06-نوفمبر-2017

سعد الحريري (Getty)

من الرياض عوضًا عن بيروت، وفي موقف فاجأ المقربين منه قبل الأحزاب اللبنانية مجتمعة، أطل رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري معلنًا استقالته من منصبه، في خطاب حمل مضمونه تصعيدًا سياسيًا تجاه حزب الله اللبناني وطهران بشكل مباشر، وهو بذلك يخالف التوقعات التي كانت تنتظر أن لبنان داخل في مرحلة تهدئة سياسية بين أحزابه. لكن يبدو أن حنجرة سعد الحريري المختطفة في الرياض خاضعة بالكامل لاشتراطات فوضى التصعيد السعودي.

اعتبرت استقالة الحريري خطوة تصعيدية تقف خلفها الرياض في سياق الحرب بالوكالة التي دخلتها مع إيران منذ سنوات

الحريري في الرياض لإعلان استقالته

معظم المحللين الذين استضافتهم المحطات اللبنانية أول أمس السبت للتعليق على قرار استقالة سعد الحريري، أبدوا علامات استفهام عديدة حول الأسباب التي دعته لإعلانها من السعودية عبر محطة العربية السعودية بدلًا عن بيروت، بالأخص أن سعد الحريري استعمل خطابًا تصعيديًا على غير المعتاد في خطاباته السابقة.

وتخلل خطاب الاستقالة هجومًا سياسيًا من سعد الحريري تجاه حزب الله الذي وصفه بـ"الذراع الإيراني في لبنان والبلدان العربية"، واتهامه لإيران بفرضها "سياسة أمر الواقع" في لبنان، فضلًا عن تدخلها بشؤون بلاده الداخلية، ما اعتبره البعض خطوة تصعيدية جديدة تقف خلفها الرياض في سياق الحرب بالوكالة التي دخلتها قبل نحو أربعة أعوام مع إيران.

اقرأ/ي أيضًا: عهد عون: إيراني-سوري وتكريس لـ"حزب الله"؟

وذهب محللون سياسيون في تفسير أسباب استقالة سعد الحريري من الرياض لربطها بعمليات التوقيف التي طالت أمراء ووزراء ورجال أعمال سعوديين بقيادة ولي العهد محمد بن سلمان، بُعيد ساعات قليلة من إعلان سعد الحريري استقالته، وهو ما اعتبرها المغرد السعودي مجتهد أنها جاءت بأمر من الرياض لـ"ابتزازه واستعادة الأموال التي لديه في الخارج".

سعد الحريري.. وريثًا سياسيًا لوكالة والده

لم يكن سعد الحريري، الذي يحمل الجنسية السعودية، بارزًا على الساحة السياسية قبل شتاء 2005، إلا أن اسمه صعد سريعًا بعد اغتيال والده بتفجير موكبه وسط العاصمة بيروت في 14 شباط/ فبراير من عين العام، ليقود بذلك انقلابًا في المشهد السياسي اللبناني بعد أقل من 50 يومًا تلاها انسحاب الجيش السوري من لبنان منهيًا تواجده لما يقرب 29 عامًا.

وفعليًا كانت الأحزاب اللبنانية في تلك الفترة تُعيد ترتيب تحالفاتها السياسية، حيثُ شهدت عودة الرئيس ميشال عون من منفاه الباريسي، وخروج زعيم حزب القوات اللبنانية سمير جعجع من الحبس، بالإضافة لإنشاء كتلتين سياسيتين تحددت فيهما ملامح الاصطفاف السياسي بين قوى 8 آذار المدعومة من حزب الله، وقوى 14 آذار المدعومة من تيار المستقبل الذي يرأسه الحريري، لترسم بذلك ملامح الحياة السياسية للبنان حتى يومنا الحالي.

وخلال هذه الفترة استمر سعد الحريري بالتصعيد سياسيًا، ومهاجمته لسياسة حزب الله، الذي تحول مع أبرز حلفائه لأحزاب معارضة، حيثُ كان المرشح عن تيار المستقبل فؤاد السنيورة رئيسًا للحكومة اللبنانية إبان تلك الفترة.

لكن سرعان ما تطور الخلاف السياسي بين الأطراف السياسية حين اكتشف وجود كاميرات مراقبة تابعة لحزب الله في مطار بيروت أصدرت على إثر ذلك حكومة السنيورة قرارًا بإزالتها، ليشهد يوم 7 أيار/ مايو من عام 2008 اشتباكات وصلت لاستعمال السلاح بين حزب الله وحركة أمل من طرف، وتيار المستقبل مع حلفائه السياسيين من طرف آخر، غير أنه سرعان ما احتوى المشهد المتأزم الذي نتج عنه في نهاية المطاف الاتفاق الذي رعته قطر باستضافتها لاجتماع ضم كافة الأطراف السياسية في الدوحة.

