استشهاد ثلاثة صحفيين في غزة.. حملة ممنهجة لطمس الحقيقة
5 يونيو 2025
في جريمة جديدة تُضاف إلى سجل طويل من الانتهاكات بحق الصحفيين في غزة، استهدفت طائرات الاحتلال الإسرائيلي صباح الخميس خيمةً مخصصة للطواقم الإعلامية داخل ساحة المستشفى المعمداني وسط مدينة غزة، ما أدى إلى استشهاد الصحفيين إسماعيل بدح، وسليمان هاني حجاج، وسمير الرفاعي، وإصابة عدد من الصحفيين الآخرين.
من بين المصابين في الغارة، مراسل "التلفزيون العربي" إسلام بدر، إلى جانب المصوّرَين أحمد قلجان وإمام بدر، الذين كانوا يتواجدون في المكان مع عدد من الزملاء لتغطية التطورات الميدانية.
ووفق المعلومات الأولية، أُصيب أحمد قلجان بجروح خطيرة في الرأس، بينما تعرّض إمام بدر لإصابة في القدمين جراء صاروخ أطلقته طائرة مسيّرة. وتوصف جراح عدد من المصابين بأنها خطيرة، فيما تشهد غرف الطوارئ في المستشفى ازدحامًا شديدًا وسط محاولات حثيثة لإنقاذ المصابين.
وتداول صحفيون محليون صورًا ومقاطع مصورة تُظهر آثار الدمار ومعدات التصوير المحترقة، في مشهد بات يتكرر مع كل جولة قصف تطال الجسم الصحفي في غزة منذ بداية الحرب.
استهدفت طائرات الاحتلال الإسرائيلي صباح الخميس خيمةً مخصصة للطواقم الإعلامية داخل ساحة المستشفى المعمداني وسط مدينة غزة، ما أدى إلى استشهاد الصحفيين إسماعيل بدح، وسليمان هاني حجاج، وسمير الرفاعي، وإصابة عدد من الصحفيين الآخرين
تصعيد خطير ضد الصحفيين
أكد نقيب الصحفيين الفلسطينيين، ناصر أبو بكر، أن الاحتلال الإسرائيلي ارتكب مجزرة بحق الصحفيين داخل مستشفى المعمداني، راح ضحيتها ثلاثة شهداء من الطواقم الإعلامية.
وفي تصريح لقناة "التلفزيون العربي"، شدد أبو بكر على أن ما يجري في قطاع غزة يُعد "أكبر مجزرة ضد الصحفيين في التاريخ الحديث"، مشيرًا إلى أن قوات الاحتلال دمّرت حتى الآن نحو 115 مقرًا لمؤسسات إعلامية منذ بدء العدوان.
من جهته، أوضح مركز حماية الصحفيين الفلسطينيين أن استشهاد ثلاثة صحفيين وإصابة آخرين في قصف استهدف خيمة للصحفيين داخل المستشفى المعمداني يُعد جريمة بشعة جديدة تُضاف إلى سجل استهداف الصحفيين في غزة، مشددًا على أن ما جرى هو جزء من حملة مستمرة تستهدف العاملين في المجال الإعلامي بشكل مباشر. واعتبر المركز أن هذه الجريمة تُجسد حقيقة أن قطاع غزة بات أخطر مكان في العالم على حياة الصحفيين، في ظل غياب أي محاسبة دولية لمرتكبي هذه الانتهاكات.
حملة استهداف ممنهجة
وباستشهاد إسماعيل بدح، وسليمان حجاج، وسمير الرفاعي، يرتفع عدد الصحفيين الفلسطينيين الذين قضوا منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 إلى أكثر من 200 صحفي وإعلامي، وفق ما وثقته نقابة الصحفيين الفلسطينيين ومنظمات حقوقية دولية.
وفي تقرير نُشر في أيار/مايو 2025، وصفت منظمة "مراسلون بلا حدود" الوضع في فلسطين بالكارثي، مشيرة إلى أن استهداف الصحفيين خلال الحرب الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة يُعد انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني. وأشارت المنظمة إلى أن فلسطين تُعد واحدة من أخطر الدول في العالم بالنسبة للصحفيين، حيث قُتل عدد كبير من الصحفيين والعاملين في وسائل الإعلام على يد الجيش الإسرائيلي، مع تدمير غرف الأخبار ومعداتها.
