تسلط دراسة حديثة وشاملة، أجرتها مجلة "نيتشر كلايمت تشينج"، الضوء على التسارع المقلق لذوبان الجليد خلال العقدين الماضيين، حيث أُجريت هذه الدراسة من خلال مشروع مقارنة موازنة الكتلة الجليدية، وهي توفر تقييمًا عالميًا محسنًا لتغيرات الكتلة الجليدية بين عامي 2000 و2023. وتؤكد النتائج الحاجة الضرورية إلى اتخاذ إجراءات مناخية فورية للتخفيف من التأثيرات المتتالية لذوبان الجليد على المستويات المحلية والعالمية.
تسارع فقدان الأنهار الجليدية
تكشف الدراسة أن الأنهار الجليدية في جميع أنحاء العالم فقدت حوالي 273 جيجا طن من الجليد سنويًا خلال الفترة 2000-2023، مع تسجيل هامش خطأ زيادة أو نقصان بـ 16 جيجا طن. ويمثل معدل فقدان الجليد ارتفاعًا بنسبة 36%، مع هامش خطأ 10%، بين العقد الأول من القرن الجاري (2000-2011) والعقد الثاني (2012-2023) من هذه الفترة. إذ يعادل هذا الانخفاض المُتسارع فقدان 6,542 جيجا طن من الجليد على مستوى العالم، مع هامش خطأ 387 جيجا طن، مما يساهم بشكل كبير في ارتفاع مستوى سطح البحر.
كانت المناطق التي تحتوي على أكبر كتل جليدية هي المساهم الرئيسي في فقدان الكتلة الجليدية العالمية بين عامي 2000 - 2023، من جميع المناطق الجليدية الـ19 التي فقدت كتلًا جليدية
توضح "نيتشر كلايمت تشينج" أنه مقارنة بالصفائح الجليدية، تسهم الأنهار الجليدية بشكل غير متناسب في ارتفاع مستوى سطح البحر. إذ إن فقدان الكتلة الجليدية يزيد بنسبة 18% عن فقدان الصفائح الجليدية في غرينلاند، وأكثر من ضعف الفقدان في القارة القطبية الجنوبية، وهو مؤشر على الحاجة الملحة لتحسين عمليات الرصد التنبؤية لتعزيز توقعات المناخ المستقبلية.
التأثيرات الإقليمية والعالمية
ووفقًا للدراسة ذاتها، كانت المناطق التي تحتوي على أكبر كتل جليدية هي المساهم الرئيسي في فقدان الكتلة الجليدية العالمية بين عامي 2000 - 2023، من جميع المناطق الجليدية الـ19 التي فقدت كتلًا جليدية، حيث سجلت:
- ولاية ألاسكا في الولايات المتحدة 22%
- القطب الشمالي الكندي 20%
- الأنهار الجليدية المحيطة بجزيرة غرينلاند 13%
- جبال الأنديز الجنوبية في أميركا الجنوبية 10%
وفي المقابل، شهدت المناطق ذات المساحات الجليدية الأصغر النسب الأعلى من فقدان الجليد مقارنةً بحجمها، حيث فقدت أوروبا الوسطى 39% من جليدها، تليها القوقاز بنسبة 35%، ونيوزيلندا بنسبة 29%، وأجزاء من آسيا بنسبة 23%.
وبحسب "نيتشر كلايمت تشينج"، فإن النتائج الناجمة عن هذا التسارع في فقدان الكتلة الجليدية ستعقّد الأزمة المناخية، حيث يهدد نقص توفر المياه العذبة النظم البيئية. بالإضافة إلى ذلك، يُساهم تراجع الأنهار الجليدية في زيادة المخاطر الجيولوجية، مثل فيضانات البحيرات الجليدية، والانهيارات الأرضية، وتغير مجرى الأنهار، مما يعرقل النظام الهيدرولوجي والتنوع البيولوجي عالميًا.
التداعيات على ارتفاع مستوى سطح البحر في المستقبل
تُقدر الدراسة أن فقدان الكتلة الجليدية ساهم في ارتفاع مستوى سطح البحر 18 مم منذ عام 2000، مع هامش خطأ 1 مم، بمعدل 0.75 سنويًا، مع هامش خطأ 0.04 مم. فقد سجلت الفترة الممتدة ما بين عامي 2019-2023 خسائر غير مسبوقة في فقدان الجليد، حيث بلغ أعلى معدل فقدان للكتل الجليدية 548 جيجا طن في عام 2023، مع هامش خطأ 120 جيجا طن سنويًا، أي ما يعادل 1.51 مم من ارتفاع مستوى سطح البحر سنويًا، مع هامش خطأ 0.33 مم.
