أصدرت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في حكومة تصريف الأعمال السورية، بعد تحرير سوريا من نظام بشار الأسد، قرارًا يتيح للطلاب المنقطعين عن الدراسة في المرحلة الجامعية الأولى والدراسات العليا بسبب مطالبتهم بالحرية ومواقفهم السياسية منذ عام 2011، التقدّم بطلبات للعودة إلى قيودهم السابقة في الجامعات العامة والخاصة على حد سواء، مما أعاد لهم الأمل من جديد في متابعة الفرع الجامعي الذي اختاروه وطَمَحوا إليه.
بعد سنوات من الانقطاع عن الجامعة، تتحضر ريم الفيلوني (33 عامًا) من مدينة معرة النعمان، بريف إدلب الجنوبي، للعودة إلى الجامعة مع بداية الفصل الدراسي الثاني.
حال الفيلوني كحال آلاف الطلاب السوريين الجامعيين الذين أثرت عليهم الحرب في سوريا وأجبرتهم على التوقف عن الدراسة، تاركين وراءهم آمالهم ومشاريعهم التي كانوا يخططون لتنفيذها بعد حصولهم على شهاداتهم الجامعية.
تتحدث الفيلوني لموقع "الترا صوت" حول ذلك قائلة: "لم أكن أتوقع أن أعود إلى مقاعد الدراسة مجددًا بعد أن تحطمت جميع أحلامي حين غادرت جامعتي بسبب الحرب وانعدام الأمان".
وتضيف في حديثها: "كنت في السنة الثانية من دراستي في كلية الصيدلة بجامعة حلب، حين قررت ترك الجامعة، وحُرِمتُ من الدراسة مع كثيرات من زميلاتي أيضًا، بسبب الخوف من الاعتقال من قبل عناصر النظام السابق بشار الأسد، الذين كانوا يعتقلون النساء والرجال على حد سواء، ودون تهم محددة".
الأمن كان منتشرًا بشكل مكثف في الجامعات السورية منذ بداية الثورة عام 2011، وكانوا يدخلون قاعات المحاضرات ويراقبون الجميع، وكان يمكن لحديث أو إبداء وجهة نظر حينها أن يكون سببًا للاعتقال
وتوضح الفيلوني أن الأمن كان منتشرًا بشكل مكثف في الجامعة منذ بداية الثورة عام 2011، وكانوا يدخلون قاعات المحاضرات ويراقبون الجميع، مما كان مرعبًا، حيث يمكن لحديث أو إبداء وجهة نظر حينها أن يكون سببًا للاعتقال. وتؤكد الفيلوني أنها تخلّت عن دراستها، لكن هاجس استكمال الدراسة ظل عالقًا في قلبها وعقلها طوال تلك المدة، لذا شعرت بسعادة كبيرة حين سمعت بقرار السماح للطلبة بالعودة لإتمام دراستهم الجامعية التي حُرموا منها، وتحقيق أمنياتهم التي كانت مؤجلة بسبب الحرب.
كما عاد الأمل إلى حياة الشابة سحر القدور (29 عامًا) من مدينة كفرنبل، جنوبي إدلب، بعد إصدار قرار العودة، الذي تعتبره فرصة لتحقيق حلم استكمال تعليمها الجامعي، والوصول إلى طموحها وتجاوز قسوة الظروف التي كانت تعترض طريقها.
وعن ذلك تقول القدور لـ"الترا صوت": "بعد اعتقال أحد أقاربي أثناء ذهابه إلى الجامعة في دمشق، أجبرني والدي على ترك دراستي الجامعية منذ عام 2016، وخلال الفترة الماضية أصبحت زوجة وأمًّا لثلاثة أطفال، واليوم سأعود لإكمال دراستي، وسوف أتحدى كل الظروف والعقبات لإتمام دراستي في كلية الإعلام بجامعة دمشق".
وتضيف القدور: "مشكلتي الدراسية هي جزء بسيط مما دفعه الشعب السوري من ثمن في سبيل حريته، واليوم أشعر بسعادة كبيرة، وأنا متأهبة لمواجهة الصعوبات الكبيرة التي ستعترضني جراء انشغالي بتربية أطفالي، وضرورة متابعة مشروعي الصغير في التدريس داخل المنزل لمساعدة زوجي في تأمين المصروف".