من جهتها، أكدت "لجنة حماية الصحفيين" أن استهداف الصحفيين في غزة يُعد انتهاكًا للقانون الدولي الإنساني، الذي ينص على حماية الصحفيين أثناء النزاعات المسلحة. ودعت اللجنة إلى التحقيق في هذه الانتهاكات ومحاسبة المسؤولين عنها، مشيرة إلى أن الإفلات من العقاب يشجع على تكرار مثل هذه الجرائم.
تُظهر هذه التقارير أن ما يتعرض له الصحفيون في غزة ليس حوادث فردية، بل جزء من نمط ممنهج من الاستهداف، في انتهاك واضح للقوانين الدولية التي تحمي الصحفيين أثناء النزاعات المسلحة.
استهداف ممنهج ومُركّز
اللافت في حادثة الخميس أن الضربة استهدفت خيمة معروفة للصحفيين داخل ساحة المستشفى، ما يُضعف مزاعم "الخطأ غير المقصود" ويُعزز فرضية أن الجيش الإسرائيلي بات يتعامل مع الصحفيين في غزة باعتبارهم أهدافًا يمكن تصفيتها دون كلفة سياسية تُذكر، في ظل تواطؤ ضمني أو صمت من بعض القوى الدولية، وعلى رأسها الولايات المتحدة.
ويرى مراقبون أن هذا النمط من الاستهداف بات جزءًا من سياسة أوسع لتقييد التغطية الميدانية المستقلة، ومحاولة فرض رواية أحادية تهيمن عليها المصادر العسكرية الإسرائيلية. وفي هذا السياق، يقول صحفيون فلسطينيون إن مجرد حمل الكاميرا أو السترة الصحفية بات يُشكّل خطرًا وجوديًا على حياتهم، مؤكدين أن العشرات من زملائهم استُهدفوا رغم ارتدائهم زيًا واضحًا يُظهر هويتهم الإعلامية.
المستشفى المعمداني: مكان رمزي يتحول لساحة استهداف
استهداف خيمة الصحفيين في باحة مستشفى المعمداني يحمل رمزية قاسية. فالمستشفى الذي سبق أن تعرّض مرارًا لقصف دموي خلّف مئات الضحايا، يعود اليوم ليكون مسرحًا لجريمة جديدة، تكشف اتساع رقعة الانتهاكات الإسرائيلية التي لم تَعُد تستثني لا المنشآت الطبية والإعلامية.
وفي ظل هذا التصعيد، جددت نقابة الصحفيين الفلسطينيين مطالبتها بتدخل دولي عاجل لحماية الصحفيين، ودعت الأمم المتحدة إلى إرسال بعثة تحقيق مستقلة لتوثيق الجرائم المرتكبة ضد الجسم الصحفي في غزة، معتبرة أن "الصمت الدولي المستمر هو بمثابة ضوء أخضر لاستمرار إسرائيل في ارتكاب هذه الجرائم".
تُصرّ المؤسسات الإعلامية الفلسطينية على الاستمرار، ولو بحدّ أدنى من الإمكانيات وفي ظروف ميدانية بالغة الخطورة. فقد باتت التغطية من غزة عملًا نضاليًا بحدّ ذاته
غياب الردع.. واستباحة الحقيقة
التحليلات الحقوقية ترى أن غياب أي مساءلة دولية لإسرائيل عن الجرائم السابقة ضد الصحفيين، وعلى رأسها اغتيال شيرين أبو عاقلة في الضفة الغربية عام 2022، شجّع على تكرار ذات النمط في غزة. ومع كل صحفي يُقتل، تدفن روايات كان يمكن أن تصل إلى الرأي العام العالمي، في وقت تزداد فيه حملات التضليل الإعلامي والتعتيم المفروض على القطاع.
ويشير خبراء في القانون الدولي إلى أن استهداف الصحفيين يُعدّ جريمة حرب بموجب المادة 79 من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف، وهو ما يفتح الباب لمساءلة قانونية في حال توفرت الإرادة السياسية للمحاسبة.
الصحافة الفلسطينية في مهب الريح
ورغم هذا الواقع القاتم، تُصرّ المؤسسات الإعلامية الفلسطينية على الاستمرار، ولو بحدّ أدنى من الإمكانيات وفي ظروف ميدانية بالغة الخطورة. فقد باتت التغطية من غزة عملًا نضاليًا بحدّ ذاته، في ظل انقطاع الكهرباء وشبكات الاتصال، وانعدام الحماية والدعم. ورحيل كل صحفي من الميدان لا يُمثّل خسارة لمؤسسته وعائلته فحسب، بل هو أيضًا خسارة للرواية الفلسطينية التي تصارع للبقاء، في وجه محاولات محوها ميدانيًا وسرديًا.