تشير هذه الإحصائيات، بحسب "نيتشر كلايمت تشينج"، إلى أن السيناريوهات المتوقعة لفقدان الكتلة الجليدية بحلول عام 2040 قد تم تجاوزها بالفعل، مما يستدعي الحاجة الضرورية إلى إعادة تقييم استراتيجيات مكافحة تغير المناخ. وفي حال استمرت الاتجاهات الحالية، فإن فقدان الكتلة الجليدية في النصف الثاني من القرن الجاري سيعتمد بشكل كبير على انبعاثات الغازات الدفيئة، حيث تشير التقديرات إلى أن من 25 إلى 29% من الكتلة الجليدية قد تختفي في ظل سيناريوهات انخفاض الانبعاثات، بينما قد يتراوح فقدان هذه الكتلة من 43 حتى 54% في ظل سيناريوهات الانبعاثات المرتفعة في وقتنا الراهن.
ولسد فجوات الرصد وتقليل عدم اليقين، تقترح "نيتشر كلايمت تشينج" تطوير مجموعة مجالات رئيسية لرصد التنبؤات المستقبلية، من ضمنها:
- تعزيز تغطية الرصد الإقليمي، لا سيما في المناطق غير الخاضعة للمراقبة.
- توحيد افتراضات تحويل الكثافة لتحسين حسابات الكتلة.
- زيادة الدقة الزمنية للملاحظات إلى فترات شهرية أو أكثر لتحسين التقييمات الهيدرولوجية.
نظرة علمية
يؤكد المؤلف الرئيسي المشارك للدراسة، نويل غورميلين، أن هذه النتائج تُعد "تذكيرًا بأن التغيرات المناخية تحدث بسرعة في بعض المناطق"، مضيفًا أن "الأنهار الجليدية تلعب أيضًا دورًا مهمًا في توليد الطاقة"، موضحًا أنه على سبيل المثال "يعتمد 70% من الكهرباء في أيسلندا على الطاقة الكهرومائية، والتي تعتمد على ذوبان الجليد. وينطبق هذا أيضًا على جبال الأنديز وأجزاء من أوروبا مثل سويسرا"، وفقًا لصحيفة "الغارديان" البريطانية.
دراسة حديثة أشارت إلى أن جائحة كوفيد-19 كشفت الفجوات العميقة في إمكانية الحصول على الأكسجين الطبي، خاصةً في الدول منخفضة ومتوسطة الدخل.
اقرأ التقرير: https://t.co/207kUEhtUW pic.twitter.com/bIzdNClNxI— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) February 19, 2025
ويضيف غورميلين، وهو أستاذ مراقبة الأرض في جامعة إدنبرة، قائلًا: "الأنهار الجليدية تُعد مقياسًا حساسًا لتغير المناخ، ونتائج هذه الدراسة تقدم قياسًا واضحًا لتأثير التغيرات المناخية خلال العشرين عامًا الماضية"، موضحًا أنه "من خلال تتبع هذه التغيرات، يمكننا تقييم مدى فاعلية التدابير التي نتخذها لمواجهة تغير المناخ".
بدوره، يشير رئيس قسم الجغرافيا وعلوم البيئة في جامعة نورثمبريا، أندرو شيبرد، إلى أن "ذوبان الأنهار الجليدية يتسارع مع مرور الوقت، وحتى الكميات الصغيرة من ارتفاع مستوى سطح البحر يمكن أن تؤدي إلى زيادة الفيضانات الساحلية"، لافتًا إلى أن "كل سنتيمتر واحد من ارتفاع مستوى البحر يعرض مليوني شخص إضافيين للفيضانات السنوية حول العالم".
وبحسب أستاذ علوم الأرض في جامعة إكستر، مارتن سيغرت، فإن "ذوبان الأنهار الجليدية، بعد ارتفاع حرارة المحيطات، يُعد ثاني أكبر مساهم في ارتفاع مستوى سطح البحر عالميًا"، مؤكدًا أن هذه الدراسة مثيرة للقلق لأنها "تتنبأ بالمزيد من فقدان الأنهار الجليدية". وتابع مضيفًا: "حتى لو كان معدل الارتفاع المتوقع صغيرًا مثل 2 سنتيمتر، فإن ذلك يشير إلى مساهمة الأنهار الجليدية الصغيرة وحدها، دون احتساب تأثير الصفائح الجليدية الكبرى في غرينلاند وأنتاركتيكا".