قد تُربط استقالة الحريري بعمليات التوقيف التي طالت أمراء سعوديين، كمحاولة لابتزاز الحريري واستعادة الأموال التي لديه في الخارج

من الاستقالة إلى المنفى

شهد لبنان ما بين عامي 2008 – 2009 نوعًا من الهدوء السياسي الذي رافقه بعض التجاذبات السياسية بين الأحزاب، وبرفقة ذلك كُلف سعد الحريري من الرئيس الأسبق ميشال سليمان بتشكيل حكومة، لكنها لم تستمر طويلًا إذ قدم استقالته في عام 2011 من رئاستها بعد إعلان 11 وزيرًا استقالتهم منها احتجاجًا على قرار المحكمة الدولية بشأن لبنان الذي اتهم مسؤولين من حزب الله إلى جانب النظام السوري بالوقوف وراء اغتيال والده، وامتناع الحكومة عن الاجتماع لتحديد موقفها من قرار المحكمة.

توجه سعد الحريري بعد تقديم استقالته للمرة الأولى إلى خارج لبنان مختارًا الإقامة متنقلًا بين السعودية وفرنسا، واستمر بذات الوقت بإصدار التصريحات التي أيّد فيها دعمه للمعارضة السورية، وانتقاده الدائم لموقف حزب الله الداعم لرئيس النظام السوري بشار الأسد في حربه ضد المعارضة السورية، وفي عام 2014، دخل لبنان فراغًا دستوريًا بعد إنهاء الرئيس سليمان فترة ولايته الرئاسية، كان فعليًا دخلها قبلها بعام عندما أُجل موعد الانتخابات النيابية، واتخذ قرار بالتمديد لأعضاء البرلمان إلى يومنا هذا.

العام الماضي في إطار صفقة سياسية توصلت إليها الأحزاب اللبنانية، قبل سعد الحريري بتكليفه بتشكيل حكومة جديدة بعدما قدمت كتلته النيابية الدعم لاختيار رئيس التيار الوطني الحر ميشال عون، المقرب من حزب الله، رئيسًا للبنان الذي كان يخالف ترشحه سابقًا، لكن الحال لم يتغير كثيرًا كون الأحزاب اللبنانية استمرت في الخلاف فيما بينها، والتي كان أساسها تدخل حزب الله عسكريًا في سوريا.

اقرأ/ي أيضًا: حكومة "حزب الله"ـ الأسد.. لبنان الجحيم

هل استقالة الحريري مقدمة لتصعيد عسكري؟

أبدى مسؤولون أمريكيون وإسرائيليون ارتياحهم لاستقالة الحريري، وهو ما قد يفسر بتقارب المواقف الأمريكية- الإسرائيلية السعودية مؤخرًا

إذ ما نظرنا سريعًا لمسيرة سعد الحريري السياسية نقرأ أنه لم يكن مهيأ بالشكل المطلوب لدخول معترك الحياة السياسية في لبنان، والتي يتصدر ساحتها زعماء سياسيون يعيشون في دوامتها منذ أحداث الحرب الأهلية في سبعينيات القرن الفائت، وهي جاءت في وقت تعيش المنطقة اضطرابات إقليمية خصوصًا في سوريا، التي تتشارك بالحدود البرية مع لبنان.

كما أن الصحافة الإسرائيلية وصفت خبر استقالة سعد الحريري بأنها "بداية المواجهة بين السعودية وإيران وحزب الله في لبنان"، فيما اعتبر مسؤول في الخارجية الأمريكية الحريري "شريكًا قويًا في بناء مؤسسات وطنية قوية بالبلاد وفي الحرب على الإرهاب" في معرض تعليقه على خبر الاستقالة، وكذلك الحال مع رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي اعتبر أن الاستقالة تمثل "صحوة" للمجتمع الدولي ضد إيران.

غير أن المؤشرات المتضحة من استقالة سعد الحريري قد تدل على خسارة الرياض في الساحة اللبنانية، مقابل سيطرة واضحة لحزب الله على مفاصل القرار السياسي، وقد وصفت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية حادثة الاستقالة بأنها "نذير شؤم" على تصاعد الخلاف الإقليمي بين السعودية وإيران، مشيرةً إلى أن سعد الحريري قد أخفق في إحداث توازن سياسي منذ توليه رئاسة الحكومة، وأن الاستقالة قد تكون بسبب تعرضه لضغوطات سعودية أمريكية مشتركة.

وعليه فإن أسباب استقالة سعد الحريري الذي أمضى في الحياة السياسية 12 عامًا حتى الآن لا تزال مجهولة بشكل جلي، فهو منذ خطابه المتلفز لم يخرج بمقابلة ولو هاتفية عبر أي وسيلة إعلامية رغم الانتقادات التي وجهت إليه بطبيعة اختيار مكان إعلانها، وفي كلتا الحالتين يظهر الرجل إن جاز القول بموقف "المنتحر السياسي"، لكن الأهم من ذلك أنه في حال استمر التصعيد من الرياض التي تلقى سياستها الحالية دعمًا من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فإن المنطقة من المرجح استقبالها لصيف ساخن في العام المقبل قد يتخلله تصعيد عسكري غير معروف النتائج.

 

اقرأ/ي أيضًا:  

كيف يمول حزب الله عملياته عبر تجارة المخدرات

هل انتحر الحريري سياسيًا؟