16-أبريل-2017

أمام أحد مراكز الاقتراع في اسطنبول (بلنط كيليك/أ.ف.ب)

"من الآن كل شيء يجب أن يكون متقنًا، ليس جيدًا أو ممتازًا فقط ولكن متقن". مرّر بطل فيلم "Brunt" هذه الجملة في حديثه عن احتراف صنع وجبات الطعام. على ما يبدو أن الرئيس التركي"رجب طيب أردوغان" أيضًا يسعى بشكلٍ دائم وخطوات ثابتة "متقنة"، سواء كانت سيئة أو جيدة لو جاز لنا الحكم الأخلاقي عليه، إلى ما يتصوره لنمط الحياة التي يجب أن يعيشها الشعب التركي.

صوت على الاستفتاء الدستوري التركي 55 مليون و319 ألف و222 ناخب تركي، في 167 ألف و140 صندوقًا في مختلف الولايات

بدأت القصة عندما وافق البرلمان التركي في 21 كانون الثاني/يناير الماضي على المشروع "السابع" للتعديلات الدستورية الذي قدّمه الحزب الحاكم للبلاد "العدالة والتنمية" والذي يحمل بوادر تغيير 18 مادة وعرضها للتصويت الشعبي في البلاد، بعد حصول التعديلات على موافقة برلمانية بلغت 339 صوتًا، ومعارضة 142 آخرين، من أصل 550 نائبًا بالبرلمان، وهي أغلبية غير كافية لتمرير التعديلات الدستورية. بالتالي لم تحصل على تأييد ثلثي أعضاء البرلمان.

الجدير بالذكر وجود 6 استفتاءات سابقة منذ تأسيس الجمهورية التركية، جاءت نتيجة 5 منها إيجابية في الأعوام 1961 و1982 و1987 و2007 و2010 بينما مرة وحيدة انتهت بنتيجة سلبية، وكانت عام 1988.

اقرأ/ي أيضًا: تركيا وأوروبا.. الحروب الباردة

حسمت هذا المساء نتيجة تصويت 55 مليون و319 ألف و222 ناخب تركي، في 167 ألف و140 صندوقًا بجميع ولايات الدولة، فيما جرى تخصيص 461 صندوقًا لأصوات السجناء، ويُضاف عليهم نحو ثلاثة ملايين ناخب تركي بالخارج في 57 دولة حول العالم، أدلوا بأصواتهم في 119 ممثلية دبلوماسية، في نهاية آذار/مارس الماضي، وبلغت فيها نسبة المشاركة 40.01%. بحسب إحصاءات وكالة الأناضول التركية.

كيف سار يوم التصويت في تركيا؟

وافق القوميون الأتراك، لا سيما حزب العدالة والتنمية الذي يملك أكثرية في البرلمان بنسبة 49.48%  على التعديلات، بينما رفضها حزبا المعارضة الأشهر "حزب الشعب الجمهوري العلماني" و"حزب الشعوب الديمقراطي الكردي" بالإضافة إلى ائتلاف الجماعات اليسارية  والأقليات. لكن الأمر انتهى في النهاية لصالح تأييد تلك التعديلات، بعد فرز نحو 97.5 ٪ من الأصوات، تظهر نتائج أولية رسمية أن 51.62٪ صوتوا بـ"نعم" لصالح التعديلات في مقابل 48.38٪ رفضوها.

بعد أن أقّر التصويت بالموافقة على الاستفتاء سيتم الانتقال للنظام الرئاسي، وستسير تركيا في فترة انتقالية حتى تشرين الثاني/نوفمبر 2019

إذن، وبعد أن أقرّ التصويت بالموافقة على الاستفتاء سيتم الانتقال للنظام الرئاسي، وتسير تركيا في فترة انتقالية حتى تشرين الثاني/نوفمبر 2019 تزامنًا مع بدء تطبيقه الرسمي مع الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في البلاد. بالإضافة إلى مادتين من التشريعات سيتم تطبيقهما من صباح الغد؛ وهما انتخابات هيئة القضاة والمدعين العامين والسماح بعضوية الرئيس أردوغان "بشكلٍ رسمي" في حزبه السياسي مرة أخرى؛ الذي كان حريصًا على الإدلاء بصوته صباح اليوم.

ويقول سعيد الحاج، الباحث المتخصص في الشأن التركي، في حديثه لألترا صوت أن "ارتفاع نِسب التصويت صباح اليوم ليس استثنائيًا؛ إذ إنها عالية جدًا من بعد إنقلاب 1980 ولم تقلّ عن 80% إلا مرة وحيدة عام 2002 حين وصلت تقريبًا 79%" وبالرغم من ذلك فإنها خدمت التوجه الذي يؤيد التعديلات بالفعل، التي يرى الحاج "أنها ضرورية للخروج من المشاكل البنائية لدستور 1982"  كما يؤكد أن "هناك ثقة في الانتخابات التركية من قبل الطرفين، ولا توجد شوائب في العملية الانتخابية".