العودة إلى الجامعة بالنسبة للشابة سلوى البركات (32 عامًا) من مدينة سراقب تعني بداية جديدة وإرادة حياة، حيث أعادت لها ما فقدته، كما تعتبره حدثًا مفصليًا في مسيرتها الحياتية، يمنحها دافعًا لتعزيز نشاطها الثقافي والاجتماعي. وعن ذلك تقول لنا: "أوقفت دراستي الجامعية منذ بداية الثورة السورية، وتزوّجت بعد سنوات قليلة، وانتقلت إلى مسؤوليات أخرى".
ظنت البركات أن حلم إكمال تعليمها قد انتهى بسبب الوضع الأمني السيئ، وعدم قدرتها على الالتحاق بجامعتها في مدينة حلب، لكنها لم تنسَ حلمها الذي حان وقت تحقيقه قريبًا، إذ تطمح إلى إكمال دراسة الأدب الإنجليزي. وتضيف البركات: "وجدت نفسي أمًّا أمامي مسؤوليات كبيرة، وتربية أولادي في ظل الحرب والخوف، كلّ ذلك حال دون متابعتي الدراسة لأكثر من عشر سنوات. لم أنسَ خلالها الجامعة وضرورة متابعة الدراسة. مرّت الأيام والسنون وانتهت الحرب، وقد تجاوزت الثلاثين من عمري، لكن العمر ليس عقبة أمام مواصلة التعليم، بل مجرد رقم لا قيمة له أمام الأحلام والطموح".
ورغم سنوات الحرب الطويلة والمعاناة من النزوح، أدركت البركات أن ختام هذا الطريق الطويل والصعب والمعقد سيكون النور حتمًا، وعن ذلك تقول: "أتوق لإنهاء دراستي والحصول على وظيفة مناسبة تساعدني وأسرتي على العيش الكريم في ظل الأوضاع المعيشية الصعبة التي نعيشها".
من جهتها، تتحدث دكتورة الأدب العربي في جامعة إدلب، حنان الحسين (40 عامًا)، عن أهمية صدور القرار، قائلة لـ"الترا صوت": "أصدرت وزارة التعليم العالي في حكومة تصريف الأعمال السورية قرارًا بعودة الطلاب إلى مقاعد الدراسة في الجامعات بعد انقطاعهم منذ بداية الثورة السورية، وهو قرار هام لكل من اضطر لترك دراسته أو أُجبر على ذلك عند انطلاق الثورة في سوريا عام 2011".
وتوضح الحسين في حديثها أن "الكثير من الطلاب لم يلتحقوا بجامعات أخرى لأنهم تركوا دراستهم أو غادروا سوريا دون أن يحصلوا على أية وثائق تثبت أنهم جامعيون، مما يعني أنهم خسروا سنوات دراستهم السابقة، بينما لدى آخرين أوراق غير مكتملة، ولا تستوفي متطلبات الجامعات في الدول الأخرى".
وأضافت الحسين: "اضطر الكثير من الطلاب لترك جامعاتهم، وخاصة النساء، حيث لم يعد باستطاعتهن استكمال تعليمهن الجامعي في الجامعات السورية بسبب ظروف الحرب في مناطقهن أو الملاحقات الأمنية التي كانت أجهزة الأمن السورية تفرضها على جميع الطلبة المعارضين، لذا فإن قرار وزارة التعليم العالي فَتح الباب أمام مئات الطالبات لاستئناف دراستهن والحصول على الشهادات الجامعية".
وتشير الحسين إلى أن "إكمال المرأة تعليمها يساهم في تغيير مسار حياتها نحو الأفضل، وتحسين صحتها العامة والنفسية، وزيادة ثقتها بنفسها، كما يمكّنها من مساعدة أسرتها، ويمنحها أهمية في مجتمعها، ويمكنها من الدفاع عن حقوقها".
كانت متابعة الدراسة الجامعية في سوريا مشكلة كبيرة تواجه الطلبة بسبب تردي الوضع الأمني في البلاد، والتهديد بالاعتقال، والإجراءات التعسفية التي اتبعها عناصر النظام السابق. وبعد التغيير وسقوط النظام، عاد الأمل إلى نفوس الطلاب الجامعيين باستكمال تعليمهم بعد انقطاع دام لسنوات.