاني على الاستمرار داخل سوق من طرف واحد".

فيما لا تنفصل قضية الهجرة وتنقل البشر، الذين وصفهم جونسون مؤخرًا بأنهم "سيئون جدًا، أغبياء وخطيرون!"، بينما تؤكدُ الحكومة الاسكتلندية على أنهم "عماد من أعمدة الاقتصاد والمجتمع الاسكتلندي"، وتنتقد ضبابية الحكومة البريطانية في إخراج مخطط قانوني، اجتماعي واقتصادي لهذه الفئة بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي. كما تطالب اسكتلندا بالمقابل باستقلالية نظام الهجرة خاصتها، وتطالب بحقها في منح تأشيرة الدخول إلى أراضيها دون تحكم لندن في ذلك.

كورونا تؤكد ضرورة الاستقلال

منذ أول أيام الجائحة العالمية، سارعت دول المملكة المتحدة، على رأسها اسكتلندا، إلى أخذ احتياطها من الخطرِ الصحي المحدق. إلا رئيس الوزراء البريطاني، الذي بدى غيرَ آبه به في أيامه الأولى. تماطلٌ في التعاطي مع الموضوع ولا خطوات احترازية اتخذت، فيما رئيس الوزراء يدعو الناس إلى الاستمرار في حياتهم الطبيعية وكأنه لا وجود لجائحة عالمية، بل أكّد أن استراتيجيته لمكافحة الوباء هي نشره أكثر ما يمكن بين الشعب، أو ما سمّاه "مناعة القطيع".

"لقد كان بوريس جونسون في تعاطيه مع الجائحة مرتبك القرار، متناقض، غيرَ واضح في التواصل مع الشعب المرعوب من خطر الوباء، والذي كان في أمس الحاجة إلى طمأنة من رئيس حكومته". بهذه الكلمات يرسم مقال نشرته جريدة نيويورك تايمز صورة قاتمة لتعامل بوريس جونسون مع أزمة الفيروس التاجي. الأمر الذي أحرج حتى دعاة الوحدة في اسكتلندا، وهم يقارنون سرعة استجابة حكومة ستورجيون للخطر ونجاعتها. يقول أحدهم، والذي حاورته وكالة رويترز، إن "الفرق في التعاطي مع الأزمة كبير بين الحكومة الاسكتلندية ونظيرتها البريطانية، فاسكتلندا أظهرت قدرتها على النجاح لوحدها. وهذا ما يجعلني أحس الآن أن الاستقلال أمرٌ يفرض نفسه".

اقرأ/ي أيضًا: معركة استقلال اسكتنلدا.. هواجس البريكست

"كانت الأشهرُ القليلة الماضية الأكثر صعوبة، إيلامًا وحيرة خلال كل مسيرتي السياسية. وأعتذر على كل الأخطاء التي تمّ ارتكابها في التعامل مع الجائحة الوبائية"، تكتب رئيسة الحكومة الاسكتلندية، نيكولا ستورجيون، في مقال لها عبر مجلّة هوليرود. مضيفة أن رهانها السياسي الآن هو "خط ميثاق استجابة لكل الأخطار المشابهة لكوفيد 19، مع استمرار الصراع للقضاء عليه وإصلاح تبعاته". وبالتالي ستركزُ جهدها على "خلق فرص العمل، إنعاش الاقتصاد وتلقين الناس مهارات تساعدهم على النجاح في حياتهم".

لعب ملف انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي الدور المحوري في تصعيد الشقاق، القديم الجديد، بين أدنبرة ولندن

"كل هذا لن يتم في نفس الظروف المرتبكة التي عرفتها البلاد أول هذه السنة وآخر الماضية. خاصة ذلك التردد بين خطر الخروج من الاتحاد الأوروبي بلا اتفاق أو باتفاق مجحف"، تسترسلُ ستورجيون، مؤكدة أن الحيلولة دون تكرار هذا الوضع لن تكون إلا عبر الانتخابات القادمة و"الأهم في تاريخ اسكتلندا"، والتي ستكون إقامة استفتاء ثانٍ للاستقلال إحدى ثمراتها.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

بريكست ما بعد فوز جونسون.. وضوح الشعبوية يفوز وغموض اليسار يخسر