24-ديسمبر-2019

الإصدار الأول من مجموعة رجاء عليش القصصة "لا تولد قبيحًا"

لأكثر من 30 عامًا، بقي اسم الكاتب المصري محمد رجائي عليش المعروف بـ"رجاء عليش" بمنأى عن اهتمامات القرّاء العرب، كما ظلّت مؤلّفاته القليلة (مجموعة قصصية وحيدة تُجاورها رواية يتيمة فقط) بعيدة عن اهتمامات المكتبة العربية.

لأكثر من 30 عامًا ظل اسم الكاتب المصري رجاء عليش بمنأى عن القارئ والمكتبة العربية حتى قررت دار مصرية إعادة نشر مؤلفيه

لكنّ انتباه أحد المهتمّين بتصوير الكتب إلى مُنجزيْ الراحل وتحويلهما إلى كتب إلكترونية، أعادهما إلى دائرة الاهتمام تقريبًا. بيد أنّه لم يُخرج مؤلّفهما من الهامش تمامًا، ولم يدفع الناشرين العرب إلى تبنّي الكتابين، وإعادة إصدارهما بطبعات جديدة، فالكاتب مجهول تمامًا، وإعادة نشر مؤلّفاته مُغامرة، كما أنّها مهمّة أيضًا، قرّرت دار "تبارك" المصرية أن تتصدّى لها، وتُعيد طباعة مجموعة "لا تولد قبيحًا" ورواية "كلّهم أعدائي" مُجدّدًا.

اقرأ/ي أيضًا: عبد الحميد الديب.. شاعر البؤس ورسول الصعاليك

استعادة عليش

وتعد إعادة إصدار مؤلّفي رجاء عليش ضرورة ملحّة، باعتبارها قادرة على إزاحته عن الهامش ولو قليلًا، ووضعه في المتن كواحدٍ من أفضل الكتاب في مصر، وإن لم يحظ باهتمام النقاد.

كما أن إعادة إصدار المؤلفين بمثابة استدعاء لقصة عليش نفسه، الذي لن يعرف القارئ عنه أكثر مما سيقرأه في المؤلفين اللذين يميطان اللثام عن الغموض الذي يلفّ حياته. فالأديب المصري لم يكتب أعمالًا أدبية، وإنّما "مونولوغ" طويل من الألم، وسيرة ذاتية لحياة حدّد "قُبح" وجهه مساراتها، وحال دونه والحصول على حياة سليمة، عدا عن أنّه كان سببًا كافيًا لنفور محيطه منه.

رجاء عليش

لا يُمكن للقارئ المُطَّلع على ما يتوفر من تفاصيل لحياة رجاء عليش التعامل مع عنوان مجموعته القصصية "لا تولد قبيحًا" إلّا بوصفه وصية أكثر منه عنوانًا أدبيًا، شأنه شأن "كلّهم أعدائي"، الذي اختزل حياة عاشها صاحبه عدوًّا للجميع، ذلك أنّ القبيح، وكما يراه عليش، عدوّ للآخرين، ولا "يثير إشفاق أحد من الناس أو إحساسه بالعطف عليه أو الرثاء له. القبح يستفزّ مشاعر الآخرين العنيفة، يستفزّ حاسّتهم النقدية الساخرة، فيوجهونها بضراوة عنيفة ناحية الإنسان القبيح قاصدين إهانته وتدمير معنوياته".

لغز عليش.. "القبح أفظع"

إلى هذا الحد، تبدو حياة عليش ألغازًا مُبهمة، تمامًا كما تبدو نصوصه الأدبية جُملًا متضاربة وأفكارًا فوضوية وكلمات منقوصة أيضًا. ولهذا السبب ربّما، لم يشأ الكاتب المصري أن يُثقل كاهل الآخرين بابتداع تعريفٍ له يُقدّم به للآخرين، لأنّه قام بذلك بنفسه: "أنا رجل بلا امرأة، بلا حقل للقمح، بلا كرة للعب، بلا ذاكرة مضيئة، بلا طريق للمستقبل".

كما أنّه، عندما أقدم على الانتحار بإطلاق رصاصة على رأسه سنة 1979 داخل سيّارته، قطع الطريق على أي مُحاولة قد تسعى لإضاءة أسباب انتحاره، من خلال وضعها في رسالة كتبها إلى النائب العام قبل دقائق قليلة من إنهاء حياته، قال فيها: "عشت هذه السنين الطويلة وأنا أحلم بالانتقام من أفراد المجتمع الذين أفلحوا في أن يجعلوني أكفر بكلّ شيء".

فضلًا عمّا ذكره في روايته ومجموعته القصصية وإشاراته المستمرّة إلى القبح باعتباره "أفظع وأكثر إيلامًا وتدميرًا للنفس الإنسانية على الإطلاق". بالإضافة إلى أنّ الإنسان القبيح "مكروه من كلّ الناس (...) لن يصدّقه أحد حتّى لو قال الصدق. إنّه متّهم من كلّ الناس بالكذب، مشكوك فيه دائمًا لأنّه غريب وقبيح".

المنبوذ

لم يترك رجاء عليش شيئًا وراءه بعد انتحاره، سوى اتّهامات من بعض أقاربه بأنّه كان مريضًا نفسيًا، سطوا من خلالها على ورثته وماله. بالإضافة إلى عَمليه الأدبيين "لا تولد قبيحًا" و"كلّهم أعدائي".

رجاء عليش

الكاتب المصريّ الذي قضى حياته الأدبية والشخصية على الهامش، منبوذًا ومكروهًا، لم يتمكّن من الزواج بسبب رفض النساء المستمرّ له بسبب "قبح" وجهه. وعليه، يُمكن القول إنّ الكتابة عنده كانت أقرب إلى طريقة احتجاج ووسيلة للبوح بما يعتمل في صدره، دون أن تكون سببًا كافيًا لثنيه عن قراره بالانتحار.

كانت الكتابة عند رجاء عليش طريقة احتجاج ووسيلة للبوح بما يعتمل في صدره دون أن تكون سببًا كافيًا لثنيه عن الانتحار

إنّها، أي الكتابة، ما يُبرِّر إقدامه على إنهاء حياته، كونها أقرب إلى يوميات أكثر منها أعمالًا أدبية كاملة، روى فيها عليش ما عاشه في حياته القصيرة حرفيًا، ووجّه فيها اتّهامه للناس الذين يرى أنّهم اتّفقوا على أن "يحقّقوا نتيجة مروّعة في حياتي، أن يجمدوني في مكاني، فأنا واقف لا أتحرّك خطوة واحدة إلى الأمام، لم أحب أو أعمل أو أتزوّج أو أنجب أطفالًا. أُشبه صخرة في محيط من الأمواج الصاخبة".

 

اقرأ/ي أيضًا:

سالينجر في حياته الحميمية

أعمال المفكر العراقي الراحل كامل الشياع في المتن من جديد