16-فبراير-2018

تقدم رئيس الوزراء الإثيوبي باستقالته بعد فشله في احتواء الاحتجاجات المستمرة منذ 2015 (أشرف شاذلي/ أ.ف.ب)

توالت الاستقالات الرئاسية تباعًا تحت ضغط شعبي هائل في ثلاث دول أفريقية مُهمة، ليسلم الرئيس الزيمبابوي المثير للجدل روبرت موغابي الحكم بعد انقلاب داخل حزبه، مدعومًا بإرادة شعبية راغبة في الخلاص، وانتقلت العاصفة إلى الجنوب الأفريقي، حيث اضطر رئيس جنوب أفريقيا جاكوب زوما إلى تقديم استقالته هو الآخر بعد تصاعد موجة التذمر ضده واتهمات طالته بالفساد.

توالت الإقالات والاستقالات الرئاسية في أفريقيا، بدءًا من موغابي في زيمبابوي مرورًا بزوما بجنوب أفريقيا انتهاءً بديسالين بإثيوبيا

إلا أن ما كان مفاجئًا بالفعل رغم الاضطرابات التي تشهدها إثيوبيا منذ العام الماضي، هو استقالة هايلي مريام ديسالين، الخميس الماضي، من منصبي رئيس الوزراء والائتلاف الحاكم، في محاولة لتجنيب بلاده العنف، وهو بذلك كمن يفتح صفحة جديدة في كتابة "الربيع الأفريقي"، تغري بالمزيد، وتسلط الأضواء على الرمال المتحركة في القارة السمراء.

اقرأ/ي أيضًا: 5 أشياء يجب معرفتها عن رئيس زيمبابوبي المُحتجز روبرت موغابي

وكانت البداية من زيمباوي حيث أعلن الرئيس روبرت موغابي (93 عامًا)، تنحيه عن الحكم مكرهًا لا بطلًا، في تشرين الثاني/نوفمبر 2017، وتلا رئيس البرلمان رسالة موغابي، التي جاء فيها: "أنا روبرت موغابي، أُسلّم رسميًا استقالتي كرئيس للجمهورية فورًا". في الحقيقة لم يكن ضمير موغابي قد استيقظ فجأة، ولكن الشعب هبّ في وجه طاغية حكم بلاده لـ37 عامًا بالحديد والنار، وتشبث بالسلطة إلى أواخر عمره، حتى أنه لم يعد قادرًا على التقاط قبعته من على الأرض حال سقوطها، ومع ذلك كان موغابي يخطط لترك كرسي الحكم داخل عائلته ضمن تركته بعد الوفاة.

"أريد شعب جنوب أفريقيا أن يعاملني بالطريقة نفسها التي عامل بها نيلسون مانديلا"، نُسبت هذه العبارة لجاكوب زوما عقب تنحيه، حيث تولى جوليوس ماليما زعيم المعارضة الرد عليه بالقول: "إنها فكرة عظيمة، دعنا نبدأ بالـ27 عاماً في السجن"، ومن سخرية الأقدار أن زوما اسمه في لغة قبائل "الزولو" يعني الرجل الذي يبتسم وهو يبتلع خصومه"، إلا أنه وقع ضحية سهلة في يد المعارضة، أو بالأحرى ضحى به الحزب الحاكم هنالك بعد أن أدرك ان كُلفة بقائه في السلطة باهظة الثمن، وكان الخيار الأفضل للحزب خوض انتخابات الرئاسة في العام 2019 بمرشح جديد لم تلطخ سمعته الاتهمات بالفساد وعرقلة القانون.

شيئًا فشيئًا تتبدى حالة أقرب إلى انتقال العدوى في الدول الأفريقية، والتي تعاني من أنظمة في أغلبها تلاحقها شبهات فساد وتسلُط، ما يُرجح أن تلقي استقالة ديسالين، رئيس وزراء إثيوبيا، تحديدًا، بظلالها على الأوضاع في مصر والسودان، والتي تتناسل فيهما الأزمات على نحو متشابه.

ولئن كانت استقالة ديسالين، طواعية ودون ضغوط رسمية، إلا أنها جاءت تحت وطأة فشله في السيطرة على الاحتجاجات ضد حكمه بمنطقتي "الأمهرا" و"الأرومو" التين تمثلان أكثر من 70% من سكان إثيوبيا.

جاءت استقالة ديسالين تحت وطأة فشله في السيطرة على الاحتجاجات التي اندلعت في إثيوبيا منذ 2015 

وذكرت وكالة الأنباء الإثيوبية أن ديسالين استقال من منصبه كرئيس للوزراء ورئيس الحزب الحاكم، "ليكون جزءًا من الجهود الرامية إلى إيجاد حل دائم للوضع الحالي، مُوضحًا أنّه سيبقى في منصبه حتى يتم اختيار خليفة له، ونقلت الوكالة عنه قوله، إن "الاضطرابات والأزمة السياسية أدت إلى خسائر في الأرواح وتشريد الكثيرين"، الأمر الذي جعله يعتبر أن استقالته "حيوية، في محاولة تنفيذ إصلاحات من شأنها أن تؤدي إلى سلام وديمقراطية مستدامين".