اقرأ/ي أيضًا: لماذا لن تحدث حرب أهلية في تركيا؟

وأتت تغطية وسائل الإعلام التركية، وحتى العالمية، لموضوع الاستفتاء  مع كثير من "الشخصنة" لأردوغان أكثر منها مناقشة للتعديلات نفسها. ولوحظ استقطاب حاد في الوضع التركي ومعارضة واضحة من وسائل الإعلام الغربية بالتحديد، الأمر الذي استثمره مؤيدو التعديلات في التأييد والزعم "بالاستهداف" والضغوط الخارجية ونجحوا فيه بالفعل.  

ماذا يريد أردوغان من العالم؟

بالعودة للوراء قليلًا وتحديدًا في آب/أغسطس 2014 أصبح "أردوغان" رئيسًا فعليًا لتركيا بعد أول انتخابات رئاسية مباشرة تحدث هناك، وفي الوقت الذي كان فيه تدخل الجيش التركي في العقود التي سبقت صعود حزب العدالة والتنمية الى السلطة يبلغ 4 مرات مقارنة بتدخله في الحياة السياسية لتحجيم وتقليل نفوذ القوى الإسلامية التركية.

خلال 93 عامًا من تاريخ الجمهورية التركية، تكونت 65 حكومة بمتوسط 17 شهرًا للحكومة الواحدة

لكن مع صعود "أردوغان" سُلّم الرئاسة للمرة الاولى في عام 2002 أصر على إخضاع الجيش للسيطرة المدنية للمرة الأولى. وفي عام 2013 تغلب على النخبة العسكرية عندما اتهم عدد كبير من قادة الجيش بالتورط في خطة للتخلص منه في ما عرف بعد ذلك "بقضية أرجينيكون" التي لم يُدَن فيها أحد.

في نفس السياق قام "أردوغان"  في تشرين الأول/أكتوبر 2013 برفع الحظر المفروض على ارتداء التركيات للحجاب في مؤسسات الدولة باستثناء الجهاز القضائي والجيش والشرطة، وذلك بعد عقود طويلة من فرض هذا الحظر. بالإضافة إلى محاولته تجريم الزنا وفرض مناطق يحظر فيها تناول المشروبات الكحولية مع وجود معارضة قوية لاتجاهاته الإسلامية.

بينما قالت آخر إحصائيات المعارضة إنه ألقي القبض على نحو 40 ألف شخص كما تمت إقالة 120 ألف شخص أو وقفهم عن العمل على خلفية محاولة الانقلاب العسكري الفاشل في تموز/يوليو 2016، الأمر الذي يثير الغضب والخوف في قلوب المعارضة مبررين ذلك بتخوفهم من تصاعد قبضة أردوغان مع تطبيق التعديل الدستوري نحو النظام الرئاسي.

بدأ الخط البياني للاقتصاد التركي بالتصاعد الفعلي منذ تولّي حزب العدالة والتنمية السلطة في البلاد عام 2002

في حين يرى الرئيس التركي ورئيس حزب العدالة والتنمية السابق أن هذا الاستفتاء يحقق الاستقرار السياسي الذي كانت تفتقده تركيا قبل مجيء حزب العدالة والتنميةـ وأن تركيا منذ عام 1950 شهدت حكومات منها من لم تستمرّ إلّا 24 يومًا وأخرى كان عمرها شهرين فقط، وبالطبع فإن دولًا مثل هذه لا يمكن أن تشهد استثمارات ناجحة ومستدامة. فخلال 93 عامًا من تاريخ الجمهورية التركية، تكونت 65 حكومة بمتوسط عمر 17 شهرًا للحكومة الواحدة.

في مقابل ذلك أكد "أردوغان" أنّ الخط البياني للاقتصاد التركي بدأ بالتصاعد الفعلي منذ تولّي حزب العدالة والتنمية السلطة في البلاد عام 2002. كما يمكنه محاربة الإرهاب. والخروج من عباءة الدستور العسكري القديم ذي السلطات والصلاحيات المتضاربة على حد قوله.

اقرأ/ي أيضًا: 3 أسباب رئيسية لفشل الانقلاب العسكري في تركيا

على ما يبدو أن ثمة تصورًا مختلفًا يشكّله بائع الحلوى الفقير الذي أصبح لاحقًا رئيسًا للدولة؛ "أردوغان" وحزبه، من لحظة احتكاكه بالسياسات التركية التي يريد تغيير بعضها جذريًا، والتي يرى معارضوه إنه يؤسس لدولة "الرجل الواحد" والحزب المسيطر تمامًا على زمام الأمور مؤكدين ادعائهم بالإشارة إلى توصيفه "بالسلطان" الذي يُلقّب به من قبل مؤيديه، الأمر الذي يوحي بالسيطرة التامة والتفرّد إلى جانب الشعور بالعودة لزمن إسلامي والدخول في عداء واضح مع الاتحاد الأوروبي الذي يريدون الانضمام إليه.

