04-أغسطس-2017

هل يمكن أن يضمن النيل الأمن المائي المصري؟ (إيد جيلس/Getty)

قرر مجلس الوزراء المصري رفع أسعار مياه الشرب والصرف الصحي مرة أخرى، اعتبارًا من الشهر الجاري، ونُشر القرار في العدد الصادر من الجريدة الرسمية في الأول من آب/ أغسطس الحالي، وفي أول رد فعل رسمي من المسؤولين، صرح العميد محي الصيرفي، المتحدث الرسمي باسم الشركة القابضة للمياه والصرف الصحي، أن "على المواطن ألا يهدر المياه وأن يُرشّد استهلاكه، طالما أن الدولة تدعمه"، كما أن تلك الزيادة، حسب تعبيره، "تصب في مصلحة المواطن، وإذا رشّد المواطنون استهلاكهم لن يلحظوا تلك الزيادة بل على العكس ربما تأتيهم الفاتورة بسعر أقل".

تعتمد الحكومة المصرية سياسة "معلش" لمعالجة أزمة المياه في البلد مع غياب أي مساع أو خطة واضحة لتطوير مياه الشرب والصرف الصحي

اقرأ/ي أيضًا: مصر.. إنها حرب المياه

حلول أزمة المياه: "معلش"

نذكر إعلان بيت الزكاة المصري الذي عُرض في رمضان الماضي، وجسّدت فيه الممثلة المصرية دلال عبدالعزيز دور الزائرة التي تكشف أزمات الفقراء والفلاحين وتدعو الناس إلى التبرع بالأموال، وأثار الإعلان غضب المواطنين لما اعتبره البعض لامبالاة من دلال عبدالعزيز في رد فعلها على سيدة تعرض أمامها مشاكل القرية من مياه ملوثة، ليأتي رد دلال عبدالعزيز "الله يكون في عونكوا، معلش"، وقتها تدخلت مؤسسة الأزهر وطالبت بوقف الإعلان لأنه "يسيء إلى سمعة مصر".

بعد أن توقف عرض الإعلان، أجرت بعض الصحف مقابلات مع السيدة "عفاف"، بطلة الإعلان، لتكشف أنها لا تزال تعيش بلا مياه نظيفة وتلجأ إلى الشرب من البحر! تدخلت حينها مؤسسة الأزهر مرة أخرى، وطالبت بإعادة تأهيل منزل السيدة وصرف إعانة شهرية لها.

نجد أن تعامل الحكومة المصرية مع أزمات المياه يأتي من نفس مبدأ دلال عبدالعزيز "معلش"، فلا نرى مساعي حقيقية أو مشروعًا وخطة واضحة لتطوير مياه الشرب والصرف الصحي، حتى أن المساعدات تأتي إما عن طريق جمعيات أهلية تعتمد على تبرعات المواطنين، أو عن طريق مساعدات من دول خارجية، مثل ذلك المشروع الذي قادته الحكومة الهولندية لتحسين نسبة وصول المياه الآمنة للمنازل بمحافظة الفيوم، لترتفع النسبة من 10% فقط من منازل المحافظة التي يصلها مياه نظيفة في عام 1993 إلى 93% في عام 2009، وذلك حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الاجتماعية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة في عام 2013.

حياة المواطنين في خطر بسبب المياه الملوّثة

أشار تقرير صادر عن مركز الأرض لحقوق الإنسان إلى أن 80% من الأمراض التي تصيب مواطني العالم الثالث سببها المياه الملوثة، وتقدّر حالات الوفيات في دول العالم الثالث بعشرة ملايين حالة وفاة سنويًا بسبب المياه غير الآمنة، وأشار التقرير ذاته إلى وجود 19 دولة عربية تقع تحت خط الفقر المائي، وأكد التقرير على أن محافظة القاهرة التي يبلغ عدد سكانها قرابة العشرة ملايين تستهلك 57% من إجمالي استهلاك المياه في الجمهورية البالغ عددها 90 مليون مواطن، وأن أكثر من 30 مليون مصري يشربون مياه غير نظيفة.

يؤكد تقرير صادر عن مركز الأرض لحقوق الإنسان أن أكثر من 30 مليون مصري يشربون مياه غير نظيفة

ومن جهة أخرى، صرّح نقيب الفلاحين حسين عبدالرحمن الشهير بأبو صدام منذ أيام قليلة، أنه تلقّى شكاوى عديدة من الفلاحين في الآونة الأخيرة بسبب انخفاض منسوب المياه وعدم وجود مياه ري كافية مما يهدد ملايين الأفدنة الزراعية بالبوار، وقطع أرزاق ملايين الفلاحين، وتخوّف أبو صدام من استمرار الإهمال الذي يؤدي بالتبعية إلى موت المحاصيل وعجز في الزراعة وارتفاع أسعار الخضروات والفاكهة.

وهو ما أكدّه تقرير مركز الأرض بزيادة شكاوى الفلاحين لعدم وجود مياه نظيفة للاستخدام الآدمي أو للري، وأن المياه الملوثة تسببت في موت مئات الفلاحين بسبب الأمراض أو التسمم، وأنها تسببت في زيادة الأمراض بنسبة لا تقل عن 20%، وانتشار العديد من الأوبئة والأمراض مثل التيفود والفشل الكلوي والحمى القلاعية وأمراض الكبد وغيرها.