اقرأ/ي أيضًا: نتنياهو يفتح أفريقيا.. سر الزائر والزيارة

ومؤخرًا، توالت موجة تظاهرات واسعة في أنحاء إثيوبيا، كان كتلتها الصلبة شعب أورومو، الذين يمثلون أكبر مجموعة عرقية في البلاد. وقد تصاعدت التظاهرات بسبب ما يبدو بطء وتيرة الإفراج عن المعتقلين، وتجاهل مطالب المشاركة السياسية، فانتقلت الاحتجاجات إلى العمق الإثيوبي، وقام المتظاهرون بإغلاق الطرق المؤدية إلى العاصمة أديس أبابا، وأحرقوا إطارات السيارات وعطلوا شبكات النقل العام، ما تسبب في شل الحياة العامة بجميع أنحاء منطقة أورومو الشاسعة كجزء من الإضراب، واضطرت الحكومة اليوم الجمعة، إلى إعلان حالة الطوارئ في البلاد لثلاثة أشهر.

في حين لم تشفع لديسالين جهود بناء سد النهضة الإثيوبي الذي تم إنجاز 63.87% من مراحل بنائه، ولا التطور الاقتصادي والنمو المضطرد في إثيوبيا، لتلاحقه مطالب الحريات والرضاء الشعبي والمشاركة في الحكم.

وبالعودة لأصل الأزمة في إثيوبيا، فإنها تعود إلى الاحتجاجات التي بدأت عام 2015. ويقول الخبير في قضايا القرن الإفريقي عبد المنعم أبو إدريس، لـ"ألترا صوت"، إن الاحتجاجات بدأتعام 2015 بإقليم أوروميا، ضد تخصيص أراضي لمستثمرين، ثم تطورت لاحقاً إلى مظاهرات ضد التهميش في الإقليم الذي يمثل حوالي 40% من السكان. 

ويضيف أبو إدريس: "تطور الأمر الأسبوع الماضي، حيث دخل السكان في إضراب أصاب الحياة بالشلل الكامل"، موضحًا بأن جذور الأزمة تعود إلى "إحساس الأورومو بأن 10% من السكان، يسيطرون على البلاد سياسيًا واقتصاديًا".

وحول ما جرى في إثيوبيا بالضبط، باستقالة ديسالين الخميس، فهي محاولة من التحالف الحاكم لتقديم رئيس الوزراء كبش فداء لأجل انقاذ البلاد من الانزلاق في الفوضى، بحسب أبو إدريس، والذي يستدرك قائلًا: "لكن تغيّر رئيس الوزراء لن يحل الأزمة، الأمر يحتاج إلى مراجعة من قبل جبهة التقراي، العنصر الأقوى في التحالف الحاكم".

وحول ما إذا كانت الاستقالة والأحداث الجارية في إثيوبيا سوف تلقي بآثار سالبة على عملية بناء سد النهضة، يرد أبو إدريس: "على المدى الطويل لن يتأثر سد النهضة بإعتباره مشروع قومي، ولكن في المدى القصير لو اضطربت البلاد سياسيًا سوف يتأثر على نحوٍ ما".

ورغم أن ما وُصف بالربيع الأفريقي تتقاطع تداعياته بصورة ما مع الجارتين مصر والسودان، إلا أنه لم يصدر تصريح رسمي حتى كتابة هذه السطور، لا من القاهرة أو الخرطوم، يعلن دعمه أو رفضه لما جرى في إثيوبيا، إذ تشهد ذات الدولتين اضطرابات سياسية واقتصادية.

وللخبير في الشأن الإثيوبي ومدير تحرير جريدة "الصحافة" السودانية، محمد حامد جمعة، وجهة نظر أخرى، فهو يعتقد أن ديسالين يلعب لعبة خطرة سلبياتها أنه يمنح خصومه في الشارع نصرًا معنويًا، مؤكدًا لـ"ألترا صوت" بأن ورطة الحكومة الإثيوبية في السؤال الأصعب، وهو: من سيخلف ديسالين؟

لا يُرجّح أن تُؤثر استقالة رئيس وزراء إثيوبيا على سد النهضة على المدى البعيد، ولكن ربما أخرت العمل فيه بعض الوقت

ليجيب جمعة بنفسه قائلًا: "لو من عرقية التغراي فهو يُعقّد المشكلة، وربما جر إثيوبيا لحريق عظيم، ولو من الأورومو فهي مخاطرة، لأنهم في المحاصصة  أكبر منصب حصلوا عليه هو البرلمان وموقع وزير الخارجية بجانب وزير المياه"، ويبدي جمعة ملاحظة حول المناصب الثلاثة سابقة الذكر، بأن أيّما حكومة جديدة سوف تُؤثر بلا شك على السودان، لحيوية دوائر مثل الخارجية والري ورئاسة الوزراء.

 

اقرأ/ي أيضًا:

أزمة جيوسياسية كبيرة حول السيطرة على النهر العظيم

هوية أفريقيا.. من المسرح المفتوح إلى وهم الاستقلال