08-سبتمبر-2022
يضع هذا الوضع اللاجئين في خضم استتقطاب سياسي يستغل مأساتهم (Getty)

يضع هذا الوضع اللاجئين في خضم استتقطاب سياسي يستغل مأساتهم (Getty)

نقلاً عن وكالة الأناضول للأنباء، يوم الثلاثاء، اتهمت لجنة الأمن بالبرلمان الإيطالي روسيا بإغراق البلاد بموجة مهاجرين قادمين من شرق ليبيا، حيث تسيطر على الأرض ميليشيات اللواء الانقلابي خليفة حفتر المدعومة من موسكو. ووصفت اللجنة البرلمانية هذا الأمر بأنه مسعى روسي من أجل التأثير على الانتخابات البرلمانية المزمع إجراؤها في 25 أيلول/ سبتمبر المقبل.

اتهمت لجنة الأمن بالبرلمان الإيطالي روسيا بإغراق البلاد بموجة مهاجرين قادمين من شرق ليبيا، حيث تسيطر على الأرض ميليشيات حفتر المدعومة من موسكو

وأكَّد تقرير اللجنة البرلمانية لأمن إيطاليا "كوباسير" وجود علاقة بين ازدياد عدد المهاجرين الذين يغادرون إقليم برقة شرقي ليبيا، وبين استراتيجية الكرملين الشاملة للضغط على دول الاتحاد الأوروبي لاسيما التي تمر بمرحلة انتخابات: قائلًا بأن "ضغط الهجرة هو أحد وسائل الحرب الهجينة لروسيا في محاولة لخلق استراتيجية حقيقية للفوضى، ما يجب تقييمه بجدية شديدة، لأن إيطاليا تخاطر بأن تكون ضحية محتملة (لهذه الاستراتيجية)".

استغلال محتمل للاجئين
شهدت إيطاليا في الأسابيع الأخيرة تزايدًا في عمليات الهجرة "غير النظامية"، القادمة إليها من ليبيا. ونشرت وسائل إعلام إيطالية أن أحد أكبر عمليات العبور حدثت ليلة الجمعة 26 آب/ أغسطس، إذ وفد على شواطئ جنوب البلاد حوالي 50 قاربًا، يحملون أزيد من ألف مرشح للهجرة. ما دفع سلطات روما إلى تخفيف الازدحام في بعض ملاجئ جزيرة لامبيدوزا، من أجل إيواء هذا العدد الكبير. ووفق وكيل وزارة الداخلية الإيطالية، نيكولا مولتيني، فإنه "منذ بداية العام حتى 29 تموز/ يوليو الماضي وصل 21 ألفا و507 مهاجر من ليبيا إلى إيطاليا".

وعززت "كوباسير" ادعاءاتها في التقرير النهائي الذي سلَّمته إلى النواب وأعضاء مجلس الشيوخ، أواخر شهر آب/ أغسطس المنصرم، بنتائج جلسات الاستماع التي أجرتها الأجهزة الاستخباراتية الإيطالية الداخلية والخارجية، والتي لم تقتصر فقط على الإشارة بأن المزيد من المهاجرين يغادرون أكثر من برقة الواقعة تحت سيطرة مليشيات حفتر، بل بوجود أيادٍ روسية ضالعة في هذه الزيادة في تدفق المهاجرين غير النظاميين وطالبي اللجوء من تلك المناطق التي ينتشر فيها، حسب تقديرات استخباراتية غربية، أزيد من 5000 عنصر من مرتزقة "فاغنر" المقربين من الكرملين.