والحكومة المصرية على علم أكيد بكل هذه الأرقام وأكثر، فكان هناك تصريحًا إعلاميًا للعميد محي الصيرفي العام الماضي، أن 85% من جملة القرى المصرية لا يوجد بها صرف صحي، وأنه يواجه عجزًا في الميزانية من أجل تطوير هذه القرى، فهو "لا يملك 100 مليار جنيه لإصلاح القطاع"، حسب تعبيره.

سد النهضة الإثيوبي يزيد الطين بلة

صرّح الدكتور مصطفى مدبولي، وزير الإسكان المصري، في آذار/ مارس الماضي، أن نصيب الفرد المصري من المياه تراجع إلى 700 متر مكعب سنويًا، وبذلك تدخل مصر مرحلة الفقر المائي، ولا بديل عن اللجوء لتحلية مياه البحار خاصة في المدن الساحلية.

وتُصنف مصر منذ عام 2005 ضمن الدول التي تعاني من نقص في المياه العذبة، وذلك لنصيب الفرد الذي يقل عن 1000 متر مكعب سنويًا، ومن المتوقع أن تصل نسبة المواطن في عالم 2025 إلى 600 متر مكعب فقط في ظل تجاهل وتعامي من الحكومات عن الأزمة وسوء إدارة ملفات الأمن القومي للمياه وعلى رأسها ملف سد النهضة الإثيوبي، فعلى الرغم من إعلان إثيوبيا الشروع في مشاريع السدود على خط نهر النيل في عام 2011، إلا أن الحكومات المتوالية لم تكن بالجدية الكافية في التعامل مع الأمر.

وقد تم تداول أخبار في الشهور الماضية على وسائل التواصل الاجتماعي تؤكد بدء خزان النهضة في ملء المياه، ولكن نفت وزارة الري تلك الأخبار وأكدت عدم التأثير على نصيب مصر من مياه النيل، على الرغم من وجود تصريح سابق من وزير الري أن إثيوبيا لا تعترف بمصطلح "حصة مصر" وتُفضّل مصطلح "الاستخدام العادل والمنصف للمياه".

اقرأ/ي أيضًا: العطش قادم.. فهل توافق مصر على اتفاقية "عنتيبي"؟

ما حقيقة الوضع المائي؟

عدم شفافية الحكومة المصرية في توضيح الأمور كما هي للمواطنين، وتضارب التصريحات من المسؤولين بين خطورة سد النهضة أو تعهدات إثيوبيا بعدم المساس بحصة مصر، وسوء التعامل مع ملف سد النهضة منذ 2011، كل تلك الأسباب أدت إلى رؤية معتمة وفقد المواطنين ثقتهم في الحكومة واللجوء إلى تصديق كل ما يُقال بالسلب والتخوف الشديد من تلك الحقائق أو الشائعات، فيُصرح المسؤولون حينًا بتعهد إثيوبيا بعدم المساس بحصة مصر، برغم عدم وجود معاهدات رسمية بين الدولتين تحفظ حق مصر المائي في نهر النيل حتى الآن، ثم تنفي إثيوبيا هذا التصريح وتؤكد على الاستخدام العادل والمنصف، وهو مصطلح واسع المعنى ذو تفسيرات مختلفة.

وفي الوقت ذاته نلاحظ تدخلات إسرائيلية في إثيوبيا والسعي لعقد استثمارات عديدة ودعم المشاريع التنموية بإثيوبيا، والاستفادة من الموارد المائية عبر وسائل تكنولوجية حديثة تزودها بها إسرائيل، وذلك حسب تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو في زيارته الأخيرة لإثيوبيا.

كل تلك الشواهد تشير إلى فشل مصر الذريع في التعامل مع ملف الأمن المائي، وفشل الحل التفاوضي بين مصر وإثيوبيا. في الأثناء، يشير البعض إلى الحلول العسكرية وتهديد إثيوبيا بالتدخل العسكري في حالة المساس بحصة مصر في نهر النيل، وهو سيناريو خيالي صعب التحقيق في حين تدخل إسرائيل لدعم استثماراتها في إثيوبيا وبالتأكيد سعيها لرد أي انتهاك خارجي سيتسبب بالضرر لتلك الاستثمارات، بالإضافة لانشغال الأجهزة الأمنية المصرية بالحفاظ على الجبهة الداخلية ومحاربة الإرهاب، ووجود مشاكل أمنية مع ثلاث جبهات حدودية مفتوحة، منطقة سيناء في الشمال الشرقي، والحدود الغربية مع ليبيا ومشاكل تهريب السلاح للداخل، وأزمات المهربين في الحدود الجنوبية مع السودان وأزمة التصارع على أحقية البلدين في مثلث حلايب وشلاتين.

أصبحنا أمام سيناريو عسكري مستحيل التحقيق للحفاظ على الأمن المائي، وسيناريو آخر تفاوضي أثبتت الحكومة فشلها فيه، فالسؤال المطروح هو ماذا يخبئ المستقبل القريب للمصريين؟ الشواهد تشير إلى أزمات جديدة ومشاكل لا حلول واقعية لها أو خطة واضحة لمواجهتها إلى حد الآن.

 

اقرأ/ي أيضًا:

حرب نظام الأسد على المعارضة.. بماء الشرب أيضًا

تونس.. هل تتحقق انتفاضة العطشى؟