26-يناير-2022

عارف الريّس (1928 - 2005)

ألترا صوت – فريق التّحرير

شهد غاليري صفير زملر، في بيروت، المعرض الاستعادي للفنّان اللّبناني الرّاحل عارف الريّس (1928 - 2005). المعرض الّذي كان مقرّرًا أن يُفتتح في مطلع آب/أغسطس الفائت وجرى تأجيله نتيجة الأزمة المعيشيّة والظّروف التي تمرّ بها العاصمة بيروت.

أقام الريّس لعامين بعد انتدابه لتمثيل لبنان بمنحوتتين في المعرض العالمي في نيويورك، اتسمت هذه المرحلة بالتّجريد البحت ومن ثمّ التعبير متأثّرًا بالدّارج الأمريكي وقتها

جاء المعرض الاستعادي بمثابة مدخل لسلسلة ستنجز عن أعمال عارف الريّس، تكشفُ اللّثام عن كافة مراحل حياته وأعماله، ابتداء بفترة إقامته بين بيروت والسنغال، وصولًا إلى أعمال التّجريد الإيطاليّة وهي من تنظيم الغاليري وإشراف القيّمة كاترين دافيد.

اقرأ/ي أيضًا: عن مجموعة صور جيلبير الحاج "إنها حياة رائعة".. وجوه تشبه عري أصحابها

ويأتي هذا النشاط بعد افتتاح الغاليري وتنشيطه عقب حالة الدّمار التي لحقته جرّاء انفجار بيروت، حيث افتتح المبنى بمعرض منحوتات ومجسّمات للفنان اللّبناني مروان رِشماوي.

في حديثها تصرّح السيّدة لينا كِرياكُس، وهي من ضمن فريق عمل المعرض: "بطبيعة الحال، المعرض يُمثّل الريّس وأعماله منذ 2019، ورغم كلّ الظروف المتعاقبة على بيروت والشُّحنات والعوائق أردنا أن تكون انطلاقة رحلة العرض مِنْ هُنا، والهدف الرّئيسي طبعًا هو تسليط الضّوء على تجربة فريدة في الفنّ اللّبناني المُعاصر، قلَّ نظيرُها".

توزعت الأعمال المعروضة على عدّة صالات وباحات مقسّمة حسب المراحل العمريّة للأعمال، تُفتتح بزاويةٍ ضخمة تتضمّن أوّل أعماله المُنجَزة أثناء فترة إقامته في السنغال. والثّانية تحتوي المرحلة الإيطاليّة حيثُ تشرّبَ الكثير من تفاصيل المشهد والثقافة الإيطاليّة وبثّها في لوحته، وذلك عقب حصوله على منحة دراسيّة لأربع سنوات في إيطاليا أمضاها بين مدينتي فلورنسا وروما.

الصّالة الثالثة تجسّد المرحلة الأمريكية، حيثُ أقام الريّس لعامين بعد انتدابه لتمثيل لبنان بمنحوتتين في المعرض العالمي في نيويورك، هذه المرحلة أخذت طابع التّجريد البحت ومن ثمّ التعبير متأثّرًا بالدّارج الأمريكي آنذاك.

في مرحلة روحية من تجربته، جسّد عارف الريّس هذه الفترة تشاخيص أقرب ما تكون إلى الفن الدّيني

الصّالة المُحاذية تنتقل إلى أجواء الريّس الروحيّة أو ما يُمكن تسميته بالمَرحلة الروحيّة، لو صحّ التعبير، هذه الأعمال أنجزت أثناء فترة الإقامة الأمريكيّة، ولكن حملَتْ بُعدًا آخر ونفسيّة أخرى، يرجُح السّبب في العودة إلى ذاكرة طفوليّة وإلى شيء من السّيرة. حسبما يذكُر العارفون بالجانب الشّخصي لعارف الريّس، أنّ هذه المرحلة الروحيّة تعودُ إلى مرحلة طفولته الّتي مرض فيها وتمّ نذرُهُ لدير صيدنايا وشفيَ إثر هذا النّذر، جسّد الريّس هذه المرحلة بتقاسيم وتشابيه وتشاخيص أقرب ما تكون إلى الفن الدّيني، أو المراحل الأيقونيّة.

اقرأ/ي أيضًا: نحّات العواء الإنسانيّ

في المنطقة الوسطى من الصّالة الضّخمة تبرز عدّة أعمال كان الريّس قد أنجزها خلال إقامته في السعودية، يمكن تسميتها بأعمال الصّحاري، وهي تسير جنبًا إلى جنب مع أعمال أخرى أنجزت في الفترة نفسها والحيّز المكاني نفسه وتضم 13 منحوتة ضخمة مُنجزة تباعًا بين جدّة وتبوك والرّياض، والّتي غابت هذه عن المعرض نظرًا للمساحة المحدودة للغاليري.

بعد ذلك تبرز فترة الحرب، في زاويةٍ مُحايدة ومُنسابة ضمن المعرض. زاوية فيها جانب من العُنف وهي من الأعمال الأكثر "سياسيّة" والمُستوحاة من حرب الاستقلال الجزائريّة ونضالات تحرير العالم الثّالث ونضالات الأمريكيين الأفارقة. تبدأ بلوحة أفردها لمقتل مارتن لوثر كينغ، وأخرى تشخيص وتشكيل لتشي غيفارا، ولا ينسى الريّس أيضًا حروب العرب وإسرائيل، حرب 67 أيضًا، ويُضاف إلى ذلك عددٌ من اللّوحات تجسّدُ الحرب اللّبنانيّة، كان الريّس بطبيعة الحال، وكأيّ فنّان متأثرًا بما يحدثُ ويحصل.

آخر أعمال الريِّس مجسّدة على شكل كولّاجات تأتي في الجناح الأخير، وتضمُّ كادرات وكولّاجات مُستطيلة أغلبُها ذات ثيمة نقديّة سياسيّة، تبدأ من أمراء الحربِ اللبنانيّة، وصولًا إلى متابعات في عناوين الأخبار والجرائد وبحوث أخرى في رموز وأشكال سياسيّة عربيّة.

يمكنُ الإشارة إلى أنّ أول معرض شهدتهُ تجربة الريّس كان في بيروت، بدعم من الصّحفيّة أرليت ليفي والفنان جورج سير والناقد الفنّي فيكتور حكيم ومدير المعهد الفرنسي للآثار هنري سيريغ. هذه الانطلاقة البيروتيّة أنذرت بشيء من التّنويع، وهذا ما بدا واضحًا في أقسام مختلفة من صالة العرض حيث يجد الناظرُ أمامه لوحات بثيمات مختلفة تُشعِرُ المتلقّي أنّه أمام فنان مُختلف وروحيّة مختلفة، على أن تبقى البصمة الخاصّة لعارف الريّس على شكلِ خيطٍ رفيعٍ يجمعُ هذه الأعمال كلّها.

انتهى المعرض المونوغرافي الأوّل في الثّامن من الشهر الجاري، وسوف ينتقل إلى متاحفَ عربيّة وعالميّة تبدأ من الشّارقة، ومن ثمَّ فالنسيا، وحيثيّات وأماكن أخرى.

خطوةٌ أولى وبارزة، يمكنُ اعتبارها "الرّقم صفر" في سلسلة المعارض الموسّعة حول الريّس التي ستُقدَّم بدون وجود فريق علميّ وفي ظلِّ أحلكِ الظّروفِ المُحيطة بالعاصِمة بيروت.

 

اقرأ/ي أيضًا:

معرض "محمد ديب والفن".. الروائي الذي كان فنانًا

بارنيت نيومان.. تجفيف الزمن