وارتبط هذا النوع من "الحرب" الذي أشارت له اللجنة البرلمانية الإيطالية، بروسيا وحلفائها منذ أواخر خريف 2021، تزامنًا مع الأحداث التي شهدتها الحدود البولندية البلاروسية، حيث اتهم مسؤولو الاتحاد الأوروبي نظام لوكاشينكو، حليف الكرملين، باستخدام اللاجئين في الهجوم على الحدود الشرقية للاتحاد، وتوريطه في مأساة إنسانية. كما حمَّلت واشنطن، على لسان وزير خارجيتها، أنتوني بلنكن، كلا من مينسك وموسكو المسؤولية في ما وقع، واصفة إياه بـ "التصرفات التي تهدد الأمن وتغذي التفرقة". 

وحسب ما نقلته "نيويورك تايمز" وقتها عن وكلاء سفر عراقيين في محافظة السليمانية، شمال البلاد،  قولهم إن حكومة بيلاروسيا خففت قواعد الحصول على التأشيرات في أغسطس/آب 2021، مما سهل الأمر على الأشخاص الراغبين في الهجرة إلى دول الاتحاد الأوروبي بدلاً من العبور البحري الخطير من تركيا إلى اليونان. وفي عز أزمة اللاجئين التي افتعلها هذا الإجراء، وقف لوكاشينكو وسط جمع منهم  قائلًا: إذا كنتم تريدون التوجه غربًا فلن نمنعكم. إنه خياركم. مرّوا". بل وقالت شهادات للاجئين بأن قوات حرس الحدود البيلاروسي زودتهم بقاطعات أسلاك، وقادتهم  إلى الحدود من أجل عبورها.

روسيا سبب في تفكيك حكومة دراغي؟

تعيش إيطاليا تخبطًا سياسيًا كبيرًا، تعتزم تخطيه بانتخابات مبكرة من المزمع إجراؤها في الـ 25 أيلول/ سبتمبر الجاري، ذلك إثر فشل رئيس الحكومة ماريو دراغي - في محاولتين- في تأمين أغلبية برلمانية تؤمن البقاء في المنصب حتى نهاية الولاية. فيما كان حضور موسكو بارزًا، على الأقل في كونها موضوع الجدل الذي تطوَّر إلى أزمة.

وعودة إلى النصف الأول من شهر تموز/ يوليو الماضي، كان انطلاق الأزمة السياسية بعد رفض حزب "5 نجوم" اليساري الشعبوي، وأحد أقدم مكونات الحكومة الإيطالية، خطة تقدم بها رئيس الحكومة لتخصيص أكثر من 20 مليار دولار لمساعدة المستهلكين والصناعات التي تعاني من ارتفاع أسعار الطاقة، الأمر الذي ترك الحكومة أمام انسداد سرعان ما تفككت بفعله. هذا في وقت رفضت فيه أحزاب اليمين تجديد ثقتها في دراغي دون فكرة ارتباطه نهائيًا بـالـ "5 نجوم" وزعيمها رئيس الوزراء السابق جوزيبي كونتي.

عرقلت هذه الأزمة كل مخططات الحكومة الإيطالية للتصدي للغزو الروسي لأوكرانيا، كما تحرير البلاد من قبضة الارتهان الطاقي لموسكو. ويذكر أن دراغي كان أبرز السياسيين الأوروبيين المتحمسين للعقوبات ضد روسيا، وأدى نشاطه الأخير، على رأسه الزيارات المتتالية إلى الجزائر، إلى تقليص اعتماد البلاد على الغاز الروسي من 40% إلى 25% من حاجياتها الطاقية. ومن هذا المنطلق، خلص وزير الخارجية الإيطالي، لويجي دي مايو، بأن الذين أسقطوا الحكومة "قدّموا رأس دراغي على طبق من فضّة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين".

خطر يمين إيطالي موالي لبوتين

هذا وتواجه إيطاليا خطر فوز اليمين المتطرف بالانتخبات القادمة، وأن تقود ترويكا مكونة من "لاليغا" سالفيني، "فورزا إيطاليا" برلسكوني و"فراتيلي دي إيطاليا" الفاشي، حكومة البلاد. هذا وبحسب استطلاعات الرأي الأخيرة، يتصدر حزب "فراتيلي دي إيطاليا"، بزعامة جورجيا ميلوني، ترتيب نوايا التصويت بنسبة 24%. وحل "لاليغا" في المركز الثالث بنسبة 13%، وخامسًا "فورزا إيطاليا" بـ 8%، ما يمنح التحالف الثلاثي قدرة افتراضية على حصد 45% من مجموع الأصوات لو أجريت الانتخابات اليوم.

