16-يناير-2016

مقاتلون من المعارضة السورية في حلب (Getty)

تتجه أنظار جميع المنخرطين في الأزمة السورية، على اختلاف انتماءاتهم واصطفافاتهم الأيديولوجية والمصلحية، إلى جنيف في سويسرا نهاية الشهر الحالي، وتحديدا يوم 25، حيث سيلتقي أعضاء من الهيئة العليا للتفاوض التابعة للمعارضة السورية مع ممثلين عن النظام السوري بحضور الروس والأمريكيين وعدد من اللاعبين الإقليميين كذلك.

تأتي أهمية جنيف 3 من أن اللاعبين الأساسيين، موسكو وواشنطن، هما من يقود دفة المفاوضات

يأتي هذا اللقاء تنفيذًا لقرار مجلس الأمن رقم 2254 الذي أقر بالإجماع في الثامن عشر من الشهر الفائت، والذي يوصي بحتمية الانتقال إلى مسار التسوية السياسية لإنهاء الصراع الدائر في سوريا، وفق مخرجات جنيف السابقة ولقاءات فيينا كذلك.

عدة ملفات شائكة ستطرح في المؤتمر، ولعل مصير الأسد أولها وأصعبها، وهذا يحتم بطبيعة الحال أن يتخذ كل طرف مفاوض أوراقًا ضاغطة على الطرف الآخر تجبره على التنازل في بعض مواقفه تبعًا لنظرية الغلبة للأقوى، فما هي استعدادات المشتغلين بالكارثة السورية لهذا اللقاء المرتقب؟ وما هي أوراق الضغط التي ستمارس على الأرض لتحقيق مكاسب سياسية محتملة لتغيير مسار الثورة السورية؟

قبل الإشارة إلى استعدادات الخصوم للمؤتمر، أود القول إن جنيف 3 مختلف عن اللقاءات السابقة، ليس فقط لأنه مبني على إجماع أممي واتفاق دولي، بل لأن اللاعبين الأساسيين وهما موسكو وواشنطن هما من يقود تلك المفاوضات، مما يعني حصر الحل للمشكلة السورية فيهما وإبعاد الأطراف الإقليمية عن المعادلة قدر المستطاع، وأقصد بالطبع السعودية وإيران وتركيا، ولعل الوقائع على الأرض تثبت قدر التفاهمات الروسية الأمريكية التي حدثت وتحدث كل يوم.

وبالعودة للحديث عن استعدادات الأطراف المتنازعة لجنيف، سأبدأ بالحديث عن روسيا التي كان لتدخلها الأثر البالغ في إنعاش نظام الأسد، ووقوفه مجددًا ولو كان على قدم واحدة، فالضربات الجوية الروسية التي تدك كافة مناطق المعارضة السورية جعلت الأسد يتقدم في عدة محاور مهمة، منها محور الجنوب، بإعادة السيطرة على مدينة الشيخ مسكين الاستراتيجية، ناهيك عن السيطرة على بلدة سلمى التي بقيت خارج أحلام النظام وقواته مدة أربع سنوات كاملة، أضف إلى ذلك إحداث اختراقات هامة في كل من ريف إدلب وحماة وحمص وحلب.

جعلت النجاحات الروسية، وإن كانت نسبية وغير مكتملة، من بوتين قطبًا هامًا في المفاوضات

هذه "النجاحات" وإن كانت نسبية وغير مكتملة إلا أنها تجعل من بوتين طرفًا، بل قطبًا هامًا في المفاوضات أولًا، وفي ترتيبات التسوية بشكل أهم، وهذا لا يعني أن الولايات المتحدة رافضة لما تفعله موسكو، بل العكس فأنا أعتقد أنه ثمة تفاهم عميق لمآل الأزمة وكيفية حلها بما يرضي الطرفين، وعلى إثر هذا التفاهم تخرج طائرات سلاح الجو الروسي يوميًا لضرب المعارضة دون أي تلميح أمريكي بالامتعاض من هذه الأفعال.

أما فيما يخص تحضيرات الجانب الأمريكي فتقتصر على توحيد وتنقيح المعارضة التي ستكون حاضرة في جنيف بما يتناسب ورؤية الإدارة الأمريكية لتسوية الصراع، وتطمين الحليف السعودي بجدية موقفها تجاه رحيل الأسد في مرحلة من مراحل مسار الانتقال السياسي، إضافة إلى التنسيق المستمر مع الروس للوصول إلى اتفاق يرضي الطرفين فقط.

سعوديًا يبدو أن المملكة ليس في يديها الكثير لتفعله بعد مقتل حليفها زهران علوش، وتعطيل غرفة عمليات الموك الجنوبية التي كانت بمثابة ورقة ضغط هامة على الأطراف جميعها، ولعل أكثر ما تستطيع الرياض فعله الآن هو مواصلة الضغط على الهيئة العليا للتفاوض بشأن تبنيها رحيل الأسد كشرط أول وأساسي لإطلاق العملية السياسية.

أما تركيا فيبدو أنها الخاسر الأكبر مما يحدث آنيًا، فتكرار الهجمات الإرهابية التي تصر أنها من فعل تنظيم الدولة الذي لم يتبناها، تحاصر اقتصادها المنهك أصلًا بعد حادثة إسقاط الطائرة الروسية، ليس هذا فحسب بل إن أردوغان فشل في حلمه القاضي بإنشاء منطقة آمنة على الشريط الحدودي الشمالي السوري. 

سيذهب الجميع إلى جنيف3، إلا أن الجميع سيكون بمثابة ديكور جميل للمؤتمر، باستثناء الروس والأمريكيين

ما يعني بقاء الإزعاج المستمر والموجع أحيانًا من قبل الأكراد بعيدًا، ناهيك عن ضعف التدخل في المسألة السورية بإمداد المعارضة بالسلاح كما كان قديمًا ذلك أن التفاهمات الأمريكية الروسية حدت وبشكل كبير من ذلك.

إيران بدورها مشغولة بإصلاح الداخل من خلال المطالبة بإسراع رفع العقوبات عنها، وهو ما تعده أمريكا لهم في حال لم يرتكبوا الحماقات في سوريا، وهذا ما تفعله فعلًا طهران حيث تقدم القتلى فقط في ساحات القتال دون إبراز موقف سياسي واضح لتطورات الأحداث التي تظهر استيعابًا مقلقًا لنظام ملالي بشأن استلام الروس ملف التسوية بدلًا منهم، وعدم مقدرتهم لتحريك ساكن ضد ذلك، نظرًا لوضعهم الحساس بعد الاتفاق النووي.

سيذهب الجميع إلى هناك إلا أن الجميع سيكون بمثابة ديكور جميل للمؤتمر، باستثناء الروس والأمريكيين الذين سيتفاوضون وفق منطق جوائز الترضية والأرض المحروقة، لكن هل سيرضى المكون السوري بتلك التفاهمات؟ هل يمكن أن يقبل المقاتلون السوريون عملية سياسية على رأسها الأسد ونظامه؟ أظن أن الإجابة ستكون حتمًا لا.

اقرأ/ي أيضًا:

هل فشل مؤتمر الرياض؟

هل القرار الدولي قابل للتطبيق في سوريا؟