ما الذي سيتم تعديله؟

يتكون التعديل من ثماني عشرة مادة، الجزء الجوهري والأساسي وهو الخاص بالتحول للنظام الرئاسي، أي شروط الترشح للرئاسة وصلاحيات الرئيس وآليات محاكمته والعلاقة بين المؤسسات المختلفة لاسيما الحكومة والبرلمان.

يشتمل الاستفتاء التركي على خفض سن الترشح في الانتخابات العامة من 25 سنة إلى 18

ومنها ما هو عام، مثل رفع عدد أعضاء البرلمان من 550 إلى600. وخفض سن الترشح في الانتخابات العامة من 25 سنة إلى 18 سنة. وأيضًا إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية كل خمس سنين في نفس الوقت. وزيادة نسبة تعيين ما يقرب من 80% من أعضاء المحكمة الدستورية. وكذلك إلغاء منصب رئيس الوزراء. ويقوم الرئيس بتعيين مجلس الوزراء، وسيكون له عدد من النواب. ولن يُشرف البرلمان على الوزراء بعد الآن بسبب إلغاء قدرته على الشروع في إجراءات سحب الثقة. وتعيين القضاة وإلغاء المحاكم العسكرية.

بالإضافة إلى حظر إنشاء المحاكم العسكرية في البلاد باستثناء المحاكم التأديبية ويحق للرئيس تعيين أربعة قضاة بعد انتخابات داخلية بينهم من بين 13 قاضيًا في أعلى هيئة قضائية للدولة، كما تضم الهيئة أيضًا وزير العدل ونائبه المعينين من الرئيس، وبذلك يكون إجمالي القضاة المعينين من الرئيس فعليًا ست قضاة من بين 13 ويشارك البرلمان في اختيار البقية.

يعطي الاستفتاء الرئيس التركي صلاحية إلغاء المحاكم العسكرية لرئيس الجمهورية

بالإضافة إلى أحقية البرلمان في استخدام صلاحيته الرقابية والتفتيش والحصول على معلومات من خلال تقصي برلماني أو اجتماع عام أو سؤال خطي دون استخدام الاستجواب الشفهي لأحد الوزراء أو الحصول على صلاحية إعطاء الثقة للحكومة أو سحبها منها. 

وتشتمل التعديلات على أحقية فتح تحقيق بحق رئيس الدولة ونوابه والوزراء، ولا يحق للرئيس في هذه الحالة الدعوة إلى انتخابات عامة. كما يحق للبرلمان أيضًا محاكمة الرئيس أو الوزير لأي سبببإقتراح ما تزيد نسبته عن 50% من أعضاء البرلمان، وموافقة ثلثي أعضائه على تقديمه للمحكمة العليا.

كما ينص على منح البرلمان الحق في الدعوة لانتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة بموافقة 60% من أعضائه، وإذا تمت تلك الانتخابات المبكرة؛ فإن البرلمان القائم سينتهي عمله ويصبح الرئيس مهدَّدًا بالإطاحة من منصبه إذا ما خسر في الانتخابات؛ ليفقد بذلك إحدى الفترتين الرئاسيتين المتاحتين له دستوريًا. كما يحق للرئيس أيضًا إطلاق نفس الدعوة بشكل عكسي!

ينص الاستفتاء التركي على أحقية البرلمان في فتح تحقيق بحق رئيس الدولة ونوابه والوزراء

ربما يمكن القول إن موافقة الأتراك على هذا التصويت "التاريخي" للدولة التركية، ولو بفارق ضئيل بين المعسكرين، يمكنه أن يُوثر على تحول تركيا بشكل جذري، بل على علاقاتها الدولية الجديدة في الفترة القادمة، وينتظر الجميع الآن وعود أردوغان بعد حصوله على ما سعى إليه، وسيترقب الجميع موقف الحكومات الغربية تجاه تركيا الفترة القادمة. أما ما يمكن أن نحصل عليه من استفادة فهو أن هذا الاستفتاء كان الرسالة الأخيرة التي تخبرنا ألّا نثق في مراكز استطلاع الرأي التي تسبق أي استفتاء ربما في العالم أجمع.

 

اقرأ/ي أيضًا:

كيف تغيرت سياسة تركيا الخارجية بعد الربيع العربي؟

لماذا دخلت تركيا إلى الحرب السورية