من هذا المنطلق اعتبرت لجنة الأمن في البرلمان الإيطالي أن احتمال ضلوع روسيا في موجات الهجرة التي تستهدف شواطئ البلاد بمثابة "تدخل في الانتخابات ومحاولة للتأثير على نتائجها"، أي بأنها توفر البيئة المناسبة لاستمرار صعود اليمين المتطرف، الذي يغذي شعبيته من معاداة المهاجرين. وكان زعيم الحزب الديمقراطي الإيطالي، إنريكو ليتا، قد حذَّر في وقت سابق من محاولة موسكو التدخل في الانتخابات لصالح التحالف اليميني المتطرف، قائلاً: "أعرف جيدا أن سالفيني وبرلسكوني يسيران في مسار مختلف تمامًا (...) ولهذا أخشى من النهج الروسي في هذه الحملة الانتخابية"، وأن "انتصار اليمين اليوم سيضع إيطاليا في اتجاه مختلف تمامًا عما كانت عليه مع دراجي، أي في صراعات مع أوروبا".

وتعزز هذه التخوفات السائدة في الأوساط السياسية الإيطالية المحاباة المتبادلة بين موسكو وأحزاب اليمين المتطرف. وبرغم إدانته الحرب في أوكرانيا، يكنّ زعيم حزب "لاليغا" ماتيو سالفيني إعجابًا كبيرًا ببوتين، لدرجة أنه نشر في السابق صورة شخصية لزيارته الساحة الحمراء بموسكو وهو يلبس فيها قميصًا عليه وجه بوتين مرفقًا به عبارة "جيش روسيا". هذه الصورة جرَّت عليه انتقاد عمدة مدينة برزيميسل البولندية الحدودية، رافعاً نفس القميص في وجهه، هاتفاً: "انظر ما فعل صديقك بآلاف المهجَّرين الأوكران".

وخلال الحملة الانتخابية التي يقودها مؤخرًا، أقدم سالفيني على الإدلاء بتصريحات مثيرة للجدل، انتقد فيها العقوبات الأوروبية على موسكو، معتبرًا إياها غير ناجعة وتضر بمصالح الإيطاليين. وقال سالفيني: "هل تعمل العقوبات؟ لا. حتى اليوم، هؤلاء الذين عوقبوا هم الفائزون، بينما الذين فرضوا العقوبات يدفعون الثمن"، مضيفاً أنه "من الواضح أن ثمة في أوروبا من يخطئ في الحسابات، من الضروري إعادة التفكير في استراتيجية إنقاذ الوظائف والشركات في إيطاليا".

يضع هذا الوضع اللاجئين في خضم استتقطاب سياسي يستغل مأساتهم. حيث يبقى الخطاب حول الهجرة على جهتي الصراع، مثيرًا للجدل والمخاوف

يضع هذا الوضع اللاجئين في خضم استتقطاب سياسي يستغل مأساتهم. حيث يبقى الخطاب حول الهجرة على جهتي الصراع، مثيرًا للجدل والمخاوف، بالنظر إلى أنه من جهة روسيا يستثمر في أرواح ومصائر الآلاف لتحقيق مصالح استراتيجية والتدخل في دول أخرى، أما من الجهة الأوروبية، فإنه قد يزيد من صرامة القيود ضد الهجرة، ويعزز من الموقف القائل إن أزمة اللاجئين هي مفتعلة، في تجاهل للأوضاع المأساوية التي تدفع هؤلاء المهاجرين إلى خوض هذه الرحلة الخطيرة في الأساس.